أقلام حرة

علي حسين: يحدثونك عن اللجنة!

أراد المصري صنع الله إبراهيم الذي رحل عن عالمنا قبل أيام، أن يقدّم شهادته عن عالم لجان التحقيق العبثي، فاختار أن يكتب روايته المثيرة وضع لها عنوان "اللجنة" يرسم لنا فيها صورة قاتمة لعالم تكون فيه اللجان العبثية نموذجاً يحدد مصائر الناس، وحالة الانتهازية والكذب والخديعة التي يصرّ المسؤول على أن يفرضها على الناس.

دائما ما اتذكر رواية المرحوم صنع الله ابراهيم، عندما يتعلق الامر باللجان التي تشكل في بلاد الرافدين، فمن يتذكر تقرير لجنة ضحايا تشرين، فلا تزال الرواية الرسمية التي تقول ان كائنات فضائية قتلت اكثر من 700 متظاهر هي السائدة، اما اللجان التي شُكلت فقد ادخلت اهالي الضحايا في متاهات ودهاليز. والامر ايضا تكرر في لجان اخرى كان ابرزها اللجنة التي ارادت ان تعرف كيف تمكن "الصبي" نور زهير سرقة ثلاثة مليار دولار في وضح النهار.

في رواية "اللجنة" يحاول بطل صنع الله إبراهيم أن يُعلّم أهل المدينة أن حقوق الإنسان مسألة تستحق أن يُقاتَل من أجلها، وأن القوانين ليست منزَّلة من السماء، يحاول أن يفتح أعينهم على أنّ "الشعوب من دون حريّة لا يعود لها وجود.. ولهذا تحاول المؤسسات الفاشلة أن تنوع المحظورات وتتنافس في سنّ قوانين خاصة بها.

في كلّ يوم نسير عكس اتجاه العالم، لكننا في الصباح نشكو المؤامرة التي أخبرنا البعض من البرلمانيين أن الإمبريالية اللعينة لا تريد لنا ان نستفيد من خبرة البروفيسورة "عتاب الدوري" العسكرية، وتقف بالضد من نظرية ابراهيم الجعفري في الالسنيات، ولم تسمح لعبقري مثل مثنى السامرائي أن يطور مناهج التربية والتعليم، كل ما نحن فيه مؤامرة تحتاج إلى لجنة من الخبراء لا يعرف المواطن المسكين لونهم وطعمهم ورائحتهم..

في بلدان آسيا خرج الرجل الأسطوري لي كوان من الحكم، بعد أن حوّل سنغافورة من مستنقع تزدهر فيه الأمراض والخوف إلى نموذج صعب التقليد في الرخاء والتنمية والازدهار، وكان شعاره لا مكان للجان التي تستهلك مستقبل حاضر الناس ومستقبلهم.

عندما يقرر البعض أن يبيح لنفسه اللعب على الحبال، فأيّة لجان يحدثون الناس عنها؟ لذلك تتحوّل قرارات اللجان إلى نوع من أنواع السخرية من الناس.. وأتمنى ألّا يسخر مني البعض ويقول يا عزيزي صدّعت رؤوسنا بالحديث عن لي كوان، بينما المواطن محتار هل يصدق تقرير اللجنة الذي تقول ان الدكتورة بان زياد انتحرت لانها تعاني من الاكتئاب؟ أم نصدق شهادات زملائها الذين اكدوا جميعم انها كانت طموحة وتحلم بمشروع طبي كبير.. الجواب حتما سنجده عند بطل رواية اللجنة الذي قرر في النهاية ان "آكل نفسي" هرباً من اللجان.

***

علي حسين

في المثقف اليوم