أقلام ثقافية

محمد علي شاحوذ: متى يفهمها سليمان يا يوسف؟

يا يوسف، أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا في ثلاث بقراتٍ سمانٍ أكلنَ سبعَ سنبلاتٍ خضرٍ وأربعٍ يابساتٍ فما أبقَينَ شيئا من أخضر أو يابس؟!.

يا يوسف: إن كانت مصيبتك بامرأة واحدة فمصيبتنا بنساء كيدهنّ أقبح من وجوههنَ، وان كان عزيزك راوده الشك، فعزيزنا كان أظلم، وقذفنا بما ليس فينا، واستخدم ضدنا الحيلة والمكيدة والخِسة، ولسان حالنا يقول: أليس منكم رجل رشيد، أو امرأة صالحة؟ فسولت لكم انفسكم وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ.

وصحيح أننا لا نمتلك صفات يوسف النبيلة وَلسنا بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ لكنكم انتم ايضا لستم بأحسن حالٍ من أخوة يوسف وأصحاب الافك ونساءكم لم يكنّ بجمال وصفات امرأة العزيز بل هُنّ بسلوكهن المشين أقرب لأم جميل، زوجة أبي لهب، فهنّ الحقودات المتسلطات الجاحدات المسترجلات، لا يعجبهنّ الرجل إلا إذا كان قوي الجسم ضعيف العقل، لتتلاعب بعقله، وتتحكم بفعله، وهكذا إذا ضعف القوَّامُ، فسدَ الأقوام وكنا نأمل ان تسعفنا فطنة الحاكم فلا ينخدع بحيل المتظلمين بالباطل ولا يتبع هواه فيكون أمره فرطا.

يا يوسف لم يأتِنا عام نُغاث فيه كما أتاكم، فأعوامنا كلها جدب وقحط وحصاد، ولم نحظَ بمَلكٍ كريم كما حظيت انت به، فأغلب من تصدروا للحكم فينا كانوا ظالمين مستبدين.

 يا يوسف .. لما استدعانا العزيز وسألنا عن أخوتك ونسائهم، لم نُبدها له، وأعرضنا عن الأمر وانتظرنا الشاهدُ الذي رأى كلَ شئ ولكنه لم يكن من أهلها وتأملنا أن يكون العزيز ذو عقل فيفهما ولكنه لم يفهم، ولم يحاول الفهم ولم يستدرك ولم يتفكر أو يتأمل، بل أغمض عينيه ووضع اصابعه في أذنيه حتى لا يرَ الحقيقة ولا يسمعها، وأصرّ أن يتصرف كالأعراب الذين هو منهم، والأَعْرَابُ بطبيعتهم أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا!!.

 لقد رمونا بالجُب يا يوسف دونما جريرة بالرغم من أننا لم نرَ في الرؤيا احد عشر كوكبا والشمس والقمر، لم نرهم لنا ساجدين، ولم نكن أحب الى أبينا من غيرنا ولم نطلب أن نكون على خزائن الارض، ولم نزاحم احدا على كرسيه ولكن ذنبنا أننا نختلف عنهم ولا نخوض معهم فيما هم فيه من ظلال.

 لم يأكلنا الذئب يا يوسف ولكنه كيد البقراتُ السِمان!!، فقد نفشنَ الزرع وأكلنَهُ ولم يُبقين شيئا، وسيأكلن كل شئ حتى العزيز نفسه، لكننا مازلنا نُسِرُها في انفُسِنا ونكظم غيظنا، ولن نقابل الاساءة بالإساءة وما زلنا ننتظر قميصك لِنُلقهِ على وجه المَلِك، لعلهُ يرى ما لم يرهُ العزيز!!.

فمتى سيفهمها سليمان يا يوسف بعد أن عجز عن فهمها داوود؟؟؟

***

دكتور محمد علي شاحوذ

 

في المثقف اليوم