أقلام حرة

اياد الزهيري: حـXــروب القلم

صحيح إن السيف أقدم أسلحة الحروب بين البشر، والذي تطور اليوم إلى أسلحة أوتوماتيكية، وصولاً للأسلحة الذرية، وهناك أخرى سرية لا يعلم بها إلا الله والقائمين عليها، ولكن لم تتمكن، ولم تصل إلى مديات سلاح القلم، فهي محدودة الميدان من حيث المساحة، فالحروب التقليدية، كما في الحرب العالمية الأولى والثانية، والحرب العراقية الإيرانية، وغيرها، حدثت بأماكن محددة، وسلاحها يُصيب الأبدان، والمنشأت المادية، ولكن سلاح القلم لاحدود جغرافية له، فهو يستطيع الوصول إلى كل جهات الأرض الأربعة، وأنه يُصيب العقول دون الأبدان، وهنا تكمن خطورة هذا السلاح، فالأول يحتل بقعة من الأرض ويستولي على ثروات محدودة، وسلاح القلم يحتل عقول، ويكتسح حضارات، ويسلب أرادات . أستراتيجية سلاح القلم أخطر من كل الأسلحة، وأمضاها، وأقل جعجعة، وأرخص تكلفة، وأوقع ضرراً بالخصم، وهذا هو السر في بناء الأمبراطوريات الأعلامية في عالم اليوم من قِبل الدول الأمبريالية، بالتحالف غير المقدس مع إسرائيل وأساطين المال من اليهود، الذين يسعون من خلاله إلى تحقيق ماعجز السلاح التقليدي من تحقيقه، الذي يتمثل بالهدف الأستراتيجي لهم، وهو السيطرة على العالم، وقد أثبتت الأيام والتجارب، وما سُوق من أفكار، وما عُرض من مؤلفات، وما قُدم من مقابلات، وأفلام ومسلسلات، وما يُروج له على صفحات التواصل الأجتماعي، ما يجعلني شخصياً لا أستبعد إن هناك مراكز فكرية عالمية سرية، تنتج أفكار، تسعى من خلالها للتشكيك بالرموز العظيمة، وأظهارها بمظهر القبح تارة، والتهتك تارة أخرى، وذلك لما لهذه الرموز من تأثير على الفكر والسلوك العام، فمثلاً جوز الغربيون على أنبياء اليهود والنصارى شرب الخمر، والأتيان بالفاحشة، والكثير من السلوكيات المشينة، وأسفارهم مليئة بذلك، فنرى بالكتب والدراسات التي قُدمت بعصر التنوير، وحتى بالسنوات القريبة الماضية، التي تعرضت لحياة الأنبياء، وعملت على الحط من منزلتهم، والأستهزاء بهم، وخاصة عن طريق الأفلام، وكيف أنبياء بني إسرائيل يعاشرون الجميلات من النساء، ويحتسون الخمرة، كما صوروهم بأنهم كانوا يتجرؤون على الذات إلهية، وهذا الأسلوب هو من سوغ للألحاد في أوربا، كأداة من أدواة تسويقه للمجتمع، لتحاشي صدمة وردود فعل هذه المجتمعات المتدينة، وأقناعها بأن أنبياءهم هم أول من تعاملوا مع الرب بطريقة خشنة، وبعيدة عن الآداب العالية والتقديس والتبجيل، فما المانع أن نحذوا حذوهم، وهذا بطبيعة الحال سوف يجعل المجتمع يتقبل أسلوبهم الخشن في معاملتهم للرموز الدينية، وبالتالي لا غضاضة من التعامل مع هذه المقدسات بنفس أسلوب من سبقهم من أنبياء، بأعتبارهم أسوة لأتباعهم، وهذا ما أغرى الكثير من الأفراد من التهاون في فعل الذنوب، و هَون عليهم اقتحام الموبقات والجرائم، وهذا ماحصل للمجتمع الغربي، وكيف تشبع بالفساد الأخلاقي، متعذرين بأن أنبياءهم قد سبقوهم بشرب الخمر وممارسة الرذيلة الجنسية، ونستطيع ان نذكر بعضها، فقد ورد في الكتاب المقدس طبعة دار المشرق (وأبتدأ نوح يحرث الأرض وغرس كرماً وشرب الخمر فسكر وتكشف داخل خبائه) أما ما نقلوه عن إبراهيم أنه سلم زوجته ساره إلى فرعون، وقال له أنها أخته، وقد أعطى فرعون لإبراهيم قدراً من البهائم والأنعام مقابلها) أي أنهم أظهروا نبيهم بمقام القواد، أما تصويرهم للوط، فهو الأدهى والأمر، فقالوا أن بناته الأثنان قد أشربوه الخمرة ومارس الجنس معهما فولدتا منه وهؤلاء الأبناء غير الشرعيين، هم أصل الموئابيين والعموريين، وهكذا مع بقية أنبيائهم، فهل يُعقل إن من أرسلهم الله لنشر الفضيلة، أن يسلكوا هذا السلوك المشين، هذا التصدير الذي صدروه للمجتمع الأوربي كان أهم أسباب أفساده، والآن تُصدر لنا هذه الأفكار عبر تصوير النبي محمد ص بانه كان يشرب الخمرة، وهناك من يصوره زير نساء، وهناك من يصوره أرهابي، وكانت أحدى هذه المحاولات، ماقام به الكاتب الهندي الأصل والبريطاني الجنسية سلمان رشدي في تأليف كتابه آيات شيطانية والذي يظهر النبي محمد ص بصور تحاول الحط من شخصيته كنبي ورسول، وأنه شخصية غير معصومة، ونرجسية، وشبقه، كل ذلك من أجل تحطيم هذا الرمز الأخلاقي العظيم، لكي يهون على الشعوب المسلمة أقتراف الموبقات بدعوى أن الرسول فعلها وهو نبي، فكيف وأنتم الناس العاديين لا تعملوها، يتوخون من ذلك أفساد المجتمع، وتحطيم القيم، وعلى نظرية، إذا فِسدَ العالِم فسد العالَم، لذلك نرى الكثير من وسائل الأعلام المختلفة وعلى لسان أبناء المسلمين من مقدمي البرامج والمفكرين منهم، والكتاب، هم من يقومون بهذا الدور لدفع الشبه عن المراكز الغربية التي تدفع بهذا الأتجاه، وبرنامج مختلف عليه الذي تقدمه قناة الحرة واحد من هذه البرامج التي تعمل بهذا المسار، والذي يقدمه إبراهيم عيسى المصري. إنها حرب الأعلام، كوسيلة من وسائل الحرب الناعمة، كمقدمة لأحتلال بلادنا، والسيطرة على شعوبنا، عن طريق قتل كل القيم التي تعارض التطبيع، والأحتلال والخنوع، والقبول بهوية غير الإسلام، كتمهيد لسيطرة اليهود على العالم، وكنتيجة لهذه الهجمة الشرسة، والأعلام الممنهج والمكثف، ساهم في ظهور ظاهرة الألحاد، وموجة التشكيك، وتعرض المنظومة الأخلاقية للأهتزاز في العالم العربي والأسلامي، والأخطر هناك توجه يسير بالتوازي مع هذا التوجه في ضرب ثوابت الأمة، هو الدفع بالأجيال الجديدة من الشباب للقبول بالأمر الواقع الذي تفرضه الأمبريالية الأمريكية، ومن وراءها إسرائيل، وذلك بقبول فكرة التطبيع مع إسرائيل، وأن مجتمع الأستهلاك الذي فرضوه على شعوبنا، هو النظام الأمثل، وبوابة نظام الرفاهية لهذه الشعوب، ليجعلوا منها شعوب خاوية كسولة، لاتقوى على مقاومة ظلم، ولا رد عدوان، والذي بعد فوات الأوان تصحوا هذه الشعوب على واقع هزيل يسيطر عليه رأس المال الذي تديره الدول الرأسمالية وأساطين المال من اليهود، وتفقد هذه الشعوب استقلال بلادها، وتُسلب ثرواتها، وينتهي أبناءها عبيد بيد أرباب المال اليهود، وحلفاءهم الغربيين، وتسود حضارة الكابوي الأمريكي، مقابل أضمحلال حضارات الشرق، ومنها حضارة الإسلام .

***

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم