قراءات نقدية
مثنى كاظم صادق: كريم القيسي على باب السياب

كثيراً ما نقرأ في كتب التراث الأدبي هذه العبارة: وأنشد قصيدته أو أنشد الشاعر شعراً فالإنشاد هو تلاوة الشعر بنبرة خطابية مفخمة، وهو أعم من الإلقاء الذي هو قراءة القصيدة بشكل عربي سليم ونطقها بشكل صحيح مع قدرة الشاعر على توصيل الانفعالات العاطفية....وبعد فقد ورد عن حسان بن ثابت بيته الآتي:
تغنَّ في كل شعرٍ أنتَ قائلهُ / إنَّ الغناءَ لهذا الشعرِ مضمارُ
الشاعر كريم القيسي هو من الشعراء الذين يجيدون إنشاد الشعر وإلقائه وغنائه مقاماً عراقياً أصيلاً... أقول عن الشاعر كريم القيسي أيضاً: إنه أسير الحرب والحب وهذه قراءتي له وعن وقوفه على باب السياب بوصف هذا الباب عنواناً لمجموعته الشعرية.
(1) العنوان بوصفه عتبة: مع أن الشاعر ينظم قصيدة العمود إلا أنه اختار السياب عتبة لديوانه الشعري وجعله باباً لقصائده، أيعني به باب التجديد في الصورة الشعرية أم يعني به باب الحب أم الاثنين معاً؟ فقد حفل الديوان بقصائد أصنفها كالآتي:
قصائد (غزلية / صوفية / وطنية / دينية / مدائنية).
(2) المعجم الشعري: لكل شاعر معجمه الشعري الخاص به، فهو هوية الشاعر، ولاسيما أن الشاعر يمتاح من بيئته، وتراثه، ولغته، ودينه، وتجربته، فضلاً عن ثقافته الذاتية إلخ... وقد برزت في قصائد الشاعر الألفاظ الآتية:
(ألفاظ الطبيعة / ألفاظ دينية / ألفاظ الخمرة / ألفاظ أجزاء الإنسان / ألفاظ الموت والحياة) وظفها الشاعر بانسجام لخلق المعاني والصور... يقول الناقد حازم القرطاجني (إنَّ المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان) فالشاعر ينقل لنا أحاسيسه بصياغة واقع جديد يحلم به.
(3) التناص عند الشاعر: التناص أو التعالق النصي هو الإفادة من نص آخر مشهور ومتداول لتوظيفه في نص جديد، كأن يكون نصاً قرآنياً أو شعرياً أو مثلاً دارجاً أو رمزاً أسطورياً إلخ... ويسمى أيضاً الاقتباس أو التضمين عند العرب، وقد استعمل الشاعر تناصين في قصائده هما:
تناص الامتصاص: وهو التناص الذي لا ينقل النص السابق حرفياً ولكنه يلمح إليه كما في هذا البيت (من لم يكن في الطوفان معتصما / بمركبي لا نجا ولا عبرا) فالتناص كما هو واضح مع قصة نوح وطوفانه المشهور.
تناص التحوير: وهو التناص الذي يقلب فيه الشاعر النص السابق ويعكسه؛ لكسر الجمود وإثارة الدهشة وتحقيق المفارقة والتساؤلات كما في هذا البيت:
(وقفتُ لا هدهدٌ ينبئني / ولا عفاريتٌ تنقلُ الخبرا) هنا تناص معكوس مع قصة سليمان والهدهد الذي أنبأ سليمان بعرش بلقيس ونقل الأخبار له عن طريق العفاريت لكن الشاعر ليس لديه ذلك ؛ فوقوفه هنا جاء من باب الحيرة والاغتراب لا من باب انتظار الأنباء والأخبار والعرش وقدوم المرأة، كما قدمت بلقيس على سليمان.
إن التناص عند القيسي ليس مجرد حشو لرمز ديني أو تأريخي أو سيري، بل هو عملية امتصاص ابداعي صهره بموهبته ودمجها مع تجربته الشعرية الوجدانية.
(4) شعرية المكان: يحتفي الشاعر بالأمكنة كثيراً، ولاسيما الأمكنة ذات الفضاء الواسع المفتوح، ولعل هذا الاحتفاء عوضه عن الأمكنة المغلقة التي كان فيها (أقفاص الأسر) التي عاش فيها إبان حرب الثمانينيات، وعوضه أيضاً عن صور الخراب والدمار التي رآها عندما كان يعمل مراسلاً حربياً بعد 2003 م... ومن الأمكنة التي ذكرها (بغداد / ديالى / الأنبار / هيت / حديثة / البصرة إلخ كما في هذا البيت:
(قال الذين ادعوا هيتاً حبيبتهم / بأنهم أجملُ العشاق مذ عشقوا / يسَّابقونَ وعشقي اجتازَ أولَهُم / عشرين عاماً وقالوا إنهم سَبقوا).......
***
د. مثنى كاظم صادق
.....................
* باب السياب / مجموعة شعرية / كريم القيسي / الطبعة الأولى 2023/ دار المرايا للطبع والنشر والتوزيع / بغداد / باب المعظم.