أقلام فكرية

غالب المسعودي: صولون.. فيلسوف وسياسي وشاعر

صولون (حوالي 638-558 ق.م) هو فيلسوف، وسياسي، وشاعر يوناني قديم، يُعدّ من أبرز الشخصيات في تاريخ أثينا. يُعرف بأنه أول مشرّع (واضع قوانين) يوناني ساهم بشكل كبير في تطوير نظام الحكم الديمقراطي. وُلِد صولون في أثينا لعائلة نبيلة، في فترة كانت المدينة تعاني من توترات اجتماعية واقتصادية.

قبل أن يصبح سياسيًا، سافر إلى العديد من البلدان، بما في ذلك مصر، حيث اكتسب معرفة واسعة في الفلسفة والعلوم. في عام 594 ق.م، انتُخِب حاكمًا (أرشيونًا)، فأطلق سلسلة من الإصلاحات التي هدفت إلى معالجة اللامساواة الاجتماعية. يُعد صولون أحد أبرز الشخصيات التاريخية في اليونان القديمة، ويُعرف بكونه رجل دولة، ومُشرّعًا، وفيلسوفًا، وشاعرًا. اكتسب شهرته بفضل إصلاحاته الجذرية التي أطلقها في أثينا. وتُعرف فترة حكمه باسم "إصلاحات صولون"، والتي كانت نقطة تحوّل في تاريخ المدينة، إذ وضع صولون أسسًا للديمقراطية الأثينية التي تطوّرت لاحقًا على يد شخصيات مثل كليستينس وبريكليس.

تُعتبر طروحات صولون عملية أكثر منها نظرية. لم يتبنَّ فلسفة مُمنهجة مثل أفلاطون أو أرسطو، بل كانت أفكاره مُركّزة على العدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي. اعتقد أن العدالة هي أساس أي مجتمع مُستقر، فسعى إلى تحقيق التوازن بين الأغنياء والفقراء من خلال إصلاحاته الاقتصادية والسياسية. ورأى أن الفساد هو أحد أسباب تدهور المجتمعات، لذلك اتّخذ إجراءات صارمة للقضاء على الاستغلال والظلم، مثل إلغاء الديون التي أدّت إلى استعباد المواطنين. كما دعا إلى التقيّد بالاعتدال في كل شيء، سواء كان ذلك في الثروة أو السلطة. وضع أول مجموعة من القوانين المُدوّنة في أثينا، مما شكّل بداية سيادة القانون على الأحكام الفردية.

تُعتبر أفكاره جزءًا لا يتجزأ من تراث الفلسفة السياسية الغربية، ويُحتفى به كواحد من "الحكماء السبعة"* لليونان القديمة. امتد تأثيره إلى القرون اللاحقة، حيث اعتُبر رائدًا في الفكر الديمقراطي وأحد مؤسسي الفلسفة السياسية.

رحلات صولون وتأثيرها الفكري

كان لرحلات صولون تأثير عميق على أفكاره السياسية والفلسفية. فخلالها، زار مصر وفينيقيا وثقافات أخرى متقدمة، مما أتاح له فرصة التعرف على أنظمة الحكم المختلفة والتقاليد الاجتماعية. التجارب التي خاضها في بلدان مختلفة ساهمت في تطوير قدرته على التفكير النقدي، مما جعله يتساءل عن الأنظمة السائدة في أثينا ويبحث عن بدائل. تأثر صولون بمفاهيم العدالة التي رآها في ثقافات أخرى، مما ساعده في صياغة أفكاره حول الحقوق الفردية وأهمية المساواة. كما استلهم من تجربته في التجارة والاقتصاد في البلدان الأخرى، مما ساعده على فهم أهمية النظام الاقتصادي العادل الذي يدعم جميع فئات المجتمع. دراسته للأنظمة السياسية المختلفة، مثل الملكية والديمقراطية، ساهمت في تشكيل رؤيته حول كيفية إنشاء نظام حكومي عادل يضمن مشاركة المواطنين.

إصلاحاته الاقتصادية

نفّذ صولون مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي كان لها تأثير كبير على المجتمع الأثيني. فقد ألغى الديون المتراكمة على الفلاحين، مما ساعد في تخفيف أعبائهم المالية ومنع استعبادهم بسبب الديون. كما أطلق سراح الأثينيين الذين تم استعبادهم بسبب الديون، مما أعاد لهم حقوقهم المدنية وأعادهم إلى المجتمع. ووضع قوانين تحدد الملكية، مما منع الأثرياء من احتكار الأراضي وأتاح الفرصة للفقراء للحصول عليها. وشجّع على تطوير التجارة من خلال تحسين القوانين المتعلقة بها، مما ساعد في زيادة النشاط التجاري والثروة في المدينة. ووضع نظامًا ضريبيًا يعتمد على دخل الأفراد، مما ساعد على تحقيق توازن اقتصادي أكبر بين الطبقات الاجتماعية، كما دعم الزراعة من خلال تقديم مساعدات للفلاحين، مما أدى إلى زيادة الإنتاج وتحسين الأمن الغذائي. ساهمت هذه الإصلاحات في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأثينيين، وأدت إلى تعزيز الاستقرار والعدالة في المجتمع.

صولون: المصلح والفيلسوف

يُعتبر صولون مصلحًا اجتماعيًا أكثر منه فيلسوفًا بالمعنى التقليدي، بالرغم من أن الفلسفة لها دور اجتماعي كبير. فلم يطوّر نظرية فلسفية مُمنهجة أو مدرسة فكرية، بل كانت أفكاره موجهة بشكل أساسي لحل المشاكل العملية في المجتمع الأثيني. تُظهر إصلاحاته أن لديه فكرًا فلسفيًا عمليًا، فهو لم يكتفِ بإصلاح القوانين، بل سعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن في المجتمع. هذه المفاهيم هي جوهر الفلسفة السياسية، إلا أنه لم يكتب عنها نظريات مُجرّدة، بل طبّقها بشكل عملي من خلال إصلاحاته، وعالج مشاكل مُحدّدة ومُلحّة، مثل الديون التي أدت إلى الاستعباد والنزاعات بين الطبقات. لم يُخلّف أعمالًا فلسفية تُناقش مفاهيم الخير أو الحقيقة أو الجمال، كما فعل فلاسفة لاحقون مثل أفلاطون وأرسطو.

أدت إصلاحاته إلى تحولات ملموسة في البنية الاجتماعية والسياسية لأثينا، مما مهّد الطريق نحو الديمقراطية. لذلك، من الأنسب أن يُعتبر صولون مصلحًا اجتماعيًا وفيلسوفًا عمليًا في آن واحد، ففلسفته لم تكن مُجرّدة، بل كانت متجذرة في حل المشكلات الحقيقية لأثينا في عصره. سعيه إلى إقامة نظام اجتماعي عادل يُعالج التفاوت الطبقي ويمنع الاستعباد بسبب الديون يُمثّل جوهر الفلسفة الأخلاقية والسياسية. آمن بأن المجتمع المستقر لا يمكن أن يقوم إلا على مبدأ الاعتدال، حيث لا يطغى الأغنياء على الفقراء ولا يتمرد الفقراء على الأغنياء. وضع مجموعة من القوانين المكتوبة التي تحكم الجميع، مما يُعد تطورًا فلسفيًا وسياسيًا مهمًا، حيث أصبحت القوانين أساسًا ثابتًا للمجتمع.

كان صولون ينتمي إلى ما يُعرف بـ “الحكماء السبعة"، الذين اشتهروا بكونهم مفكرين يعتمدون على الخبرة والمنطق لحل المشكلات. لم تكن فلسفتهم قائمة على وحي إلهي، بل كانت ثمرة تأمل عميق في الطبيعة البشرية والمجتمع، وسعى إلى إيجاد حلول عقلانية للنزاعات الطبقية. في عصره لم تكن الفلسفة اليونانية قد نضجت بعد، حيث كان هو أحد روادها الأوائل. تأثر بالبيئة الفكرية العامة، وكانت الحكمة تُنقل في ذلك الوقت عبر الشعر. كما أن أسفاره وتجربته كتاجر وشاعر ومشرّع كانت مصادره الرئيسية، حيث اطلع على أنظمة حكم مختلفة. لم يكن متأثرًا بفلاسفة سبقوه، بل كان أحد أوائل الفلاسفة الذين أسسوا الفكر السياسي في اليونان القديمة.

***

غالب المسعودي

.........................

*الـ “الحكماء السبعة": طاليس الملطي، بياس البرييني، كليوبولوس الليندي، صولون الأثيني، خيلون الإسبرطي، بيتاكوس المتيليني، وميسون الخيوني أو بريانتي الكورنثي.

في المثقف اليوم