دراسات وبحوث

محمد أحمد عبيد: مشكلات الإنسان المعاصر عند وحيد الدين خان

الملخص: يتناول هذا البحث مشكلات الإنسان المعاصر في ضوء رؤية المفكر الإسلامي وحيد الدين خان، الذي اهتم بشكل خاص بتحليل الأزمات الاجتماعية والنفسية التي يواجهها الإنسان في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم. وقد ركز البحث على ثلاثة محاور رئيسية: دور الدين في مواجهة الجريمة، وأسباب التفكك الأسري والأمراض النفسية الناتجة عن تجاهل القيم الإلهية، وأخيرًا أثر وسائل الاتصال الحديثة في إعادة تشكيل وعي الإنسان بالدين. وأكدت الدراسة أن الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة دون تأصيل ديني يؤدي إلى مزيد من الانحراف والاضطراب الفكري.

وقد خلص البحث إلى ضرورة التكامل بين القانون والأخلاق، وإعادة الاعتبار للقيم الأسرية، مع توجيه الجهود الإسلامية نحو العمل الدعوي المنهجي باستخدام أدوات العصر. كما أوصى بضرورة تشجيع الدراسات المتخصصة في فكر وحيد الدين خان للاستفادة من رؤاه في معالجة المشكلات المعاصرة.

الكلمات المفتاحيّة: المشكلات، الإنسان، المعاصرة، وحيد الدين خان.

Abstract:

This study addresses the problems of contemporary humanity in light of the vision of the Islamic thinker Wahiduddin Khan, who was particularly interested in analyzing the social and psychological crises facing humanity in light of the rapid transformations taking place in the world. The study focused on three main axes: the role of religion in combating crime, the causes of family disintegration and psychological illnesses resulting from ignoring divine values, and finally, the impact of modern communication methods in reshaping human awareness of religion. The study emphasized that reliance on modern technology without religious grounding leads to further deviation and intellectual confusion.

The study concluded that it is necessary to integrate law and ethics, restore respect for family values, and direct Islamic efforts toward systematic advocacy work using contemporary tools. It also recommended the need to encourage specialized studies on Wahiduddin Khan's thought to benefit from his insights in addressing contemporary problems.

Keywords: Problems, Human, Contemporary, Wahiduddin Khan.

المقدمة:

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمّ علينا النعمة، وجعل شريعته صالحة لكل زمان ومكان، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد بن عبد الله، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد؛

أولًا: أهمية الموضوع:

إن قضايا الإنسان المعاصر تُمثل اليوم محورًا رئيسيًا في مختلف الدراسات الفكرية والاجتماعية، نظرًا لما يشهده العالم من تحولات سريعة ومتلاحقة في شتى المجالات. وفي خضم هذه التغيرات، تبرز إشكالات عميقة تتعلق بالهوية، والانتماء، والأمن النفسي والاجتماعي، مما يجعل الحاجة ملحّة إلى قراءة هذه المشكلات من منظور منهجي متكامل يجمع بين الثوابت الدينية ومتطلبات العصر الحديث.

ومن هنا؛ برز فكر المفكر الإسلامي وحيد الدين خان كأحد الأصوات التي سعت بجدية لطرح معالجة فكرية ودينية للمشكلات التي يعاني منها الإنسان المعاصر، محذرًا من الاكتفاء بالحلول المادية والقانونية وحدها دون العودة إلى المنابع الأصيلة للإنسانية: الدين والأخلاق.

ومن هنا جاء اختيار هذا الموضوع بعنوان: "مشكلات الإنسان المعاصر عند وحيد الدين خان"، رغبةً في تسليط الضوء على أبرز القضايا التي تناولها خان، وتحليل رؤيته في كيفية علاجها في ظل التحديات الفكرية والاجتماعية الراهنة.

ثانيًا: أسباب اختيار الموضوع:

الحاجة إلى قراءة فكرية عميقة لمشكلات الإنسان المعاصر من منظور إسلامي متجدد.

ندرة الدراسات المتخصصة التي تناولت فكر وحيد الدين خان في معالجة هذه المشكلات بصورة منهجية متكاملة.

أهمية الربط بين الفكر الإسلامي وقضايا الإنسان الراهنة، وخاصة في ظل تنامي المشكلات الاجتماعية والأسرية والنفسية.

رغبة الباحث في تسليط الضوء على الجهود الفكرية المتميزة التي تربط بين الدعوة الإسلامية ومشكلات الواقع الحديث.

ثالثًا: إشكالية الدراسة:

تكمن إشكالية الدراسة في السؤال المركزي: كيف عالج وحيد الدين خان مشكلات الإنسان المعاصر في ضوء التغيرات الاجتماعية والثقافية، وما مدى فاعلية هذه المعالجة في تحقيق التوازن بين القيم الدينية ومتطلبات العصر؟

رابعًا: أسئلة الدراسة:

ما رؤية وحيد الدين خان لدور الدين في مواجهة الجريمة وتحقيق العدالة؟

كيف فسّر وحيد الدين خان العلاقة بين التفكك الأسري والمشكلات النفسية والاجتماعية؟

ما الدور الذي يمنحه وحيد الدين خان لوسائل الاتصال الحديثة في إصلاح الوعي الديني لدى الإنسان المعاصر؟

خامسًا: أهداف الدراسة:

توضيح رؤية وحيد الدين خان في معالجة مشكلات الإنسان المعاصر.

بيان العلاقة بين الدين والقانون في تحقيق العدل الاجتماعي في فكر خان.

تحليل أسباب التفكك الأسري والمشكلات النفسية من منظور وحيد الدين خان.

إبراز أهمية وسائل الاتصال في دعم العمل الدعوي وتصحيح المفاهيم الدينية.

سادسًا: حدود الدراسة:

الحدود الموضوعية: اقتصرت الدراسة على تحليل مشكلات الإنسان المعاصر كما عرضها وحيد الدين خان في كتبه ومحاضراته.

الحدود الزمانية: تناولت الدراسة الفترة التي برز فيها إنتاج خان الفكري، وخاصة النصف الثاني من القرن العشرين حتى وفاته.

الحدود المكانية: ركزت الدراسة على المشكلات العامة للإنسان المعاصر دون تخصيص لدولة أو مجتمع بعينه، نظرًا لعالمية خطاب خان.

سابعًا: منهج الدراسة:

اعتمدت الدراسة على المنهج التحليلي؛ لتحليل النصوص الفكرية لوحيد الدين خان، مع الاستعانة بالمنهج النقدي في تقييم الأفكار وربطها بالواقع المعاصر.

ثامنًا: الدراسات السابقة:

اطّلعت الدراسة على عدد من الدراسات المرتبطة بفكر وحيد الدين خان، ومن أبرزها:

دراسة: الطيب الأمير إبراهيم الفكي، الشيخ وحيد الدين خان وجهوده في الدعوة، رسالة ماجستير، كلية الدعوة الإسلامية، جامعة أم درمان الإسلامية، السودان، 1430هـ / 2009م، إشراف: نور الدين عوض الكريم إبراهيم بابكر، 267 صفحة.

تناولت هذه الدراسة جهود وحيد الدين خان في المجال الدعوي، مع التركيز على منهجه في تبليغ الدعوة وأسلوبه في الحوار مع المخالفين، لكنها لم تتعمق في تحليل المشكلات الاجتماعية والإنسانية التي تناولها خان في مؤلفاته المختلفة.

دراسة: طارق حسن محمد الخضري، وحيد الدين خان وآراؤه الاعتقادية والفكرية: دراسة نقدية، رسالة ماجستير، كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى، السعودية، 1431هـ / 2010م، إشراف: سعود بن عبد العزيز بن محمد العريفي، 416 صفحة.

ركزت هذه الدراسة على تحليل آراء وحيد الدين خان الاعتقادية والفكرية، مع مناقشة نقدية لبعض مواقفه الفكرية، لكنها لم تتناول بشكل مستقل مشكلات الإنسان المعاصر في فكره.

وعليه، جاءت هذه الدراسة لسد الفراغ في تحليل مشكلات الإنسان عند خان بمنهج مستقل.

تاسعًا: هيكل الدراسة:

جاءت الدراسة في مقدمة وثلاثة مباحث رئيسية، إضافة إلى الخاتمة والنتائج والتوصيات.

المقدمة: تناولت التعريف بالموضوع، وبيان أهميته، وأسباب اختياره، مع توضيح إشكالية الدراسة وأسئلتها وأهدافها وحدودها، والمنهج المتبع فيها، إضافة إلى عرض موجز لأبرز الدراسات السابقة ذات الصلة، وبيان هيكل الدراسة.

المبحث الأول: الدين في مواجهة الجريمة.

المبحث الثاني: التفكك الأسري والأمراض النفسية عند وحيد الدين خان.

المبحث الثالث: أثر وسائل الاتصال في الوعي وإعادة بناء فهم الدين.

الخاتمة: تتضمن أبرز النتائج والتوصيات المستخلصة من الدراسة.

المبحث الأول: الدين في مواجهة الجريمة

مقاصد الدين والحد من الجريمة:

تسعى الشريعة الإسلامية إلى تحقيق غايات عليا ومصالح شاملة للإنسان في الدنيا والآخرة، وذلك من خلال بناء مجتمع مثالي يقوم على العبادة الخالصة لله وإعمار الأرض، وتسخير الموارد الطبيعية لإقامة حضارة إنسانية عادلة، تتميز بالأمن والسلام وتحقق التوازن بين المتطلبات الروحية والمادية للإنسان، وتلك الغاية تعكس توازنًا دقيقًا في معالجة مختلف جوانب الشخصية الإنسانية، سواء الروحية أو العقلية أو الجسدية، في إطار شريعة تهدف إلى توفير ظروف معيشية تحقق الاستقرار والرفاهية للجميع(1).

وعند استعراض أحكام الشريعة، نجد أنها تعمل بشكل واضح على تحقيق مصالح الخلق من خلال ما يُعرف بالكليات الخمس، وهي(2):

حفظ النفس: تهدف الشريعة إلى حماية حياة الإنسان وسلامته الجسدية من الاعتداء أو الأذى، ولهذا السبب شرعت الحدود والعقوبات التي تمنع القتل أو الإيذاء الجسدي، كما أنها حرمت الانتحار وأمرت بالحفاظ على الصحة الجسدية.

حفظ الدين: تكمن أهمية حفظ الدين في تمكين الفرد من أداء عباداته بحرية ومنع أي تدخل أو إجبار يمس عقيدته، وقد شرعت الشريعة إجراءات حماية الدين من الفساد والاعتداء، بما في ذلك الدفاع عن الحق في العقيدة وفرض حدود لمنع الفتنة الدينية.

حفظ العقل: لأن العقل هو أساس القدرة على التمييز واتخاذ القرارات، فقد شرعت الشريعة ما يحافظ على العقل من كل ما يؤدي إلى فساده، مثل تحريم الخمر والمسكرات وكل ما يؤدي إلى تعطيل أو إضعاف القدرات العقلية.

حفظ النسل: الشريعة تعزز بناء الأسرة وحماية العلاقة الزوجية من خلال تشريعاتها المتعلقة بالزواج والإنجاب وحماية النسل من الانتهاكات الاجتماعية، وكذلك حرمت العلاقات المحرمة التي تهدد استقرار الأسرة، وحفظت حقوق الأبناء والأجيال القادمة.

حفظ المال: تحرص الشريعة على حماية المال من السرقة والفساد، وشرعت وسائل لحمايته كالحدود الخاصة بالسرقة، وأحكام المعاملات التجارية العادلة، وفي الوقت نفسه، تدعو الشريعة إلى التكافل الاجتماعي وضمان حقوق الفقراء والمحتاجين من خلال الزكاة والصدقات.

إن هذه الكليات الخمس تشكل حجر الزاوية في أي مجتمع إسلامي يسعى لتحقيق العدل والحد من الجريمة، ومن خلال تطبيق هذه المبادئ، تعمل الشريعة على تلبية احتياجات الأفراد والمجتمع بشكل شامل، بما يحفظ حقوقهم الأساسية ويعزز قيم التعايش والسلم الاجتماعي.

ومن أصول هذه الشريعة، يستمد المسلمون نظامهم في مواجهة الجريمة وأثرها المدمر للمجتمع، الذي من حقه الأمن والأمان، بما توفره الشريعة من وقاية من الجريمة، وردع لها في أحكام الحدود والقصاص والتعزيزات(3).

الحد من الجريمة في نظر وحيد الدين خان:

يرى وحيد الدين خان أن القانون بمفرده عاجز عن تحقيق العدل ما لم يرتبط بالأخلاق والدين، فالقانون من وجهة نظره لا يستطيع العمل بشكل مستقل لأنه يعتمد على السلوك الصادق للأفراد، وخاصة الشهود في المحاكم، وإذا تعمد الطرفان الكذب في قضية ما فلن يتمكن القاضي من كشف الحقيقة والوصول إلى العدل مهما بذل من جهد، وبالتالي يذهب خان إلى القول بأنه لا بد من وجود "قانون آخر" يتجاوز القانون المدني، يكون مبنيًا على الأخلاق والدين، ليحفز الناس على قول الحق(4).

كما يشير خان إلى أن جميع المحاكم حول العالم تعترف بهذه الحاجة إلى ربط القانون بالدين، وهو ما يظهر في إلزام الشهود بحلف اليمين بالله قبل الإدلاء بشهادتهم، وهذا الإجراء يؤكد على أهمية العقائد الدينية في الحفاظ على نزاهة القانون وتحقيق العدالة، ومع ذلك ينتقد خان المجتمع الحديث الذي قلل من أهمية المعتقدات الدينية إلى حد أن القسم أمام المحاكم أصبح مجرد إجراء شكلي أو تقليد لا يحمل أي تأثير حقيقي، مما يفرغ النظام القانوني من القيم التي يحتاجها لتحقيق العدالة(5).

إن وحيد الدين خان يتناول العلاقة بين الدين والجريمة من منظور إسلامي شامل، ويركز على دور الإنسان في تدهور الحياة بسبب سوء استخدامه للحرية التي منحها الله له، بالإضافة إلى الحلول الإسلامية التي يقدمها الإسلام لمواجهة هذا التدهور من خلال الإصلاح الديني والاجتماعي، فيبدأ بتوضيح أن الكون بأسره يسير وفق نواميس إلهية لا يمكن التمرد عليها، حيث ينقاد كل ما فيه -من النملة إلى الكواكب والمجرات- إلى إرادة الله، إلا أن الإنسان، على عكس باقي المخلوقات، قد منح حرية الاختيار ليقوم بتحديد مساره إما نحو الخير أو الشر، ويرى أن هذه الحرية تشكل أساساً للاختبار الإلهي، حيث يُمتحن الإنسان في كيفية استخدامه لهذه الحرية(6).

إن هذه الفكرة تعبر عن رؤية إسلامية تقليدية ترى أن العالم مليء بالخيرات والنعم التي أودعها الله، ولكن بسبب الفساد الناتج عن سوء تصرف الإنسان، تحولت الدنيا إلى مكان مليء بالعذاب والمحن، وقدر الله هذا الفساد من أجل التمييز بين من سيختار طريق الحق والإصلاح وبين من سيختار طريق الفساد، ويركز وحيد الدين خان على مفهوم "الزمرة المصطفاة" أو "النوع الأفضل" من البشر الذين تم اختيارهم من بين بني الإنسان، وهم أولئك الذين يختارون طاعة الله بإرادتهم الحرة، وهؤلاء الأفراد يمثلون النخبة الروحية التي لا تستسلم للأنانية أو الأهداف الشخصية، بل يسعون إلى تحقيق الحق والعدل وتطبيق القيم الإسلامية(7).

ويرى وحيد الدين خان أن هذا الاختبار ليس مجرد تحدٍّ فردي، بل هو جزء من مسار تاريخي طويل من الصراع بين الفساد والصلاح، ويشير إلى أن تاريخ الإنسان مليء بالظلم والفساد، وهذا يعكس استخدام الإنسان لحريته بطريقة خاطئة، ولكنه في الوقت نفسه يعتبر هذا الفساد وسيلة لتجلي الخيار الأفضل من بين الناس، حيث يختار الأفراد الأتقياء الإيمان والصلاح عن وعي وإرادة، رغم أن لديهم الحرية للقيام بالعكس(8).

ينتقل وحيد الدين خان بعد ذلك إلى مناقشة مفهوم الإصلاح الإسلامي، ويرى أن الإسلام لا يعتمد على الثورة السياسية أو المدنية كأسلوب مباشر للتغيير، وبدلاً من ذلك يعتبر التغيير نحو الأفضل نتيجة غير مباشرة لتطبيق الإسلام في الحياة، أي أن التغيير الذي يحدث في المجتمع يأتي نتيجة لترسيخ قيم الإيمان والإخلاص، وليس من خلال القفز إلى السلطة أو السيطرة على الحكم، ويرى أن إصلاح المجتمع يأتي من خلال تكوين "زمرة مختارة" من المؤمنين الذين يعيشون حياة نقية روحياً وأخلاقياً، وهؤلاء الأفراد ينتمون إلى مجتمع يُدار بواسطة رجال لا تغريهم التجارة أو السياسة عن ذكر الله وعبادته، ويعتبر هؤلاء القادة الفاقدين للأنانية هم الذين يستطيعون قيادة الأمة نحو إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي دعائم النظام الإسلامي(9).

وفي نقد وحيد الدين للحركات الإسلامية المعاصرة، يشير الكاتب إلى أنها قد انحرفت عن الطريق الصحيح بالتركيز على السياسة والقوة بدلاً من الدعوة والتربية الروحية، ويرى أن هذه الحركات غالباً ما تتخذ الهتافات السياسية والشعارات الدينية واجهة للوصول إلى السلطة، ولكنها في الحقيقة تهدف إلى تحقيق أهداف شخصية ضيقة، ويعتبر أن هذا التوجه السياسي يؤدي إلى الفوضى بدلاً من الإصلاح الحقيقي، حيث يتم التركيز على السعي وراء السلطة بدلاً من العمل على تربية الأفراد الروحيين وإعدادهم لتحمل المسؤولية بطريقة إسلامية خالصة، ويشدد على أن هذه الحركات لا يمكن أن تحقق الإصلاح الحقيقي لأن الإصلاح يأتي من الداخل، من خلال بناء أخلاق وسلوكيات حسنة تنبع من دافع داخلي، وليس من خلال الثورة الخارجية أو السيطرة على السلطة(10).

يؤكد خان نهاية أن النهضة الإسلامية لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود أفراد فاقدين للأنانية، قادرين على قيادة المجتمع من خلال قيم الإخلاص والصدق والإيمان، وهؤلاء الأفراد الذين يتركون مطامع الدنيا ويعيشون في نعيم الآخرة وهم لا يزالون في الدنيا، هم المؤهلون لأن يكونوا قادة المجتمع الإسلامي، فالحركات السياسية المعاصرة لا تمتلك هذه الميزة، بل بالعكس، تغذي الأنانية الشخصية وتفتقر إلى القدرة على خلق "إخلاص" داخلي، ويعتبر أن أي محاولة لإحداث ثورة خارجية أو تغيير سياسي دون بناء قاعدة أخلاقية وروحية قوية، ستكون محكومة بالفشل(11).

كما يرى وحيد الدين خان أن الضمير المستند إلى الدين هو العامل الحاسم في منع الجريمة وليس القانون الوضعي وحده، فالقوانين الصادرة عن البرلمانات لا يمكنها أن تخلق شعورًا بالذنب أو بشاعة الفعل الإجرامي ما لم تكن مستمدة من شرع إلهي ومقبولة في وعي المجتمع، فالوازع الداخلي الذي يمنع الناس من ارتكاب الجرائم يأتي من الإيمان بأن الله هو المشرع الذي يراقب كل أعمالنا ونوايانا، وأنه بعد الموت سنقف أمامه للحساب، حيث لا يمكن التهرب من عقاب الله، حتى وإن أفلت الشخص من محاكم الدنيا. ويضيف أن العقاب الإلهي في الآخرة يكون أكثر شدة وقسوة مقارنة بأي عقاب دنيوي، وهذا الشعور العميق بالمراقبة الإلهية هو ما يعزز لدى المؤمنين الالتزام بالأخلاق ويشكل حاجزًا حقيقيًا أمام ارتكاب الجريمة(12).

ويشير وحيد الدين خان إلى أن الشعائر الإسلاميّة توطد في المسلم المسالمة والبعد عن التشدد والعنف، فالحج على سبيل المثال ليس مجرد طقوس دينية، بل هي تدريب عملي على الانضباط، فالحاج يُحرم من صيد الطيور أو الحيوانات البرية، بل ويُحرم عليه أن يساعد في أي نشاط صيد حتى ولو بشكل غير مباشر، والغاية من هذه الأحكام المشددة هي تربية الحاج على الالتزام بالشرع والانضباط في سلوكه، ليس فقط أثناء الحج، بل ليعود إلى حياته بعد الحج أكثر التزامًا وأقل أذى للآخرين، فهو وسيلة لتربية الضمير وتعزيز السلوك المنضبط، حيث يؤكد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحج الذي يغفر الذنوب هو الحج الذي لم يؤذِ فيه الحاج أحدًا بلسانه أو يده، وبالتالي يُعد الحج تدريبًا عمليًا على الحياة الأخلاقية المسالمة، والتي تعكس فلسفة الإسلام في تربية المسلم ليعيش في سلام وانضباط دائمين(13).

يمكننا القول بأن رؤية وحيد الدين شاملة لكيفية مواجهة الجريمة والفساد من خلال الالتزام بالقيم الدينية والإصلاح الروحي، ويرى أن الحل لا يكمن في التغيير السياسي السريع أو السيطرة على السلطة، بل في بناء حركة إسلامية خالصة تقوم على تربية الأفراد وتوجيههم نحو الإيمان والإصلاح الداخلي، كما ينتقد الحركات السياسية التي تستخدم الدين كوسيلة للوصول إلى السلطة، ويرى أن هذا التوجه يؤدي إلى الفوضى والانحراف عن الأهداف الحقيقية للإسلام.

المبحث الثاني: التفكك الأسري والأمراض النفسية عند وحيد الدين

التفكك الأسري وآثاره السلبية:

ظاهرة التفكك الأسري تشير إلى انهيار الوحدة الاجتماعية للأسرة، مما يؤدي إلى اختلال وظائفها وتدهور نظامها، ويُعرف التفكك الأسري على أنه فقدان التماسك الداخلي للأسرة وتحلل الأدوار الاجتماعية بين أفرادها، سواء كان ذلك ناتجًا عن إهمال أحد أفراد الأسرة لدوره أو بسبب رفض التعاون بين أفراد الأسرة بشكل عام، مما يؤدي إلى الصراع والتنافس بدلاً من التعاون(14).

ويُعرّف التفكك الأسري أيضًا بأنه "انهيار الوحدة الأسرية وتحلل نسيج الأدوار الاجتماعية"، ويحدث هذا عندما يعجز فرد أو أكثر من أفراد الأسرة عن القيام بدوره بالشكل المناسب، فالتفكك الأسري قد يكون جزئيًا أو كليًا، وفي الحالة الجزئية يمكن أن تكون هناك مشكلات بين أفراد الأسرة دون انهيار كامل، بينما التفكك الكلي يشير إلى انهيار الأسرة بشكل تام، سواء من خلال الطلاق، أو الوفاة، أو حتى عبر الحوادث المأساوية مثل الانتحار أو القتل(15).

إن التفكك الأسري يُعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تؤثر على استقرار المجتمع، حيث أنه يؤدي إلى زيادة التوترات النفسية والاجتماعية ويؤثر سلبًا على الأفراد، خاصة الأطفال، مما يجعل من الضروري معالجة هذه الظاهرة من خلال تعزيز القيم الأسرية وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأسر التي تعاني من مشكلات(16).

إن التفكك الأسري والطلاق يترك آثاراً سلبية عميقة على كل من الزوجين وعلى الأطفال، ويؤدي إلى تداعيات نفسية واجتماعية متعددة، فيواجه الزوج والزوجة بعد الطلاق مشكلات نفسية واجتماعية تؤثر على استقرارهم النفسي، وتتضمن هذه المشكلات ما يلي(17):

الإحباط وخيبة الأمل: يصاب كلا الزوجين بخيبة أمل نتيجة فشل العلاقة، مما يؤدي إلى تدهور الشعور بالتوافق الشخصي والنفسي.

الصحة النفسية: قد يعاني المطلقون من اضطرابات نفسية مثل القلق المرضي، الاكتئاب، الهستيريا، الوساوس، أو المخاوف المرضية، وهذه الحالات يمكن أن تؤدي إلى صعوبات في التكيف مع الحياة الاجتماعية أو بناء علاقات جديدة.

العزلة الاجتماعية: بسبب الأثر النفسي للطلاق، قد ينطوي الزوج أو الزوجة على ذاتهما، مما يؤدي إلى العزلة الاجتماعية والانسحاب من الحياة العامة والمجتمعية، وهو ما يعطل مشاركتهم الفعالة في المجتمع.

عدوى التفكك الأسري: في حالات وجود علاقات قرابة أو روابط زواج بين العائلتين، قد ينتشر أثر الطلاق ليؤثر على العلاقات بين العائلتين، مما يزيد من حدة القطيعة والعداوة، وهذا يضر بتماسك المجتمع واستقراره.

أما أثر الطلاق السيء على الأطفال والأبناء فيتمثل في عدة أمور أهمها ما يلي(18):

اضطراب النمو الانفعالي والعقلي: يواجه الطفل في الأسرة المفككة صعوبة في التكيف مع الوضع الجديد، فقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات انفعالية وعقلية تؤثر على تطور شخصيته.

التأثير على الأداء الدراسي: الطلاق قد يؤثر سلباً على تحصيل الطفل العلمي وأدائه الدراسي، فعدم استقرار البيئة الأسرية قد يشتت الطفل ويقلل من تركيزه واهتمامه بالدراسة.

فقدان العلاقات الاجتماعية: من الممكن أن يفقد الطفل أصدقاءه القدامى بسبب التفكك الأسري، مما يعرضه إلى الانضمام إلى مجموعات جانحة أو اتخاذ مسارات سلبية في حياته الاجتماعية.

يمكننا القول بأن حالة التفكك الأسري والطلاق لا تؤثر فقط على الزوجين والأطفال، بل تمتد تأثيرها لتشمل المجتمع ككل، حيث يعزز التفكك الأسري من القطيعة الاجتماعية والعداوات ويؤثر على تماسك المجتمع واستقراره.

التفكك الأسري والأمراض النفسية عند وحيد الدين خان:

إن التفكك الأسري والأمراض النفسية والخلقية في رأي وحيد الدين خان هي نتيجة مباشرة لتجاهل القوانين الإلهية والتغاضي عن الفروق الفطرية بين الجنسين، ويرى خان أن النظام الاجتماعي الحديث الذي يتجاهل هذه الفروق ويحاول التساوي بين الرجل والمرأة في كل شيء أدى إلى اختلاط مروع في المجتمع، مما تسبب في انتشار الأمراض الجنسية، النفسية، والأخلاقية بين الشباب، كما يؤكد أن أحد أسباب هذا التفكك هو الانغماس في العلاقات الحرة بين الجنسين، حيث يلاحظ الأطباء الغربيون تزايد حالات الأمراض النفسية الناتجة عن مثل هذه العلاقات، ويشير خان إلى تجربة فتاة تزور الطبيب وتبدأ بالحديث عن أعراض جسدية مثل الصداع وقلة النوم، لكن مع التعمق في الحديث يتبين أن المشاكل النفسية الناجمة عن علاقات عاطفية هي السبب الأساسي وراء مشكلاتها(19).

ويرى خان أن المجتمع الغربي بدأ يشعر بخطر هذه الظاهرة، لكنه غير قادر على فهم جذورها أو تقديم حلول حقيقية، ويتناول رأي الطبيبة الغربية ماريون هيليارد التي كتبت ضد الاختلاط الحر بين الجنسين، وأكدت على صعوبة بقاء العلاقات بين الرجل والمرأة طاهرة في ظل الانفراد الطويل بينهما، لكنها على الرغم من انتقادها، لم تقدم حلاً فعليًا للحد من هذه الظاهرة، وبالنسبة لتعدد الزوجات، يدافع خان عن هذا التشريع الإسلامي، موضحًا أنه يحمي المجتمع من الوقوع في الفساد الأخلاقي، ويشير إلى إحصائيات نشرتها الأمم المتحدة عام 1959 تظهر ارتفاع نسبة الأطفال غير الشرعيين في بعض البلدان الغربية إلى مستويات غير مسبوقة، بينما تبقى هذه النسبة ضئيلة جدًا في البلدان الإسلامية، ويعزو السبب إلى نظام تعدد الزوجات الذي يعتبره خان تشريعًا مناسبًا للطبيعة الإنسانية ويحمي المجتمعات الإسلامية من انتشار الأمراض النفسية والفساد الاجتماعي(20).

بهذا، يرى وحيد الدين خان أن التفكك الأسري والأمراض النفسية هي نتيجة مباشرة لابتعاد المجتمعات عن التعاليم الإلهية، وأن الحل يكمن في العودة إلى النظام الأخلاقي والتشريعي الإسلامي الذي يحافظ على استقرار الأسرة وحماية المجتمع من الانحلال.

المبحث الثالث: أثر وسائل الاتصال في الوعي إعادة بناء فهم الدين

ماهية التواصل:

التواصل هو عملية تفاعل اجتماعي تشاركي تهدف إلى تقوية العلاقات بين الأفراد سواء في إطار الأسرة أو المجتمع أو على مستوى الدول، ويتم هذا التفاعل من خلال تبادل المعلومات والأفكار والمشاعر، مما يسهم في تحقيق التفاهم والتعاطف بين الأفراد، وبناءً على طبيعة هذا التواصل، يمكن أن تنشأ روابط قوية ومحبة بين الأطراف، أو قد تؤدي إلى التباعد والصراع في حال غياب الفهم المشترك، فالتواصل ليس مجرد نقل للبيانات، بل هو فعل اجتماعي يعزز الروابط الإنسانية(21).

يعرّف بعض العلماء التواصل على أنه عملية تفاعل بين مرسل الرسالة ومستقبلها ضمن سياقات اجتماعية محددة، وخلال هذه العملية، يتم تبادل الأفكار والمعلومات حول قضايا معينة، سواء كانت واقعية أو مجردة، ما يساعد الأفراد على اكتساب مفاهيم جديدة أو تبني مواقف معينة بناءً على الرسائل المتبادلة(22).

كما يُنظر إلى التواصل كنوع من التفاعل الذي يعتمد على استخدام الرموز، وهذه الرموز قد تكون حركات جسدية، صور، لغة محكية أو مكتوبة، أو أي وسيلة أخرى تعمل كمنبه للسلوك الإنساني، فعلى سبيل المثال يمكن أن تنقل الإيماءات معاني معقدة بطريقة غير لفظية، مثل رفع الحاجب أو ابتسامة، مما يعزز التفاعل بين الأفراد ويفسح المجال لفهم متبادل أعمق(23).

وتتمتع مواقع التواصل الاجتماعي بعدة سمات تميزها وتجذب المستخدمين إليها، ومن أبرز هذه السمات ما يلي(24):

تتميز مواقع التواصل الاجتماعي بتصميم جرافيكي مبتكر وحرفي، حيث يتم تنظيم الموضوعات بشكل واضح وميسر، مما يسهل على المستخدمين التنقل والاستفادة من المحتوى بشكل فعال.

تتيح هذه المواقع خدمات تمكّن الأعضاء من تجاوز القيود المفروضة على المحتوى، ما يسمح لهم بالوصول إلى معلومات جديدة ومتنوعة بحرية أكبر.

تحرص هذه المواقع على تحديث محتواها باستمرار وبشكل دوري، مما يتيح لها مواكبة الأحداث الجارية وتمكين المستخدمين من التفاعل معها بشكل فوري، مع تعزيز القدرة على التعليق والمشاركة الفعّالة.

تسعى مواقع التواصل الاجتماعي إلى جذب كتاب معروفين وعلماء متخصصين لتقديم الفتاوى والمحتوى الموثوق، مما يعزز ثقة المستخدمين في المعلومات التي يتم تداولها.

تعمل هذه المواقع بالتنسيق مع بعضها البعض لنشر البيانات والخطابات والمواد الجديدة، مما يخلق شبكة معلوماتية عالمية متكاملة تدعم تبادل الأفكار والبيانات.

توفر هذه المنصات محتوى سمعيًا ومرئيًا متنوعًا، إلى جانب الكتب الإلكترونية، مما يعزز من تجربة المستخدم، مع تقديم هذه المواد في أشكال فنية محترفة وذات جودة عالية.

أثر وسائل الاتصال في الوعي الديني عند وحيد الدين خان:

يعد وحيد الدين خان من الشخصيات الفكرية التي اهتمت ببحث تأثير وسائل الاتصال الحديثة على الوعي الديني، حيث رأى في هذه الوسائل فرصة كبيرة لإعادة بناء فهم الدين ونشره بشكل عالمي، وفي دراسته لتأثير هذه الوسائل على الدعوة الإسلامية، يقدم خان رؤية فريدة تتضمن عدة نقاط هامة، ويمكننا حصر هذه الجوانب فيما يلي:

أولاً: يشير خان إلى الفارق الكبير بين وسائل الاتصال القديمة والحديثة، ففي الماضي كان انتشار الرسائل الدينية محصوراً ضمن مناطق جغرافية ضيقة، بسبب محدودية وسائل النقل والتواصل، ومثالاً على ذلك لم يتعدَّ صوت المسيح نطاق فلسطين في حياته، ولكن بفضل الثورة في وسائل الطباعة والاتصال الحديثة، أصبحت الرسالة الدينية المسيحية تُنقل إلى أكثر من ألفي لغة وتُبث في جميع أنحاء العالم، ويعتبر خان هذا التطور قفزة هائلة في نشر الرسائل الدينية، مؤكداً أن الإسلام يمكنه الآن الاستفادة من هذه الوسائل للوصول إلى نطاق عالمي مشابه، إن لم يكن أكبر(25).

ثانياً: يؤكد وحيد الدين خان أن الفرص الحديثة للدعوة لا تقتصر على تحسين الوسائل التقنية، بل تتعداها إلى زوال العوائق المادية والفكرية التي كانت تعترض سبيل الدعوة، فففي الماضي كانت العوائق السياسية والفكرية، وكذلك الضعف الاقتصادي، تمنع المسلمين من استغلال وسائل الاتصال الحديثة بشكل فعال، ولكن خان يرى أن الله قد أزال هذه العوائق من خلال الثروات النفطية التي مكنت المسلمين من استخدام أغلى التقنيات والوسائل الإعلامية في الدعوة، وهذا يعكس رؤية خان لوجوب استغلال هذه الثروات بشكل فعّال من أجل نشر رسالة الإسلام(26).

ثالثاً: يشدد خان على أهمية الاستفادة من الفرص الفكرية التي وفرتها الثورة الفكرية الإسلامية، فقد أحدث الإسلام تغيراً جذرياً في العالم، وأزال عقائد الشرك التي كانت مسيطرة قبل ظهوره، إلا أن الثورة الفكرية الإسلامية انقسمت بعد مرور ألف عام على ظهورها، حيث بقي الجزء الديني في العالم الإسلامي، بينما استمر الجزء الدنيوي في التطور في الغرب، مما أدى إلى ظهور قيم الحرية والجمهورية والفكر العلمي، ويؤكد خان أن هذه القيم التي ساهمت الإسلام في بلورتها قد فتحت آفاقاً جديدة لنشر دعوة التوحيد في بيئة عالمية حرة(27).

رابعاً: ينتقد خان الحركات الإسلامية الحديثة التي انحرفت عن مسار الدعوة إلى السياسة والجهاد، ففي حين أن العالم الحديث وفّر إمكانيات هائلة لنشر الإسلام بطرق سلمية وباستخدام الوسائل الإعلامية، اختارت بعض الحركات الإسلامية التركيز على المواجهة السياسية مع الحكومات بدلاً من التركيز على الدعوة، ويرى خان أن هذا التحول كان خطأً فادحاً، لأنه أعاد المشكلات التي حلّها الإسلام في الماضي وجعل الإسلام في مواجهة مباشرة مع السلطة، وبهذا الشكل، أهدرت هذه الحركات فرصاً ثمينة لنشر رسالة الإسلام عالميًا(28).

خامساً: يدعو خان إلى إعادة التركيز على الدعوة الدينية كأولوية قصوى، وترك السياسات والصراعات جانباً، يرى خان أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق الهدف الديني والدنيوي هي نشر رسالة القرآن والسنة على مستوى عالمي باستخدام الإمكانيات الحديثة، وأن المسلمين يجب أن يركّزوا على القيام بدورهم كشهود على الناس، كما جاء في القرآن(29).

وبناء على ما سبق؛ نرى أن خان يدعو إلى إعادة توجيه الجهود الإسلامية نحو العمل الدعوي الصافي، واستغلال وسائل الاتصال الحديثة بشكل استراتيجي لتحقيق هدف نشر الإسلام عالمياً، ويرى أن التطورات التكنولوجية والفكرية قد فتحت آفاقًا لم تكن موجودة من قبل، وأن الفشل في استغلالها قد يكون له تبعات جسيمة على مستقبل الدعوة.

الخاتمة:

في نهاية هذا البحث تم التوصل إلى النتائج التالية:

يرى وحيد الدين خان أن القانون بمفرده عاجز عن تحقيق العدل، ما لم يرتبط بالأخلاق والدين، وهذا يشير إلى ضرورة التكامل بين القوانين الوضعية والمبادئ الأخلاقية والدينية لتحقيق العدالة الاجتماعية.

يؤكد وحيد الدين خان أن الضمير المستند إلى الدين هو العامل الحاسم في منع الجريمة، وليس القانون الوضعي وحده، فالأخلاق الدينية تُعزز من وعي الأفراد ورفضهم للقيام بأفعال غير قانونية.

يعتبر خان أن التفكك الأسري والأمراض النفسية والخلقية هي نتيجة مباشرة لتجاهل القوانين الإلهية والتغاضي عن الفروق الفطرية بين الجنسين، مما يستدعي إعادة النظر في القيم الأسرية والمبادئ الدينية التي تُعتبر ضرورية للحفاظ على تماسك الأسرة والمجتمع.

يدعو خان إلى إعادة توجيه الجهود الإسلامية نحو العمل الدعوي الصافي، مشدداً على أهمية استغلال وسائل الاتصال الحديثة بشكل استراتيجي لتحقيق هدف نشر الإسلام عالمياً، وهذه الدعوة تعكس أهمية استثمار التكنولوجيا في تعزيز الرسالة الإسلامية وتوسيع نطاق الفهم الصحيح للدين.

وعليه نوصي بـما يلي:

تعزيز التكامل بين القانون والأخلاق والدين في مناهج التعليم الجامعي والدراسات القانونية، بحيث يتم التأكيد على أن العدالة الحقيقية لا تتحقق بالقانون وحده، وإنما بتأصيل القيم الأخلاقية والدينية في الضمير الجمعي للأفراد.

إعادة الاعتبار للقيم الأسرية في السياسات الاجتماعية، من خلال دعم المبادرات التي تعمل على ترسيخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة حول الأسرة والعلاقات بين الجنسين، بما يساهم في معالجة التفكك الأسري والانحرافات الأخلاقية.

تشجيع الدراسات الأكاديمية المتخصصة في فكر وحيد الدين خان، وخاصة ما يتعلق برؤيته في العلاقة بين الدين والقانون والمجتمع، للاستفادة منها في بناء منظومة فكرية تسهم في معالجة المشكلات المعاصرة.

***

إعداد: محمد أحمد عبيد

كاتب وباحث دكتوراه في الفلسفة

.................................

قائمة المراجع

أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط2، 1992م.

أحمد يحيى عبد الحميد، الأسرة والبيئة، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1998م.

الجريمة والعقاب في الإسلام، موقع وزارة الأوقاف، السعودية، نسخة الشاملة، https://shamela.ws/، تاريخ الدخول: 24/10/2024م.

خالد بن سعود بن عبد العزيز الحليبي، مهارات التواصل مع الأولاد - كي تكسب ولدك؟، مركز الملك عبد الله للحوار الوطني، ط1، 1431هـ.

دليو فضيل، مقدمة في وسائل الاتصال للجماهيرية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط2، 1998م.

فضيل دليو، تاريخ وسائل الإعلام والاتصال، الخلدونية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2013م.

فايز بن عبد الله الشهري، الخطاب الفكري على شبكة الإنترنت: رؤية تحليلية لخصائص وسمات التطرف الإلكتروني، الرياض، 1429هـ.

فكيه محمد جمعة محمد، التفكك الأسري وأثره على استقرار المجتمع، مجلة الشريعة والقانون، 2019م، عدد 35.

مجموعة مؤلفين، معجم العلوم الاجتماعية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1975م.

محمد الطاهر بن محمد بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 2004م.

محمود حسن، الأسرة ومشكلاتها، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1981م.

مصطفى الخشاب، دراسات في علم الاجتماع، دار النهضة العربية، 1985م.

وحيد الدين خان، الإسلام يتحدى مدخل علمي للإيمان، ترجمة ظفر الإسلام خان، دار الصحوة، القاهرة، 1984.

وحيد الدين خان، البعث الإسلامي المنهج والشروط، ترجمة محسن عثمان الندوى، دار الصحوة للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 1984م.

وحيد الدين خان، إمكانات جديدة للدعوة الإسلامية، مؤسسة الرسالة الربانية للإعلان الدولي، القاهرة، ط2، 1992، العدد 9

وحيد الدين خان، حقيقة الحج، ترجمة: ظفر الإسلام خان، دار الصحوة، ط1، 1987م.

عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي، حقوق الإنسان في الإسلام، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، ط1، 1419هـ.

(1) الجريمة والعقاب في الإسلام، موقع وزارة الأوقاف، السعودية، نسخة الشاملة، https://shamela.ws/، تاريخ دخولي: 24/10/2024.

(2) محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي، مقاصد الشريعة الإسلامية، المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 2004م، ص ج2، ص 170. وأحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط2، 1992م، ص 47.

(3) عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي، حقوق الإنسان في الإسلام، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، ط1، 1419هـ، ص 112.

(4) وحيد الدين خان، الإسلام يتحدى_ مدخل علمي إلى الإيمان، ص 221.

(5) الموضع نفسه.

(6) وحيد الدين خان، البعث الإسلامي المنهج والشروط، ص 40.

(7) المصدر السابق، ص 41.

(8) الموضع نفسه.

(9) المصدر السابق، ص 41 - 42.

(10) الموضع نفسه.

(11) المصدر السابق، ص 42.

(12) وحيد الدين خان، الإسلام يتحدى_ مدخل علمي إلى الإيمان، ص 223.

(13) وحيد الدين خان، حقيقة الحج، ترجمة ظفر الإسلام خان، دار الصحوة، ط1، 1987م، ص 84 - 85.

(14) مجموعة مؤلفين، معجم العلوم الاجتماعية، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1975م، ص 168.

(15) احمد يحيى عبد الحميد، الأسرة والبيئة، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1998م، ص 74.

(16) مصطفى الخشاب، دراسات في علم الاجتماع، دار النهضة العربية، 1985م، ص 233 - 234.

(17) فكيه محمد جمعة محمد، التفكك الأسري وأثره على استقرار المجتمع، مجلة الشريعة والقانون، 2019م، عدد 35، ص 536.

(18) محمود حسن، الأسرة و مشكلاتها، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1981م، ص 203 - 208.

(19) وحيد الدين خان، الإسلام يتحدى_ مدخل علمي إلى الإيمان، ص 232.

(20) المصدر السابق، ص 233 - 234.

(21) خالد بن سعود بن عبد العزيز الحليبي، مهارات التواصل مع الأولاد - كي تكسب ولدك؟، مركز الملك عبد الله للحوار الوطني، ط1، 1431هـ، ص 11.

(22) فضيل دليو، تاريخ وسائل الإعلام والاتصال، الخلدونية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2013م، ص 16.

(23) دليو فضيل، مقدمة في وسائل الاتصال للجماهيرية، ديوان المطبوعات الجامعية،  الجزائر، ط2، 1998م، ص 18.

(24) فايز بن عبدالله الشهري، الخطاب الفكري على شبكة الانترنت رؤية تحليلية لخصائص وسمات التطرف الالكتروني، الرياض، 1429هـ، ص 45 – 46.

(25) وحيد الدين خان، إمكانات جديدة للدعوة الإسلامية، ص 18.

(26) المصدر السابق، ص 19.

(27) الموضع نفسه.

(28) المصدر السابق، ص 20.

(29) الموضع نفسه.

 

في المثقف اليوم