أقلام حرة

صالح الطائي: حجب تأشيرة دخول العراقيين إلى الجزائر العزيزة

يلقى العراقيون الراغبون بالسفر إلى الجمهورية الجزائرية الشقيقة عنتا وتعقيدا وعسفا لا يتناسب مع موقف العراق من الجزائر منذ خمسينات القرن الماضي، فالعراق ومثلما هو معروف للجميع كان داعماً مهما للثورة الجزائرية، ولاسيما بعد الإطاحة بالنظام الملكي في العراق عام 1958، حيث بدأت الحكومة العراقية بدعم قوي للقضية الجزائرية، وقد شمل الدعم تبرعات مادية (مالية وطبية وغذائية)، كما قدّمت الحكومة العراقية مبالغ طائلة لدعم الجزائر، منها 250 مليون فرنك سنويا لعدة سنوات، ودفعت الحكومة العراقية 250 ألف جنيه إسترليني لجامعة الدول العربية لدعم الثورة الجزائرية. وسمح العراق للطلبة الجزائريين بالالتحاق بالكليات العسكرية العراقية، فالتحق حوالي أربعين ضابطا، فضلا عن طيارين من كلية الطيران. وتأكيدا لهذا الدعم المفتوح قامت الحكومة العراقية أيضا بمقاطعة النشاط الاقتصادي الفرنسي داخل العراق بعد 1958، وهذا مثل دعما عمليا واقتصاديا للثورة الجزائرية. ثم امتد الدعم إلى الجانب الثقافي، فالدور الثقافي العراقي الداعم للجزائر كان بارزا، وقد كتب شعراء عراقيون أكثر من 250 قصيدة مدحا ودعما للثورة الجزائرية. وللوقوف بوجه الفرنكوفونية هب المثقفون العراقيون لمد يد العون للشعب العربي الجزائري البطل، فتطوع آلاف من المعلمين والمدرسين وأساتذة الجامعات وأسهموا في إعادة تعريب الجزائر.

وردا لجميل لهذا الدعم، قام السيد فرحات عباس في 21 أبريل/ بيسان من عام 1959 مع وفد من الحكومة المؤقتة الجزائرية بزيارة للعراق، وقد استقبل الوفد استقبالا رسميا وشعبيا حافلا، عكس دعما شعبيا ورسميا قويا للقضية الجزائرية.

وفي عام 1962 زارت المناضلة البطلة جميلة بوحيرد بغداد، ورافقتها في الزيارة مناضلة جزائرية أخرى اسمها زهرة بوظريف. وقد استُقبلتا استقبالا حارا من الشعب العراقي وقابلتهما قيادة البلاد آنذاك بالترحاب بما في ذلك استقبال رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم (رحمه الله) لهما، وهناك عدة تقارير ومقالات عراقية وعربية تشير إلى أن الزيارة حدثت بعد توقف القتال مباشرة، وأن جميلة وزميلتها قامتا بجولة في بغداد حيث حملهما العراقيون على الأكتاف وكرّموهنّ بما يليق بهن وبالجزائر العزيزة.

وقد أدلت المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد بتصريح لوكالة الأنباء العراقية في المطار أعربت فيه عن سرورها الشديد بزيارة الجمهورية العراقية وقالت إنني بهذه المناسبة أحيي الشعب العراقي الكريم. أما المجاهدة السيدة زهرة ظريف عقيلة نائب رئيس وزراء الجزائر فقد صرحت لوكالة الأنباء العراقية قائلة: إنني مسرورة كثيراً لهذه الزيارة وإنني باسم الجزائر الثائرة وباسم شعبها أحيي شعب الجمهورية العراقية وسيادة رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم.

ثم ألقت إحدى عضوات جمعية حقوق الإنسان العراقية كلمة حيت فيها المجاهدتين الثائرتين باسم الهيئات الشعبية العراقية وأشادت بكفاح شعب الجزائر البطل، كما ألقى سكرتير الاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العراقية كلمة رحب فيها بالضيفتين الجزائريتين.

وهناك عدة تأكيدات محلية ومواد تراثية تثبت أن تسمية حيّ "جميلة" بجانب الرصافة من بغداد رُبطت بتلك الزيارة المباركة وحفاوة الاستقبال.

واليوم لا زال شعب العراق يكن للجزائر وأهلها حبا عميقا راسخا، بل هو اليوم أعظم مما كان عليه من قبل، نظرا لمواقف الجزائر المبدئية من القضايا العربية، ويحز في قلوبنا كثيرا، ويؤلمنا أكثر ألا نجد تجاوبا شعبيا ورسميا جزائريا مع هذا التعاطف الصادق الكبير، في وقت هناك العديد من البلدان التي لم يقدم لها العراق شيئا يذكر قياسا بما قدمه للجزائر، أجازت للعراقيين دخول أراضيها دون تأشيرات دخول مثل: تونس وسلطنة عمان ومصر، وقد أدهش سلوك العراقيين المنضبط الحضاري أبناء تلك الشعوب وحكوماتها فبدأوا يقدمون تسهيلات لتشجيع العراقيين على السفر إليها.

إن العراقيين يا سادتي شعب نبيل طيب محب مسامح منفتح، وفيه من يسعى بجد ليعقد صداقات حقيقية على أرض الواقع مع الجزائريين، والتبرك بتراب جزائر النضال والعروبة، ولا أجد عذرا ولا مبررا لمن يضع العراقيل بوجه هذه العاطفة العربية الجياشة، لذا آمل أن أسمع قريبا أن الحكومة الجزائرية سوف تفتح الباب أمام العراقيين لزيارة أهلهم، وربما تعفيهم من الحصول على تأشيرة، ويحز في نفسي أن يبقى هذا الحلم مجرد حلم عصي على أن يتحقق.

***

الدكتور صالح الطائي

في المثقف اليوم