قراءات نقدية
حيدر عبد الرضا: قراءة في رواية "ساعة بغداد" لشهد الراوي
رواية المفكرة الشخصية وهستيريا الذاكرة الشخوصية
توطئة: عكست الخطابات الروائية المتمركزة على محور مركزية الأنا، ذلك الاختزال المفضفض في مسألة الابتعاد عن الحظوة الموضوعية، ما جعل مثل نموذج هذه الروايات ذا نزعة ذاتية ــ شخصية، ضيقة في آفاقها وتفاصيل مسرودها الذي يتركز غالبا في الحديث عن شواغل الذات وفضاءاتها المتوقفة على محاورات وتوصيفات وأفعال لا تتسع إلا لتشمل قوقعة الذات الراوية وهمومها وهواجسها الدانية.
ــ شواغل السرد في وقائع هامشية الحكي
يبدو للقارئ النخبوي (الناقد) أن محطات رواية (ساعة بغداد) هي ذلك النوع من الروايات الموغلة في هواجسها الآنوية والحسية الفجة التي لا تطال سوى الكلام عن أحوال ومواقف قامت كاتبتها باختزالها في شروط خاصة من الصناعة الشواهدية. إذ إنها لا تكترث سوى بما يجول في خواطرها من علاقات وصداقات وتفاعلات أواصرية مع وقائع ميدانية من زمن الأفعال السردية، بل هي لا تتعدى في وسائلها وفرضياتها الإنتاجية صورة فتاة تكتب عن يومياتها بطريقة بعيدة عن المخيلة المؤسسة على شروط إثراء النص وسمو الدلالات بما يتأتى من أفعال تقانية خاصة. أنا شخصيا حاولت غض النظر عن الكتابة حول هذه الرواية بعد الإفراغ من قراءتها ولكن ما أثارني حقا حجم الترويج والفبركة الإعلامية في حق هذه الرواية وصاحبتها معا، لذا قررت الكتابة عنها لغرض الكشف وتسليط الضوء على حجم المغالطات الشنيعة في مكونات هذه الرواية بوصفها فاعلا عن أفعال لها الأساس المنظوري في عملية البناء الروائي. بعد زمن قراءتنا لرواية شهد الرواي ــ ساعة بغداد ــ لم نكتشف بأن هناك من تجليات دينامية متبدية في عناصر الموضوعة الروائية، ناهيك عن سطحية آليات الحكاية وهدر خطابها في إنتاج علاقات أشبه ما تكون بالمذكرات أو اليوميات العادية والخالية من أية قيمة إنتاجية لتجربة رواية ما. ولو حاولنا نبين مستوى موضوعة الرواية لما وجدنا فيها سوى دلائل رابطة وشواهد مفعلة بين علاقة الشخصية المشاركة مع الجيران ومع صديقاتها المتشعبات بقصص العشق والمواعدة وسرقة القبلات في الشوارع الضيقة وبعض الحدائق: (عاشت نادية تفاصيل قصتنا، ولكنها كانت غير متحمسة، كانت تكرر أمامي بين مدة وأخرى جملة لا أحبها ولا أعرف كيف أرد عليها: ــ أنت تحبين فاروق أكثر من حبي لأحمد. / ص83 الرواية) على هذا النحو نتعرف على مواطن تشكل بذاتها ثلاثة أرباع السرد في الرواية، ومثلها ما كان مرتبطا بهجرة العوائل العراقية إلى خارج البلاد من جراء تزايد حجم الفاقة والعوز بين مستويات العوائل في الحي.
1ــ هوامش السرد وممكنات تفعيل الحضور النصي:
تفرض مظاهر الرواية منذ عتباتها الاستهلالية ذلك القصد التكويني الذي يشكل بذاته النظرة الأولى من قواسم الزمن السردي، حيث المادة السردية انسجاما واتساقا مع مستوى أحلام البطلة المشاركة عنصرا ساردا، إذ تسعى الراوية إلى تأسيس أشبه بمرحلة الأحداث الأولى من زمن انبناء النص كحال هذه الفقرات: (قبل أن أغمض عيني، رأيتها تبتسم وهي نائمة، تحرك شفتيها ببطء كأنها تتحدث مع نفسها. اقتربت منها وأنا مندهشة ووضعت وجهي مباشرة أمام وجهها، شاهدت أطيافا ملونة تتحرك حول جبينها، خيالات لم أر مثلها من قبل. / ص12 الرواية) الشخصية الساردة في الرواية تحفل بخلق عوالم حلمية خاصة في رؤية الأشياء عبر حدود وقائعها ومستوى تمثيلاتها في ذاتها التي تمتاز بإيراد الأسئلة والبحث في آفاقها الزمانية والمكانية، بلوغا نحو خيالات تتعلق بنمو بصيرة الشخصية أحيانا.
2ــ الزمن النذير في سرداب خيالات الضوء والظلام:
غالبا ما تراودنا تجليات الرؤية السردية في رواية (ساعة بغداد) من خلال عين التصورات المتواطنة في تفاصيل المشاهد البانورامية وامتداداتها المؤطرة بصوت وخطاب الراوي، لذا فإن أغلب الأفعال التي جاءت تحت سقف الملجأ كمأوى مفسحا المجال لتعالي موجات الظلام وتراقص أصيص ظلال الأجساد على رقع الجدران والمسافات القصيرة الفارغة بين عائلة وأخرى، لذا وجدنا الشخصية الساردة لها من حجم الرؤى ما تبلغ بها (رؤية جوانية ذاتية) أو ما يمكننا تسميته ب (الفاعل الداخلي). أي إن الساردة الشخصية ترى الأشياء أحيانا ضمن الفضاء الداخلي وتطرح مؤولات أخيلتها ضمن صورة متداخلة في مساحة مشهدية مؤطرة: (قبل أن أعود إلى مكاني ما، أشعل أحدهم سجارته بعود ثقاب، شاهدت ظلي يتحرك على الجدار ثم راح يكبر ويتمدد على سقف الملجأ ويتلاشى، بقيت واقفة في مكاني أفكر في ظلي... إلى أين ذهب في هذا الوقت؟! أين تختفي ظلالنا من هذه الحياة؟ هل أنا في الحقيقة ظل نفسي؟. / ص14 الرواية) سنلاحظ بأن هذه الشخصية هي من تولت في أغلب الأحيان تقنيتي (السرد ــ التبئير) لاسيما في حالة التماهي الكلية مع فواعل تقنية خاصة ك(رؤية برانية خارجية ــ رؤية برانية داخلية ــ رؤية جوانية داخلية) فالسارد الشخصية يرى السرد صورة تقف من خلالها تفاصيل الأشياء والأحوال، ويتبين من خلال وحدات أخرى في عملية السرد، بأن الساردة الشخصية: (في خيالي أعدت الناس الذين شاهدتهم في الملجأ إلى بيوتهم في شارعنا، رتبت تلك البيوت في خطوط مستقيمة ورسمت منها سفينة كبيرة تشبه المحلة التي ولدنا فيها، ثم رسمت دخانا أبيض يصعد ببطء نحو الغيوم. / ص17 الرواية). إن الكيفية التشكيلية للساردة الشخصية تمنحها حالات حلمية واقعة ما بين (محسوسية الرؤية ــ ذاتية الموضوعة) بلوغا نحو مفصليات أكثر تعلقا بحيوية مؤثرات الزمن والسفر من خلال حلم سفينة النجاة.
3ــ التخييل المفرط وأزدواجية الواقع:
لقد اعتمدت شهد الراوي في روايتها (ساعة بغداد) سطحين للسرد، أو مستويين: مستوى أول يجري في تقديم مادة الفتاة التي تدخل الأحلام، ورغم هشاشة هذا المستوى، غير إنه يجري في مواضع أكثر تناسبا وريشة الرسام، ومستوى ثان يكشف فيه عملية ما يخفيه المستوى الأول ببناء عوالم أكثر محكومية ببناء السرد والمسرود. تكشف وجوه الرواية عن شخصيات عديدة منها إجمالا الجيران الذين همو نصفهم بمغادرة الحي والآخرين الذين ينتظرون دورهم في عجلة الهجرة، كما ولا يخفى ظهور ذلك الرجل الكاشف للوقائع عن ظهر غيب فيما حولته الساردة الشخصية إلى فتاة ساحرة تماشيا مع نزوعاتها الحلمية والعاطفية.
ــ تعليق القراءة:
إن الطبيعة المزدوجة في رواية (ساعة بغداد) تمتلك بالتركيز موضوعة مزدوجة تحاكي صور الدمار والحرب حالات ومغامرات الحب والعشق في الأحداث وكأنها حلت كترنيمة في المزاوجة والطرح التناقضي: ولماذا كل هذه المغالاة في حب الصديقات ما يصل درجة العشق أحيانا؟ عموما أن الرواية محملة بخصائص الحالة الذاتية المفرطة ما جعل أحداثها تبدو وكأنها رواية المفكرة الشخصية التي توقع شخصيتها وشخوصها في هستيريا الصراع العاطفي والذاكراتي.
***
حيدر عبد الرضا







