أقلام فكرية
اسهامات الخويلدي في قراءة التأويل والهرمينوطيقا عند بول ريكور

تقديم: نجد في السيرة الذاتية لزهير الخويلدي يما يلي: فيلسوف تونسي وباحث أكاديمي مختص في الفينومينولوجيا، الهرمينوطيقا، وفلسفة السرد، قدم إسهامات بارزة في دراسة التأويل والهرمينوطيقا من خلال قراءته لأعمال بول ريكور. حصل الخويلدي على الدكتوراه في الفلسفة المعاصرة بأطروحة بعنوان "تقاطع السردي والإيتيقي من خلال أعمال بول ريكور". إسهاماته تتمحور حول تفكيك وإعادة صياغة مفاهيم ريكور التأويلية، مع التركيز على تطبيقاتها في سياقات فلسفية وعربية إسلامية. فكيف قرا الخويلدي هرمينوطيقا بول ريكور؟ بماذا تتميز قراءته عن بقية القراءات العربية للفيلسوف الفرنسي؟
فيما يلي تحليل لإسهاماته الرئيسية في قراءة التأويل والهرمينوطيقا عند بول ريكور:
1. - ابراز البعد الأنطولوجي للهرمينوطيقا عند ريكور
الإسهام: يركز الخويلدي على الهرمينوطيقا الفينومينولوجية عند ريكور كمشروع أنطولوجي يسعى إلى فهم الذات في علاقتها بالعالم. يرى أن التأويل عند ريكور ليس مجرد تفسير نصوص، بل عملية وجودية تكشف عن كينونة الإنسان.
التفصيل: في دراسته "المنعطف الهرمينوطيقي لفلسفة الدين عند بول ريكور"، يبرز الخويلدي كيف ينتقل ريكور من الفينومينولوجيا الماهوية إلى الهرمينوطيقا الفينومينولوجية، خاصة في كتاب رمزية الشر (1960)، حيث يؤسس ريكور لتأويل الرموز كوسيلة لفهم الشر والخطيئة كأحداث وجودية. يؤكد الخويلدي أن هذا المنعطف يجعل الهرمينوطيقا أداة لفهم الذات الفاعلة.
الأهمية: الخويلدي يوسع هذا المنظور ليطبقه على السياق العربي الإسلامي، مشيراً إلى إمكانية استخدام الهرمينوطيقا الريكورية لتفسير النصوص الدينية بطريقة تتجاوز الحرفية وتركز على الأبعاد الكونية والإنسانية.
2 - التركيز على تقاطع السرد والإيتيقا
الإسهام: يركز الخويلدي على مفهوم ريكور للهوية السردية كجزء من الهرمينوطيقا، حيث يرى أن السرد هو تأويل للتجربة الإنسانية يربط بين الأخلاق والفعل. أطروحته الدكتورالية تُظهر كيف يدمج ريكور السردي (في الزمن والسرد) مع الإيتيقي (في الذات عينها كآخر) لفهم الذات الفاعلة.
التفصيل: يوضح الخويلدي أن التأويل عند ريكور يتجلى في السرد كآلية لتنظيم الزمن والتجربة، مما يسمح بفهم الذات ككائن أخلاقي. في كتابه أنثربولوجيا الإنسان القادر (2023)، يطور الخويلدي هذه الفكرة ليبين كيف يمكن للهرمينوطيقا أن تُسهم في بناء أنثروبولوجيا فلسفية تركز على قدرة الإنسان على الفعل والمسؤولية.
الأهمية: يربط الخويلدي هذا التقاطع بالسياق العربي، مشيراً إلى إمكانية استخدام السرد الريكوري لفهم الهوية الثقافية والدينية في المجتمعات العربية، مع التركيز على التعددية الدلالية للنصوص.
3 - التأويلية والفن عند ريكور
الإسهام: في دراسته "الأثر الفني عند بول ريكور بين قابلية التبليغ والتعددية الدلالية"، يبرز الخويلدي كيف يتعامل ريكور مع الأثر الفني كنص مفتوح يتطلب تأويلاً هرمينوطيقياً. كما يرى أن بول ريكور، رغم عدم تقديمه كتاباً مخصصاً للإستيطيقا، يدمج الفن في مشروعه التأويلي كوسيلة لفهم التجربة الإنسانية.
التفصيل: يوضح الخويلدي أن الأثر الفني عند ريكور يحمل تعددية دلالية مشابهة للرموز في صراع التأويلات، حيث يتطلب تفاعلاً بين القارئ والنص. يربط هذا بمفهوم "اندماج الأفقين" عند ريكور، الذي يسمح بتأويل الفن كحدث وجودي.
الأهمية: يقترح الخويلدي تطبيق هذا المنظور على الأعمال الفنية العربية، خاصة الأدب والشعر، لفهم كيف يمكن للهرمينوطيقا أن تُثري التجربة الجمالية في السياق الثقافي العربي.
4 - الهرمينوطيقا الدينية وتفسير النصوص المقدسة
الإسهام: يركز الخويلدي على المنعطف الهرمينوطيقي لفلسفة الدين عند ريكور، مشيراً إلى أن ريكور يحرر الدين من المعاني السياسية ويركز على الأبعاد الكونية والإنسانية في النصوص الدينية. يرى أن الهرمينوطيقا الريكورية تتيح تفسيراً للنصوص المقدسة يتجاوز الصراعات المذهبية.
التفصيل: في دراسته بالموقع الحوار المتمدن، يوضح الخويلدي أن ريكور يقارن بين الهرمينوطيقا الفلسفية والدينية، مستدعياً فلاسفة مثل أوغسطين، كانط، وهيدغر لفهم اللغة الدينية كمحكي شفوي أو مدونة مكتوبة. يقترح الخويلدي أن هذا النهج يمكن أن يُطبق على النصوص الإسلامية لفهمها في سياقها الكوني.
الأهمية: يدعو الخويلدي إلى هرمينوطيقا دينية تقر بالاختلاف بين الديني واللاديني، وتسعى إلى تفسير النصوص الدينية بطريقة ترتقي إلى ما وراء الطوائف، مما يُسهم في الحوار بين الثقافات.
5- ترجمة ونقل أفكار ريكور إلى السياق العربي
الإسهام: الخويلدي لعب دوراً مهماً في نقل أفكار ريكور إلى القارئ العربي من خلال ترجماته ودراساته. ترجم عدة نصوص وحوارات لريكور، مثل حواره مع جاك ليكونت (فن التفكير ضد الذات) ونصوص حول نزع الأسطورة والهيرمينوطيقا.
التفصيل: في ترجماته، يحرص الخويلدي على إبراز الجوانب التأويلية في فلسفة ريكور، مثل النقد الذاتي كشرط لتقدم الفكر الفلسفي، والعلاقة بين الهرمينوطيقا والوجودية. كما يقدم تعليقات نقدية تُظهر كيف يمكن تطبيق هذه الأفكار على قضايا معاصرة، مثل الهوية والحرية.
الأهمية: هذه الترجمات جعلت أفكار ريكور متاحة للجمهور العربي، وساهمت في إثراء النقاش الفلسفي حول التأويل في السياق العربي.
6 - نقد الاختزالية وتعزيز التعددية الدلالية
الإسهام: يتبنى الخويلدي نهج ريكور في رفض الاختزالية (مثل اختزال النصوص إلى تفسير واحد)، ويؤكد على التعددية الدلالية كمبدأ أساسي للهرمينوطيقا. يرى أن التأويل عند ريكور يحترم تنوع وجهات النظر ويعزز الحوار.
التفصيل: في دراسته "الهرمينوطيقا ومبادئ التأويل"، يوضح الخويلدي أن ريكور يرى الهرمينوطيقا كدراسة للمبادئ العامة لتفسير النصوص، خاصة المقدسة، مع التركيز على اكتشاف الحقائق والقيم من خلال التأويل. يربط هذا بالسياق العربي، داعياً إلى تفسير النصوص الثقافية والدينية بطريقة تحترم التعددية.
الأهمية: هذا النهج يُسهم في مواجهة التفسيرات الحرفية أو الدوغمائية في السياق العربي، ويعزز الحوار بين التيارات الفكرية المختلفة.
7 - تطبيق الهرمينوطيقا على قضايا معاصرة
الإسهام: يطبق الخويلدي الهرمينوطيقا الريكورية على قضايا معاصرة مثل السلطة، الحرية، والهوية. في دراسته "السلطة السياسية بين القوة الفيزيائية والقدرة الأخلاقية"، يستخدم مفاهيم ريكور لتحليل العلاقة بين السياسة والأخلاق، معتبراً التأويل أداة لفهم السلطة كفعل إنساني.
التفصيل: يرى الخويلدي أن الهرمينوطيقا عند ريكور تتيح فهماً أعمق للظواهر الاجتماعية والسياسية من خلال تحليل الرموز والسرديات التي تشكلها. يقترح استخدام هذا النهج لفهم التحولات السياسية في العالم العربي.
الأهمية: هذا التطبيق يُظهر مرونة الهرمينوطيقا الريكورية وقدرتها على معالجة قضايا معاصرة، مما يجعلها ذات صلة بالسياق العربي.
الخاتمة
إسهامات الاستاذ زهير الخويلدي في قراءة التأويل والهرمينوطيقا عند بول ريكور تتمحور حول إبراز البعد الأنطولوجي للهرمينوطيقا، التركيز على تقاطع السرد والإيتيقا، تحليل الأثر الفني، تفسير النصوص الدينية، ترجمة أفكار ريكور، تعزيز التعددية الدلالية، وتطبيق الهرمينوطيقا على قضايا معاصرة. يتميز الخويلدي بقدرته على ربط أفكار ريكور بالسياق العربي الإسلامي، مما يجعل الهرمينوطيقا أداة لفهم الهوية، الثقافة، والدين في المجتمعات العربية. من خلال دراساته وترجماته، ساهم الخويلدي في إثراء النقاش الفلسفي العربي وتعزيز الحوار بين الثقافات، مع الحفاظ على الطابع الجدلي والإبداعي للهرمينوطيقا الريكورية. فماهي الفتوحات الفكرية التي تحملها قراءة الخويلدي لريكور لحضارة اقرأ؟
***
د. زهير الخويلدي - كاتب فلسفي
...................
المراجع
الخويلدي، زهير. أنثربولوجيا الإنسان القادر. تونس، 2023.
الخويلدي، زهير. "المنعطف الهرمينوطيقي لفلسفة الدين عند بول ريكور." الحوار المتمدن.
الخويلدي، زهير. "الأثر الفني عند بول ريكور بين قابلية التبليغ والتعددية الدلالية." مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2016.
الخويلدي، زهير. "الهرمينوطيقا ومبادئ التأويل." الأنطولوجيا، 2021.
الخويلدي، زهير (ترجمة). "فن التفكير ضد الذات: حوار مع بول ريكور." جريدة عالم الثقافة، 2020.
الخويلدي، زهير (ترجمة). "أناقة بول ريكور وشجاعة رودولف بولتمان." جريدة عالم الثقافة، 2023.
ريكور، بول. صراع التأويلات: دراسات هيرمينوطيقية. ترجمة منذر عياشي. بيروت: دار الكتاب الجيد المتحدة، 2022.