قراءات نقدية

حمام محمد: خلع الوشاح.. في حضرة الليل والنور" في قصيدة ِاخْلَعْ وَشَاحَكَ

للشاعرة التونسية هادية السالمي

مَن يخلع الوشاح، يدفنه إحساسه في طُمرة عاتية من زمن، يدسه بين الذكريات الأليمة والمفرحة. وآخر الخلع هزيمة وغبن وملهاة بعيدة عن الواقع، يتشظى النص قهرًا، فلن يأتي بالحقيقة، بل سيظل الكاتب والنص مسافرين على الدوام، مقتنعين بأن خلع الوشاح سيزيد الأمر غُمّة، ولا يعطي للريح بهرجها المتولد من إرادة الله. فلا هي تهز نفسها بعلمها، بل برحمة الله.

يقول رولان بارت: "النص هو نسيج من العلامات، لا مرجعية له إلا ذاته" (Barthes, 1977)، وهو ما ينسجم مع فكرة النص المسافر والروح الباحثة عن معنى داخلي بعيد عن الواقع.

لِلَّيْلِ في الغُدرانِ أجنحة

مها كانت الغدران، فأجنحة الظلام مكسوة بعبير من الإسقاط الجميل على لوالب المعاني الكثيرة وهيامها بالبلاغة في نصوص مرتفعة، والأجنحة دروب وطرق تركن وتحاصر الليل. فلا هو عنها يستأخر، ولا يجب عليه ذلك، فقد خامر الدروب. فلتمسك لسانك ولا تجادل الليل، فقد دنا من أجنحته المحيرة: تارة تطلقها الريح، وأخرى يثنيها البساط الأبيض عن التقديم في لقاء ملكة الليل.

أشار كلود ليفي-ستروس إلى أن "الرمز البصري في النص يفتح أفقًا للمعنى متعدد الطبقات" (Lévi-Strauss, 1962)، وهو ما يظهر في النص من خلال أجنحة الليل والطرق المتشابكة.

كما له في كلّ القيعان أعمدة

وفي كل قاع مترفل الزوايا، توجد أعمدة خدومة متناسية التهميش، وهي انتقاء لمجموعة من الظروف شبهتها بالاعمدة، تصل بالكاد إلى أماكنها المثلجة بما يربد العطس ويزل الفتور والمرض.

في كفّهِ بَرْدٌ ومَسْغَبَةٌ، وفي مآقيه سَعِيرٌ، وبلاءاتٌ وحَنْظَلَةٌ...

حين تجرنا الأحزان، لا نملك إلا تلك البرودة القاسية التي تغطي كل أدمة يسكنها نسخ عصبي مارد، غير متجلي حتى طرفي الرمش والجبين، موضع الدموع تحترق داخليًا بدلالة رمزية رائقة، تخرج منها المحن المرة وما أخبر عن لمّا وضعت مفردة حنظلة ناسية انها فاكهة الدفلة.

و للعواصفِ صَهِيلُ الْحصَواتِ في مدامعه

والعواصف، في معانيها التخيلية، تكتب الأعاصير الدامغة لكل ذكرى كانت تتجمل لتخرجها المآقي دموعًا بلون الصهيل، يترجرج المعنى طربًا وحبوا نحو مكان التفضيل لعله يتذوق حلاوة الدموع المعبرة عندما تكون النار مشتعلة.

الليل يرسل ظلمته في شكل حجاب، وأجنحته مراتب ترقِّي إلى عالم رؤيوي لا يشبه مشهدًا سينمائيًا ولا غيره؛ فهو محاولة الاندماج في حضرة، فالظلام دومًا أمل للنور أو وصول إلى الشمس، والمكان في جوهره عالم من الترقي في بينة الأنثى وهي تفكر في الإضاءة والتنوير، فهي كالشمس تتمخض لتسرح لكيان الأنثوية، مرآة ترمز إلى ثورة صوفية.

للّيلِ في الغُدران أجنحَة،

ولِتِلالها على الأُخْدود أشرِعَة

مَوْعُودَة مُقْلَتُها بعِطْرِ يُوسُفَ ورُؤيَتِهِ،

ولِرِمالِها نُتُوءاتٌ وهَفْهَفَةُ أُغْنِيَةٍ.

كل الأوابد لها في رملها تعتمد القداسة كما فلقها قسم زليخة في يوسف، روح نورانية تمد الجمال والإيمان والتقوى لكل المقامات. فالشاعر شرّح الجمال بمده الشرعي بالتقوى والتسامي عبر المقامات، فقصيدته الكائنية هي مدرج نحو التنقل من مقام إلى مقام، وتسير الأنثى الكائنية حالمة في تصاعد متسامي عبر الطهر الكامل، تحوره بعد صقله الحضرة وسبوحاتها المثالية.

صَقْلٌ ومِطْحَنَةٌ

يا أيها الليل الذي أَسْدَلَ فوق كتفيها وجْهَهُ السَّمِج، فخلع الحجاب ليس وجهًا للتعرّي بقدر ما هو مربط كشف للوصول إلى حقيقة صوفية تبحث عنها أنثى في حجابها ومقامات الترقي إلى الحضرة القدسية.

اِخْلَعْ وِشاحَكَ،

فَإنَّكَ بِحَضْرَتِها،

وما على أقراطها

جِسرٌ لما تصبو وترتقب…

***

أ. د. حمام محمد – جامعة الجلفة / الجزائر

......................

اِخلعْ وشاحك

لِلَّيْلِ في الغُدرانِ أجنحة.

كما لَهُ في كلّ الْقيعانِ أعمدةٌ .

في كفّهِ بَرْدٌ و مَسْغَبَةٌ.

و في مآقيه سَعِيرٌ

وبَلاءاتٌ و حَنْظَلَةٌ.

و للعواصفِ صَهِيلُ الْحصَواتِ

في مدامعهِ.

للّيلِ في الغُدران أجنحَة.

و لِتِلالِها على الأُخْدودِ أشرِعَةٌ .

مَوْعُودَةٌ مُقْلَتُها

بعِطْرِ يُوسُفَ و رؤيَتِهِ.

و لِرِمالِها

نُتُوءاتٌ و هَفْهَفَةُ أُغْنِيَةٍ.

*

كلُّ الْأَوَابِدِ لها في رَمْلِها

صَقْلٌ و مِطْحَنَةٌ.

يا أيُّها اللّيلُ الّذي

أَسْدَلَ فوق كتِفَيْها

وجْهَهُ السَّمِجَ.

اِخْلَعْ وِشاحَكَ

فَإنَّكَ بِحَضْرَتِها.

و ما على أقْرَاطِها جِسْرٌ

لِمَا تَصْبُو وَ تَرْتَقِبُ...

***

بقلمي: هادية السالمي دجبي- تونس

في المثقف اليوم