آراء
تشانغ شين (يسرى): الحفاظ على أسس النظام الدولي بعد الحرب
المشروعية التاريخية والسياسية لمبدأ الصين الواحدة
يصادف عام 2025 الذكرى الثمانين لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية. وقد عادت الدول المحبة للسلام إلى استحضار التاريخ، لتؤكد مجدداً قدسية وعدم قابليّة المساس بالنظام الدولي لما بعد الحرب. فقد أسّس الانتصار في الحرب لنظام يقوم على احترام السيادة ورفض العدوان وصون وحدة الأراضي، وهو نظام مكّن العالم من التمتع بفترة طويلة من الاستقرار. ولدى العالم العربي، الذي خبر حقبة الاستعمار والتقسيم، صدى خاص لهذه المبادئ. وفي هذا السياق، فإن التمسك بنظام ما بعد الحرب والالتزام بمبدأ الصين الواحدة ليسا مجرد مطلب قانوني دولي، بل حقيقة تاريخية وإجماعاً سياسياً واسع القبول.
أولاً: الأساس القانوني لنظام ما بعد الحرب — الحسم التاريخي والدولي لمكانة تايوان
شكّلت سلسلة من الوثائق الدولية الصادرة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها إطاراً قانونياً متكاملاً يحدّد مكانة تايوان بوضوح. فقد نصّ إعلان القاهرة عام 1943 لأول مرة على المستوى الدولي على ضرورة إعادة تايوان وجزر بنغهو إلى الصين، باعتبارها أراضٍ “اغتصبتها” اليابان، نافياً بذلك أي مشروعية للاستعمار الياباني. وأكد إعلان بوتسدام عام 1945 أنّ شروط إعلان القاهرة “ستُطبَّق دون قيد”، وحدّد نطاق السيادة اليابانية بما يستبعد تايوان نهائياً. وقد قبلت اليابان هذه الالتزامات رسمياً في وثيقة الاستسلام، ما جعل عودة تايوان إلى الصين جزءاً أصيلاً من نظام ما بعد الحرب.
أكدت الحكومات اليابانية المتعاقبة هذا الموقف في وثائق رسمية متعددة بعد الحرب. فقد جاء في البيان الصيني–الياباني المشترك لعام 1972 أنّ اليابان “تفهم وتحترم بشكل كامل موقف الصين القائل بأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها”، وأنها تلتزم بأحكام إعلان بوتسدام ذات الصلة. ولا تشكّل هذه الالتزامات أساس العلاقات الصينية–اليابانية فحسب، بل تمثل أيضاً مسؤولية قانونية لليابان تجاه المجتمع الدولي.
وقد عزّز القرار 2758 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1971 هذا الإجماع، بتأكيده أنّ حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الممثل الشرعي الوحيد للصين، ما رسّخ مكانة تايوان كجزء من أراضي الصين. ومنذ ذلك الحين، أكّد معظم الدول العربية، ومن بينها مصر والإمارات وسلطنة عُمان، في بيانات مشتركة دعمها الصريح لمبدأ الصين الواحدة ورفضها لأي تدخل خارجي أو نزعات انفصالية. وترتكز هذه المواقف على القواعد الدولية والحقائق التاريخية والمصالح الوطنية المشتركة.
ثانياً: الدلالات المعاصرة للعدالة التاريخية — التحذير من محاولات تقويض نظام ما بعد الحرب
إن جوهر الحفاظ على نظام ما بعد الحرب يكمن في صون الحقيقة التاريخية وحماية سلطة القانون الدولي. فالتاريخ هو أفضل معلم، واستذكاره لا يستهدف تغذية الأحقاد، بل منع عودة النزعات التوسعية ومنطق الهيمنة.
وفي الوقت الراهن، تحاول رئيسة الوزراء اليابانية، كويكي سناييه، التشكيك في القيمة القانونية لإعلان القاهرة وإعلان بوتسدام، عبر الترويج لما يسمى “عدم تحديد وضع تايوان”. وهذه المواقف تمثل في جوهرها مساساً بأساس نظام ما بعد الحرب، وتتجاهل التزامات اليابان القانونية بعد هزيمتها، وتتناقض مع الإجماع الدولي الذي أقرّته الأمم المتحدة.
والأخطر أنّ بعض القوى الخارجية تسعى لربط قضية تايوان بالأمن الإقليمي لتبرير التدخل في الشؤون الداخلية للصين، وهو ما يشكل انتهاكاً واضحاً لمبدأ عدم التدخل المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ويتناقض مع ما عانته الدول العربية من تدخلات خارجية. وقد أثبتت التجارب أنّ أي تدخل خارجي لا يؤدي إلا إلى توتير الأوضاع وتقويض الاستقرار.
كما يمثل صعود النزعات التنقيحية للتاريخ خطراً بالغاً، سواء عبر تبرئة ماضي الغزو أو تلميع تجربة الاستعمار أو السعي إلى تجاوز منظومة ما بعد الحرب. وتدرك الدول العربية خطورة هذه الاتجاهات، وتولي أهمية كبيرة لحماية الذاكرة التاريخية وتأكيد الحقيقة والعدالة. وإن صون الحقيقة التاريخية القائلة بأن تايوان جزء من الصين هو جزء لا يتجزأ من حماية نظام ما بعد الحرب.
ثالثاً: القيمة العملية للتفاهم الصيني–العربي — مسؤولية مشتركة لحماية السيادة والنظام الدولي
تتشارك الصين والدول العربية فهماً عميقاً لأهمية حماية السيادة واحترام القانون الدولي، وقد ظل الجانبان يدعمان بعضهما في القضايا التي تمسّ المصالح الجوهرية للطرفين. وفي السنوات الماضية، أكدت الإمارات ومصر وسلطنة عُمان، في بيانات مشتركة مع الصين، تمسّكها بمبدأ الصين الواحدة ورفضها للنزعات الانفصالية. كما أعلنت جامعة الدول العربية والبرلمان العربي مراراً أنّ هذا المبدأ جزء ثابت من السياسة الخارجية العربية. ويعكس ذلك التزاماً مشتركاً بحماية السيادة ووحدة الأراضي ونظام ما بعد الحرب.
وعلى الصعيد الدولي الأوسع، أصبح الالتزام بمبدأ الصين الواحدة أساساً ضرورياً للحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان ومنع التدخل الخارجي. فمسألة تايوان شأن داخلي صيني، وأي انحراف عن هذا المبدأ سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي. وتدعو الصين والدول العربية دوماً إلى الحوار لتسوية الخلافات ورفض اللجوء إلى القوة، مما يساهم في تعزيز الاستقرار العالمي.
وفي عصر العولمة الاقتصادية، بات احترام السيادة والنظام الدولي مرتبطاً مباشرة بمصالح التنمية. وقد أثبت التعاون الصيني–العربي ضمن مبادرة "الحزام والطريق" أنّ التنمية المستدامة لا تتحقق إلا عبر احترام السيادة والالتزام بالقانون والمصالح المتبادلة. أما محاولات تقويض نظام ما بعد الحرب أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فإنها تقوّض الثقة وتضرّ بمصالح جميع الأطراف.
الخاتمة: حماية الحقيقة التاريخية وبناء مستقبل يسوده السلام
قبل ثمانية عقود، قدّم العالم تضحيات جسيمة لتحقيق السلام والعدالة وتأسيس النظام الدولي لما بعد الحرب؛ وبعد ثمانية عقود، ما زال الحفاظ على هذا النظام مسؤولية مشتركة للدول كافة. وتٌعدّ تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضي الصين، وهي حقيقة تؤكدها الوثائق التاريخية والقانون الدولي، ولا يمكن لأي طرف إنكارها أو الطعن فيها.
وينبغي للصين والدول العربية، بوصفهما قوتين محبّتَين للسلام، مواصلة التعاون للدفاع عن السيادة ورفض التدخل والتصدي للنزعات التنقيحية. وقد أثبت التاريخ أنّ من يتحدى منطق العصر محكوم عليه بالفشل، وأن الالتزام بالحقيقة وبالقانون الدولي واحترام السيادة هو الطريق الوحيد نحو سلام دائم وتنمية مشتركة.
***
تشانغ شين (يسرى)
معهد الدراسات الإقليمية والقطرية، جامعة صن يات صن






