أقلام حرة

صادق السامرائي: هل يسمعون وهل يقرأون؟!!

القرن الحادي والعشرون قرن تشتت الإنتباه، وفقدان قدرات التركيز لأكثر من بضعة لحظات، والتفاعل الآني مع المستجدات وتدفق المعلومات عبر شبكات التواصل، التي إمتلكت البشر بأجهزتها المتسارعة التطورات والإبتكارات، فما عادت العلاقات كما كانت في القرن العشرين، وفقدت المشاعر الإنسانية حرارتها وطعمها.

إذا تكلمت لا يصغون وربما يلتقطون نسبة ضئيلة مما ذكرت، ويتمثلونه في طاحونة اللحظة الإدراكية، ويتوصلون إلى ما لا تعنيه، بل ما أيقظته فيهم من تصورات وتفاعلات.

أما إذا كتبت فأنهم لا يقرأون، فلا قدرة لديهم على متابعة السطور، والتفكر والتمعن والتأمل، إنها إرادة اللحظة الفاعلة في أرجاء وجودنا المندحر في شاشات صغيرة، والذي يعزلنا عن محيطنا ويدخلنا في عوالم إفتراضية، وسرابات متهادية في فضاءات خيالنا المشرئب نحو المجهول اللذيذ التوقعات.

الشاشة التلفازية إنحسر دورها وتأثيرها، ووسائل الإعلام تعرّت توجهاتها وما تسعى إليه من آليات صناعة الآراء، وما تبثه من أكاذيب وأضاليل، فوسائل التواصل المعاصرة أفرغت الوقائع من محتواها، ووضعتها أمام أنظار الصورة والحدث الموثق، والشواهد والبراهين الدامغة، التي حاصرت الأكاذيب والإدعاءات، وما عادت وسائل الإعلام تمتلك القدرات الخداعية اللازمة لتأكيد إرادتها وتحقيق أهدافها المرسومة، القاضية بتحويل البشر إلى قوة مضادة لوجوده وتقرر مصيره كما تريد.

ووفقا للمعطيات المعاصرة فأن أساليب التفاعل عبر الخطابة والكتابة عليها أن تتماشى مع مفردات الواقع المعاش، وأن تمتلك القدرة على الإختصار والتأثير، ولا بد من إستحداث مفردات متوافقة مع قدرات الأجيال المتوافدة إلى سوح التواصلات المتسارعة.

فالخطابات المسهبة لا تنفع، والكتابات الطويلة لا تؤثر بل تنفر، والمواقع المركزة على الصورة الشخصية ما عادت مرغوبة، فالمتلقي يريد الخلاصة أو الزبدة، ويهمه الوضوح والمباشرة، ولا يعنيه التفكر وقراءة ما بين السطور، فذلك زمن تولى، وأصبحنا في عصر الأنوار الساطعة، والأخبار القاصعة.

رحم الله القرن العشرين بقضه ونفيضه، وأهلا بمواكب القرن الحادي والعشرين، وعربات مسيرته المحملة بالمستجدات المتسابقة الظهور!!

فهل لنا أن نستوعب مقتضيات عصرنا؟

قرونٌ من أعاليها تداعتْ

مفتتةٌ لآخرها أصاخَتْ

مكدّسة خلاصتها بقرنٍ

إذا حقّت تسامى فاستكانتْ

عطاءُ كثيرها أثرى وجوداً

عقول الناس من فِكَرٍ أجادتْ

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم