أقلام حرة

صادق السامرائي: الناصر لدين الله!!

أحمد أبو العباس أحمد بن المستضيئ بأمر الله (553 - 622 ) هجرية، عاش (69) سنة، وإستمر بالخلافة (47) سنة، (575 - 622) هجرية، وتولاها في عمر (22). ولم يل الخلافة أحد أطول منه. ويبدو أنه قد تميز بذكاء فطري عن سابقيه ولاحقيه فتمكن من البقاء بالخلافة ما يقرب من نصف قرن دون أن يتعرض لهوان أو إذلال، بل كان مهابا مطاعا، وصاحب حيل ومراوغات معقدة تنم عن ذكاء فائق.

وتميزت سياسته بالقضاء على التعصب المذهبي الذي كان يستثمر فيه الملوك والسلاطين للنيل من الخليفة، وقرّب العرب وأبعد الأغراب عن الحكم، فتآلفت القلوب وتفاعلت بإيجابية، وقلت الفتن والإضطرابات، وكانت علاقته بصلاح الدين الأيوبي وطيدة.

وتمكن من القضاء على السلاجقة وإزالة آثارهم في بغداد، وإهتم بعمارة المدينة وتحصين أسوارها.

قال إبن النجار: "دانت السلاطين للناصر، ودخل في طاعته من كان من المخالفين، وذللت له العتاة والطغاة، وإنقهرت بسيفه الجبابرة، واندحض أعداؤه، وكثر أنصاره، وفتح البلاد العديدة، وملك من الممالك ما لم يملكه أحد ممن تقدمه من الخلفاء والملوك، وخطب له في ببلاد الأندلس والصين".

وقال إبن واصل: " كان الناصر شهما، شجاعا، ذا فكرة صائبة، وعقل رصين، ومكر ودهاء، وله أصحاب أخبار في العراق وسائر الأطراف، يطالعونه بجزئيات الأمور"

وقال الذهبي: ".....وكانت له حيل لطيفة ومكائد غامضة وخدع لا يفطن لها أحد، يوقع الصداقة بين ملوك متعادين وهم لا يشعرون، ويوقع العداوة بين ملوك متفقين وهم لا يفطنون"

وقال إبن جبير الأندلسي: "وهو مع ذلك يحب الظهور للعامة، ويؤثر التحبب لهم، وهو مأمون النقيبة عندهم،  قد إستسعدوا بأيامه رخاءً وعدلاً وطيب عيش، فالكبير والصغير منهم داعٍ له"

والبعض يرى أنه كان رديء السيرة في الرعية، مائلا للظلم والتعسف، وكان يفعل أفعالا مضادة.

مؤلفاته: كتاب روح العارفين في الحديث النبوي الشريف.

وأطروحة العلامة مصطفى جواد لنيل الدكتوراه كانت عنه في جامعة السوربون.

ويمكن القول بأن الناصر لدين الله هو الخليفة الوحيد الذي أعاد للخلافة هيبتها وللدولة قوتها، بعد أن فقدتها منذ مقتل المتوكل على الله، فقد تمتع بدهاء سياسي وذكاء فاعل في تدبير شؤون الدولة، لم يتمكن أحد من بني العباس القيام به قبله.

وبسببه إستعادت الخلافة عزتها وكرامتها وتذلل لها الملوك والسلاطين، وأعلنوا الخطب بإسمها في كافة الأرجاء.

وهو يقدم مثلا على أن الأمة يمكنها أن تنجب منقذيها مهما طالت فترت إمتهانها والعبث بمقدراتها، فهو الخليفة الذي جاء بعد (328) سنة من  مقتل المتوكل، فأحيا الخلافة وأعاد لها روحها وجوهرها.

مما يعني أن الأمة لا تنمحق ولا بد لليلها الطويل أن ينجلي.

أمة تحيا وتبقى مشعلا

ودليلا ساطعا أو منهلا

إنها عاشت سموّا خالدا

وأجادت بحياةٍ أجملا

نصرها يهفو إلى أرجائها

بزمان بسُراةٍ إبتلى

***

د. صادق السامرائي

20\2\2021

في المثقف اليوم