أقلام ثقافية

محسن الأكرمين: رسم على رمال البحر...

لا يمكن الإقتناع أن البحر سيخادع صديقه الشاطئ ويحث أجزاءه بالتواصل والتآكل. فقد كان شط البحر العالي يفرح بقدره البارد، حين تلاعبه مياه البحر في الغدو والآصال. كان يشتكي أيام عاصفة النَّوِّ العاتي وبلا منبهات من الطقس الموثوق بالدقة، لكنه رغم ذلك، يعود مرات عديدة لمعانقة مياه البحر الهادئة بملوحة الابتسامة والتطهر من التلوث .

في يوم ما، وفي ذاك الشط الرملي الخالي من متعة المصطافين، رسمت حلم  قدري  ثم تركته للتأمل والأمل ولما التفرج في تدرجات حياتي، لكن من سوء براعتي الطفولية أن مدَّ مياه البحر عاكستني بالتزامن المميت، وفعلت جزْرَ رأس ممحاة لكل آمالي المتأنية والباقية. حين انسحبت المياه المتدفقة، أحسست بأن قدري يغمض عينا باتجاهي، ويفتح الأخرى وهي تنأى عني وعن مشاهد ولو أجزاء من حياتي المتدفقة أو المتقطعة.

لم أكن بالكسول المتهالك في الاتكالية، بل عاودت الرسم الهندسي وبالشكل الذي يعاكس حتى مجرى تدفق مد البحر باتجاه العلو. حينها جلست برهة وبالتأمل في نقط من مؤشرات قدري المتبقي بالخفاء في علم الغيب، وكذلك بغير انتباه من كل تلك المفاجآت الكامنة بالخفاء غير العينية، راودتني أفكار العبث وفلسة (اللاتفكير)، وبدون الاحتياج لأي متدخل خارجي. عملت على بناء سدود متقطعة، وتماثل نماذج من تموجات أثر الحياة على الذات والذاكرة والنفس والوسط الاجتماعي. بحق كانت فكرة تماثل فلسفة أسطورة المعذب (سيزيف والصخرة)، و البحث عن سؤال المعنى في الحياة، وعن نهاية التعاسة والتي ترافق درب النضج العمري والحدثي.

حينها وفي غفلة مِنِّي صدم مياه البحر المتأنية أعلى سد رملي أنشأته وأنا منتشي في التطاول في البنيان !!! هنا أدركت أننا آمنا بالقطع المنهجي أن (الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن !!!) ولم نقدر قط على كسب رهانات مقاومة القدر بالتعديل والتصويب العقلاني والعاطفي، ولو بتغيير بضع أقساط من دفة الممتنع عن الإبحار ضد التيار.

و في توالي إصرار مياه البحر على نهش كل أحلامي المتبقية على رسم الرمال، آمنت قطعا من نوع عبثية (المد والجزر) أننا نهرب من الحياة فرارا حتى ولو في ترميم دواخلنا المتآكلة بتراكم مسودات حياتنا (الفرح/ الألم/ الوجع/ السعادة). أننا لم نمتلك منظفات مطهرة لكل الإخفاقات المتربصة بنا على الدوام، والوقوف في أول محطة للاستراحة من الإرهاق الحياتي. أننا  نحاول بالتكرار والتردد الوصول نحو الحقائق المطلقة لكنا نخفق باللزام من كل المحاولات حتى أننا نصل إلى سوء تقدير بهلاواني وغير رزين (أن الحياة لا معنى لها !!!) وهذا من الخطأ المستديم.

اللامعنى للحياة بغير وصف حقيقي، ليس مفتاحا آمنا للحكمة، وإنما الحكمة الرزينة في إدراك المسؤوليات الروحية الداخلية والجماعية، وحمل القيم النظيفة ولو بتحولات المكتسبة والاجتماعية، وفي تملك مفتاح سليم لكل الأبواب الموصدة بالفتح الجيد، والرضا بحكمة القدر مهما كانت شدته في سلم المآسي والوجع، وقلته في صناعة الفرح والسعادة.

***

محسن الأكرمين

في المثقف اليوم