قراءات نقدية

عدنان عويّد: دراسة نقدية لقصة "الرقص" للقاصة عبير عزاوي

عبير عزاوي. كاتبة عربيّة من سورية. مواليد ديرالزور 1972. إجازة في اللغة العربيّة وآدابها. دبلوم تأهيل تربوي في اللغة الانكليزيّة. عملت في مجال التعليم المرحلة الثانوية في مدارس دمشق. عملت مدربة في عدّة ورشات إبداعيّة للفنون السرديّة. حاصلة على عدّة جوائز في فن القصة القصيرة. رئيسة صالون الراية للإبداع، وفريق كن كاتباً، الإبداعي. البدايات كانت من الطفولة والشباب. ثم توقفت لفترة من 2007، لغاية 2020 ثم عودة إلى الوسط الأدبي. قبل التوقف تم الحصول على عدة جوائز منها:

1- جائزة سعد صائب.

2- جائزة اتحاد الكتاب العرب في سورية لعدّة مرات.

3-جائزة منابر ثقافيذة لأفضل قصة في الوطن العربي عن قصة (خبز أمي).

4- وجائزة أفضل قصة قصيرة في الوطن العربي في زمرة الأدب الملكيّة عن قصة راقصة الباليه.

5- جائزة أفضل قصة قصيرة في رابطة بني هلال عن قصة – انتظار.

6- المركز الأول في مجموعة لغتي الخالدة عن قصة – بنت العفريتة.

7- ولديها العديد من المخطوطات القصصية.

8- نشرت قصصها في مجلات عربيّة وسوريّة مثل: الموقف الأدبي والبيان والمعرفة الكويتيّة والوحدة المغربيّة.

قصة الرقص: من المجموعة القصصيّة (الرقص).

البنية الدلاليّة للقصة:

(قد يرقص الطير مذبوحاً من الألم)...نعم هو الرقص الذي لا يعرف طعماً للفرح أو السعادة ... هو الرقص الذي لا يجيده إلا الفقراء أو الذين تركتهم الحياة على هوامشها يبحثون عن ذاتهم دون جدوى.. هو الرقص الذي يجيده من عانوا حالة الفقد في زمن الجوع والقهر والحرمان والظلم والاستبداد وشهوة الدم... هو الرقص الذي تُعزف له طبول الحروب الأهليّة وأنظمة الاستبداد بكل مرجعياتها التقليديّة من طائفيّة وعرقيّة أو أيديولوجيّة، هو الرقص الذي تشتغل عليه الغيبيات والأساطير وتكفير المختلف أو تخوينه. هو الرقص الذي يشتغل عليه أصحاب الأيديولوجيات المغلقة الذين يعتقدون بأنهم وحدهم من يعرف الحقيقة المطلقة دينيّة كانت أو وضعيّة... هذه هي دلالات الرقص في مجموعة (الرقص) للقاصة "عبير عزازي"، ومنها القصة موضوع دراستنا وهي القصة الأولى من هذه المجموعة وعنوانها (الرقص).

البنية السرديّة أو الحكائيّة للقصة:

(أطفأت الحمى طفلتها الصغرى، بعد أن ودعت أبناءها واحدا تلو الآخر، بين قتيل وأسير ومفقود.)

بهذه العبارة المشبعة بطعم الفقد المر، ابتدأت القاصة " عبير" قصتها (الرقص).

فبعد موت آخر ما تبقى لها من زينة الحياة الدنيا (أولادها)، (نثرت على الطرقات خبز الميتين وأهرقت ماء الشجن، وغابت في لجة مرض أقعدها شهوراً). وفي ليلة مقمرة طحنت الحمى جسدها، نهضت من فراش المرض دون وعيها، بعزم غريب جعل أطرافها تتلوى وجسدها يراقص الهواء، ورجلاها تنقران الأرض بخطوات رشيقة.... إن جنون الدم الفائر في عروقها ازداد... أوثقوها في غرفة نائية أقصى الدار، لكنها بقيت تهتز حتى تخلصت من الحبال وخرجت إلى زقاق البيت، ترقص وعيون الجيران تشهق دهشة غير مصدقة لما ترى، فراحت ألسنتهم تلوكها مباشرة دون أن تقدر ما تعاني من فجيعتها، وما وصلت إليه من حالة أقرب إلى الجنون إن لم يكن هو الجنون نفسه... اتخذت في البداية من الأزقة الترابية الفقيرة حيث تسكن مسرحا لرقصها...ثم قادتها قدماها الرشيقتان إلى الشوارع العريضة وسط المدينة... كانوا يسخرون، ويتهكمون منها، وبعضهم راح يقذفها ببقايا طعام أو مناديل قذرة، لكن المرأة بقيت ناصعة الجبين؛ ساهمة النظرة، شاردة اللب، وترقص بلا توقف.

في قمر اليوم الثالث رقصت في وسط الساحة الكبرى للمدينة وحدث أن انضمت لها فتاة طويلة الشعر واسعة العينين ذابلة النظرات أهزلها الحزن وفقد المحبوب... شقت الجمع وخرجت ترقص غير آبهة بأصواتهم الناهرة، ولا بأياديهم الممتدة لمنعها... وفي قمر الليل الرابع ركضت من بين الجمع امرأة ذابلة الخدين، مضمرة البطن وخلفها صغيرات ممزقات الثياب، انضممن جميعا للمرأتين، وأخذن يرقصن بحرارة جعلت الجمع المبهوت يصفق بيديّه ويزفر بحنق.

(مع كل ليل قمر جديد، تنسل امرأة أو اثنتان وتزيد قافلة الراقصات. أما أول رجل انضم لحمى الرقص فكان صيادا أفقده البحر ولديه في درب التهجير. تبعه شابان لهما عيون بلون الشفق، أما آخر المنضمين فكان الناجي الوحيد من الزلزال الكبير).

هكذا راحت جموع الراقصين تتكاثر في كل يوم وهم يجوبون الشوارع الهاجعة.. وفي قمر الليلة السابعة ... سقطت امرأة ميتة وسط الساحة، وعندما اقترب منها الناس عرفوها، كانت المرأة التي بدأت حمى الرقص... ورغم كثرة الراقصين الذين يسقطون صرعى، ظل الحشد يكبر... وشاعت أخبار عن البلاد السعيدة التي يرقص فيها الناس حتى الموت.

نعم هذه هي مأساة سورية التي أحاطت بها الفاجعة من كل مكان.. فتوزع أهلها بين مهجرين في الداخل بعد أن دمرت منازلهم، وبين مهجرين في الخارج بحثاً عن الأمن والاستقرار.. وبن مصاب في عينه أو قطع في ساقه أو ساعده.. .. وبين سجين كلمة أو رأي أو موقف سياسي ضد النظام الحاكم المستبد. كل ذلك في حرب لم ترحم أحدا. قتل فيها الكثير وأخذ المقتول اسم الشهادة إن كان ظالماً أو مظلوما.

عوالم القصة:

من خلال قراءتنا قصة الرقص للأديبة " عبير عزاوي" نجد عوالم القاصة التي تجلت في عملها هذا، ليست بسيطة أو ساذجة، وإنما هي عوالم متشابكة تموج بأفكار مختلفة تحمل ثقافة الكاتبة وفلسفتا في الموت والحياة والسياسة والجنون. وهذا ما يشير في الحقيقة إلى أن القاصة عاشت أو عايشت ظروف القهر والفقد والحرمان والمرض والفقر الذي أحل بمحيطها الاجتماعي.. إن الظروف القاهرة جعلت شخصيات القاصة تحس بالفقد والضياع والغربة وهذا ما أوصلها إلى الجنون بسبب تناقضات المجتمع وصراعاته وفقدان الأمان والاستقرار.

البنية الجماليّة والفنيّة للقصة:

ما يميز القصة القصيرة في الأدب القصصي، هو اختصارها للحدث، أو اعتبارها لحظة مشحونة، لها إيحاءاتها العميقة، واكتفاؤها بعدد قليل من الشخصيات، مثلما لها مكان واحد أو مكانين، ولها زمان محدود، ولغة خاصة مركزة. هدفها في العموم إيصال فكرة معينة، أو إثارة إحساس معين لدى القارئ في وقت قصير.

العتبة السيميائيّة في عنوان القصة:

لم يأت عنوان القصة (الرقص) عبثاً، بل جاء مدروساً وبعناية فائقة. فالرقص هنا ليس هو ذاك الرقص الذي يهتز له البدن طرباً، وتحركه عواطف الإنسان وعقله وحواسه، وأجواء الفرح التي تحيط به. بل هو ذاك الراقص الذي فقد فيه الإنسان كل مشاعره وأحاسيسه الإنسانيّة، بعد أن تعرض هذا الإنسان إلى حالات من القهر والعذاب والظلم والفقر والجوع والتشرد والفقد. هنا تحت ضغط المأساة يفقد الإنسان توازنه العقلي والعاطفي والشعوري والحسي، فتأخذه مأساته إلى حالات من الجنون أو الهستيريا، لقد جاء العنوان ليشي بنوع آخر من الرقص إذن، تتغير فيه طبيعة الحركات الجسيمة التي بدأت تنال جسد وعقل الإنسان عموما وحولت حياة الراقص بكل تفاصيلها إلى جحيم. وهذا ما ينطبق عليه القول الشائع: (يرقص الطير وهو مذبوح من شدّة الألم).

لقد تبدت لنا البساطة في التشكيل الفني للقصة، حيث اعتمدت القاصة على عرض قصتها من خلال السرد القائم على الوصف، بعيداً عن أي حوار أو حتى منولوج داخلي، لقد جاء البناء السري في أسلوب بسيط وألفاظ غنيّة .. وهذا الشكل سهل وممتع لا يقدر عليه إلا الكاتب القدير والمتمرس في الكتابة، ويمتلك قدرات فنيّة تقوم على تجربة فنيّة واسعة في عطاءتها، ووضوح في الرؤية وعمقها، بحيث لم تترك القاصة في قصتها (الرقص) موضوع دراستنا أي حاجز بينها وبين المتلقي.

نعم إن ما ميز القاصة "عبير عزاوي" هنا، هو الوصف الرائع للشخصيات، هذا الوصف الذي حمل في بنيته تحليلاً نفسيّاً واجتماعيّاً، استطاعت التعبير عنه بكل سلاسة وثقة من خلال ألفاظ سهلة وبسيطة مشبعة بانفعالات عاطفيّة نجدها في قولها: (نثرت على الطرقات خبز الميتين وأهرقت ماء الشجن)، وفي (حاولت لجم أعضائها لكنها لم تستكن). و(غير أن جنون الدم الفائر في عروقها ازداد، وتوحشت حمى الرقص في شرايينها).. وبالرغم من أن القاصة "عبير" قد اعتمدت على الوصف إلا أنها لم تسهب أو تستطرد فيه، الأمر الذي جعل العمل في القصة مذهلاً، وهذا ما جعل بناء القصة متماسكاً، والشخصيات مرسومة بدقة، بحيث سيطرت القاصة على أحداث القصة سيطرة تامة.

لقد صاغت القاصة البنية السرديّة للقصة بضمير المتكلم، أو الراوي من الخلف، وهذا ما مكنها من استبطان شخصياتها وتحليلها، والقدرة في الدخول إلى عوالمها الداخليّة والجوانب الخاصة بها. كما في قولها: (حاولت لجم أعضائها لكنها لم تستكن). وفي (غير أن جنون الدم الفائر في عروقها ازداد، وتوحشت حمى الرقص في شرايينها.). و(طحنت الحمى جسدها.. أنهضتها من فراش المرض.. دفعتها بعزم غريب جعل أطرافها تتلوى وجسدها يراقص الهواء).

لم تحوز شخصيات القصة على أي اسم، وهذا ما حولها إلى رموز لها دلالات ارحب وأعمق، قدمتها القاصة للمتلقي كحالات إنسانيّة تتكرر في المجتمع، وخاصة في زمن القهر والعذاب والاستبداد والصراعات الاجتماعية، طائفية كانت أو عرقيّة أو سياسيّة.

لقد أنهت القاصة قصتها نهاية منسجمة مع النسيج العام للقصة، بحيث لم تبدو النهاية مقحمة أو غريبة.. فنهاية الجنون إذا استفحل قد يؤدي إلى الموت والانتشار بأشكال مختلفة وبأجناس وأعمار مختلفة، كما جاء في نهاية القصة.

الصورة في قصة (الرقص):

يأتي الاهتمام النقدي بدراسة بناء الصورة في الأدب بشكل عام، وفي القص الأدبي بشكل خاص، من منطلق أن الصورة أساس الخلق الفني، كونها تحمل المواقف الاجتماعيّة والفنيّة والجماليّة وخلجات الروح الداخليّة للقاص في النص الأدبي. كما وتسهم في فهم تجربة الأديب الإبداعيّة ذاته من خلال قدرة الصورة على بناء الأشكال المجازيّة التي تنقل رؤية الأديب للمتلقي. وتعمل على تحويل الواقع الحسي إلى عوالم إبداعيّة خلاقة.

لنتابع بعض هذه الصور الإبداعيّة التي جادت بها قريحة وخبرة وعمق تجربة القاصة "عبير عزاوي". وهي هنا تتكئ على صور جمعت بين الحسيّة والتخيليّة، لتترك المتلقي في حالة اندهاش من قدرتها على الغوص في أعماق شخوصها. حيث تقول:

(أطفأت الحمى طفلتها الصغرى). و(نثرت على الطرقات خبز الميتين وأهرقت ماء الشجن.). و(غابت في لجة مرض أقعدها شهورا). و(حاولت لجم أعضائها لكنها لم تستكن). أو في قولها: (وعيون الجيران تشهق دهشة). الخ

لقد استطاعت القاصة أن تجعل من صورها التخيليّة داخل قصة (الرقص)أكثر حسيّة وجماليّة، حيث تميزت القصة بحشد التفاصيل الأساسيّة للحدث، ونقل هذه التفاصيل عبر وعي حاذق للقاصة، التي استمدت هذه الصور عبر الحواس أولاً، وعبر التخيل والمجاز ثانياً، مما ساهم في رسم صور بصريّة حققت قدرتها التأثيريّة على المتلقي.

العناية باللغة:

لقد اعتنت القاصة عناية بالغة باللغة التي صيغت بطريقة أقرب إلى الشاعريّة. حيث تجد فيها الكثير من المحسنات البديعيّة، كالترادف، والمقابلة، والتورية، وكثرة الانزياحات اللغويّة، والصور البيانيّة كالتشبيه والاستعارة والكنايّة، كما ظهر لنا كل ذاك التعدد في نوعيّة الجمل التي كانت تنوس بين الخبر والانشاء، هذا إضافة إلى ورود الجمل ذات المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، الأمر الذي يجعل المتلقي يشعر بأن مسألة التعامل مع البلاغة عند "عبير عزازي" تأتي بشكل مدروس كحرفة تمتهنها بشكل متعمد، وهذا ما حول الصفة الأدبيّة في القصة من السهل الممتنع، ومن حالة جمالية وفنية، إلى تصنيع متكلف أرهق دلالات المعنى إلى حد ما.. وهذا لا يعيب أسلوب القاصة على أية حال.

لقد جاءت اللغة في عمومها عند القاصة سليمة وفصيحة، استخدمت من قبل القاصة بقدرات تعبيريّة باهرة، وهذا يدل في الحقيقة على الثراء والغنى الفكري من حيث قدرة التعبير وقوة التصوير في آن واحد عند القاصة، كما يدل ذلك على أن القاصة حازت على لغة فنيّة خاصة بها. وهذه القدرة لا تأتي إلا من خلال وعي القاصة أيضاً بقضايا المجتمع بأفراحها وأحزانها، إضافة لعمق تجربتها.

المكان والزمان في القصة:

يعتبر كل من المكان والزمان من العوامل المؤثرة في العمل السردي عموماً، حيث يمكن أن يكونا خلفيّةً للأحداث، أو يكونا عنصرًا مهمًا في تطور القصة وسياقها. ويمكن للمكان أن يكون حقيقيًّا أو خياليًّا، ويمكن للزمان أن يكون ماضيًا أو حاضرًا أو مستقبلًا، وقد يكون المكان معبراً في دلالاته عن طبيعة المأساة الواردة في القصة، فالفقراء وأحياؤهم المتعبة في خدماتها دائما ما تكون الحاضن الرئيس لمآسي الفقراء، حيث تقول: (في بادئ الأمر طافت في الأزقة الترابيّة للأحياء الفقيرة، تتبعها عيون الناس ووشوشاتهم..). بيد أن حالة تصاعد شدّة الجنون وكثرة من أصابهم من أهل المدينة كلها، دفعها ومن جن معها للرقص: (قدماها الرشيقتان لم تتوقفا، بل قادتاها إلى الشوارع العريضة وسط المدينة... وفي قمر اليوم الثالث رقصت في وسط الساحة الكبرى).

أما الزمان فقد ارتبط في المكان وشكل الوجه الآخر للمأساة، إنه زمان تسلط دول الاستبداد وأيديولوجياته ونشر الجوع والقهر والتشرد والدم والجنون، فمع اليوم السابع كانت (قافلة الراقصين تجوب الشوارع الهاجعة كل يوم ثم تقضي الليل في ساحة المدينة، وكل يوم تزيد وفدا جديدا).

الرمز والايحاء في القصة:

لقد اعتمدت القاصة أسلوباً ممتعاً في تصوير الحدث، متكئة كثيراً على استخدام الرمز في تفرعاته الخصبة من إيحاء وإشارة وتلميح، حيث تقول: (أطفأت الحمى طفلتها الصغرى). أي قتلتها. أو في قولها: (وتوحشت حمى الرقص في شرايينها). أي فقدت القدرة على التوازن وبدأت ترقص دون وعي.

لقد اعتمدت القاصة "عبير" على تقطيع الحدث، وكسر الإيقاع وتداخله، بحيث تبدو القصة وكأنها مجموعة من الفقرات الموجزة، غير المسترسلة، ولكنها الموحدة في بنيتها الدلاليّة، قدمتها القاصة لتكشف عن ايحاءات فكريّة وفنية قويّة.

ملاك القول:

إن الكاتب أو الأديب الحقيقي هو الذي يلتزم بالواقع المحيط به، وينحاز لجذوره الاجتماعيّة والطبقيّة وتناقضاتها والعمل على تصويرها وطرح الحلول لها إن أمكن.

أو بتعبير آخر: إن الأديب الحق هو الذي يلتزم بواقعه بالقدر الذي يلتزم فيه بقيمه ومبادئه التي يبشر بها في كتاباته. (فالعناية بالطابع المحلي هي الطريق إلى العالميّة.) فلا سبيل لعالميّة الفن إلا إذا اهتم الأديب وعبر أولاً عن البيئة المحليّة التي عاش فيها. إن هموم الإنسان ومعاناته اليوم قد تختلف في الشكل، إلا انها تتلاقى من حيث الجوهر. والتجارب الأدبية بشكل عام تهدف إلى تحرير الإنسان من غربته وقهره واستلابه وجوعه ومقاومة من يعمل على امتصاص قوته وجهده وسلبه حريته وعقله.

من هذا المنطلق جاءت واقعيّة قصة (الرقص)، لقد سعت القاصة جاهدة إلى تصوير الحياة اليوميّة والأحداث الواقعيّة التي هزت سورية وشعبها خلال خمسة عشر عاماً. حيث ركزت هذه القصة على تصوير الشخصيات والمشاكل والتحديات التي واجهت قسماً كبيراً من المجتمع السوري في معاناته، فالجنون لدى معظم الشعب السوري أصبح ظاهرة تفقع العين... بيوت بمئات الآلاف تهدمت .. مليون قتيل أو شهيد لا فرق، عشرات الآلاف من المعاقين، وملايين من المشردين وعشرات الآلاف من الأرامل واليتامى والمفقودين.. لذلك راح الكل يرقص بهذا الشكل من الجنون أو ذاك، في الوقت الذي تمتلئ فيه المراقص الليليّة من الفاسدين وتجار الدم والوطن، وهم يرقصون فرحا دون مبالاة بمن يرقص من الجوع والقهر والألم والفقد.

***

د. عدنان عويّد:

كاتب وباحث من سوريا.

في المثقف اليوم