أقلام ثقافية

عبد العزيز الناصري: قراءة تأملية لنص الشاعرة خديجة كربوب

هات حفنة من ترابك كي أمسح عيني

يتبعني الضباب

ومن أعالي الحزن، أترقب صوتك

وأعود لأنفض أرق الليل

مازال صدأ الانتظار يلوّن ملامحي

ومازلت أحتفظ بتذكرة مسرح في دولابي

ما رأيك أن نعدّ أنفسنا للذهاب؟

الشاعرة خديجة كربوب.

***

في هذا النص الشفيف، تفتح الشاعرة خديجة كربوب كوة على عالم متخم بالحنين، محكوم بالانتظار، ومشبع بعبق الرموز المضمخة بألم الغياب. قصيدة مكثفة، يهمس فيها الحزن ولا يصرخ، ويتحول فيها الزمن إلى بطء داخلي ينعكس على الملامح والذاكرة معًا.

العبارة الافتتاحية "هات حفنة من ترابك كي أمسح عيني" لا تُقرأ بمعناها الظاهري، بل بوصفها استعارة ممتدة لطلب الانتماء، للتطهّر من الغربة، لرؤية الأشياء من جديد عبر تراب يشبه العطر الأول أو اللمسة الأولى للوطن/للحبيب/للذات.

"يتبعني الضباب"، ليس ضبابًا في الأفق، بل ضبابٌ في الروح. ضباب يُغيّب الملامح، يربك الطريق، ويترك الذات نهبًا للتيه.

ثم يأتي الترقب من "أعالي الحزن"، حيث يرتقي الحزن مرتبة الارتفاع، ويصير أعلى من الجسد، أعلى من اللحظة. ترقُّب الصوت في هذه الذروة الشعورية يكشف حاجة إلى المعنى، إلى التماسك، إلى الخروج من الشرنقة الثقيلة للصمت.

"أعود لأنفض أرق الليل"، وكأن الأرق صار غبارًا يلتصق بجسد الشاعرة، بذاكرتها، بعينيها. الليل هنا كائن مُتعِب، لا يمنح العزاء بل يضيف وجعًا آخر.

"مازال صدأ الانتظار يلوّن ملامحي"، وهي من أجمل صور النص، فهنا يتحوّل الانتظار إلى عنصر زمني مؤذٍ، لا يكتفي بالسكون، بل يترك أثرًا بصريًا على الوجه، على الملامح، كأنه الصدأ الذي يعلو المعادن المنسية.

ثم تكشف الشاعرة عن احتفاظها بتذكرة مسرح في دولابها، وهذه الصورة وحدها تحمل سردًا كاملاً. إنها لحظة مؤجّلة، عرضٌ لم يُعرض، موعد لم يُكتمل، وحياة تنتظر أن تُستأنف.

وتنتهي القصيدة بدعوةٍ خافتة، هادئة، مليئة بالرجاء: "ما رأيك أن نعدّ أنفسنا للذهاب؟"، ليست مجرد دعوة للذهاب إلى المسرح، بل ذهاب إلى الحياة، إلى ما بعد الغياب، إلى إكمال المشهد.

قصيدة خديجة كربوب تنتمي إلى طراز الكتابة النقية، حيث لا كلمة في غير موضعها، ولا شعور يُقال إلا في لحظته الحقة. نصّ يسكُن القارئ ولا يمرّ به مرور العابرين.

***

قراءة: عبد العزيز الناصري

في المثقف اليوم