أقلام ثقافية
نسرين ابراهيم الشمري: صاحب الظل الطويل والعيون السومرية

ذلك صاحب الظل الطويل ذو العيون السومرية… الرجل الغامض الذي يعرف كيف تُفتح الأدراج وتُغلق، لم تُترك الأدراج مفتوحة يومًا بسبب نسيانه، فهو لا ينسى شيئًا أبدًا، لكن الصدفة وحدها قادتني تلك المرّة إلى أن أجدها مفتوحة، وفضولي – كما هو دائمًا – دفعني إلى الاستكشاف.
لم أجد كنوزًا ولا أسرارًا كبرى؛ بل صورًا بلا ملامح، أوراقًا متناثرة، خاتمًا صدئًا، وعلبة صغيرة تضمّ ألوانًا مائية باهتة، غريبٌ أنّ تلك الألوان، لا الخاتم ولا الصور، أسرتني.
ظلّ السؤال يطاردني: ماذا كان يفعل بها؟ هل كان رسّامًا خفيًّا لم يُعلن نفسه؟ أم أنّ الألوان كانت ترجمة لشيء آخر لم أستطع فهمه؟
صوت جدّتي البيضاء الفراتية جاء يذكّرني، كدرس يعاد في مدرسة حياتي على طول الزمن، وصوتها وكأني أسمعه اليوم:
"هذه أشياء تخصّه، لا يجوز أن نتدخل بها، وما تفعلينه ليس بالصواب. إذا كان قد أقفلها، فهذا يعني أنّها أشياء تعنيه، ومهمّة له، حتى لو بدت لنا بلا قيمة."
يا لعظمة تلك البيضاء الفراتية… علّمتني أن بعض الأشياء تُترك لأصحابها، وأن احترام حدود الآخرين أحيانًا أهم من الفضول، والغريب أن الفراتية نفسها لم تعرف ماذا تضمر الأدراج، ولم يقودها الفضول كما قادني لتقليب ما فيها.
ما حدث كان درسًا لم يُكتب في كتاب، ولم يُلقَ في فصل، بل تعلمته من موقف حيّ، ومن تأنيب ضمير يعود إليّ كلّما حاولت تكرار الخطأ نفسه.
عندها أدركتُ أنّ ليس كلّ ما في داخلنا يمكن أن نبوح به، وليس كلّ جرح أو ذكرى يمكن ترجمتها أو كشفها، هناك خفايا تبقى خفايا، أسرار ترافق صاحبها طوال حياته، وربما هذا هو سرّها الحقيقي، وربما هذا ما يمنحها قيمتها: أن تكون سرًا، صامتًا، لكنه حاضر، يلوّن حياة الإنسان كما تفعل الألوان المائية في اللوحة، خفية، لكنها حاضرة، وأحيانًا أكثر صدقًا من أي كلمات يمكن أن تُقال.
***
د. نسرين ابراهيم الشمري