أقلام حرة
صادق السامرائي: الصورة والكلمة!!

عالمنا المعاصر المتدفق المعلومات والتواصلات، أخذت فيه الصورة دورها وتأثيرها، وما عاد للكلمة كبير قيمة ومعنى، وتجدنا أمام حشد من الصور المتنوعة الحية والجامدة.
ويبدو أن الصورة قد طغت وحجبت الكلمة وجردتها من فعاليتها وتحاورها مع الألباب.
الصورة أخذت ترسم معالم السلوك وتضع اللبنات الأساسية لمنطلقات الحياة الجديدة.
عالم ما قبل الصورة لا يقارن بعصر ما بعدها، فالذهنية البشرية أصيبت بطفرات تواصلية أدت إلى نشوء دوائر عُصيبية غير مسبوقة في الأدمغة المتفاعلة مع مطرقة الصورة الدائمة التكرار، والتي تحفر مساراتها في أروقة الرؤوس.
فأدمغة الأجيال الحاضرة تختلف عن أدمغة ما سبقها، وسلطة الإستجابات السريعة هيمنت على الواقع المعرفي، وأزالت الحواجز وأسقطت الجدران فما عاد للعزلة مكان فوق التراب.
في عصر الصورة خمدت أنفاس الكلمات، وتعفنت في مهدها العبارات، وفقدت تأثيراتها الأشعار والخطابات، فالصورة مبعث الطاقات، وداينمو التفاعلات، وحادية التجمعات والثورات، فما فات مات، والقادمات تكمم أفواه الويلات.
عندما إنتشر المذياع في القرن العشرين إنحسر الإهتمام بالكتاب قليلا، وبحضور التلفاز تزايد الإنحسار، وفي الربع الأول من القرن الحدي والعشرين، أصيب الكتاب الورقي بالضربة القاضية، وتحول إلى عصف مأكول، وتنامت الكراهية للكتاب.
قراء الكتب قليلون، ومن النادر أن يشتروا كتابا، فما عادت القراءة في كتاب تجلب المتعة، إذ أدمن الناس على الشاشة، وتملكتهم الصورة والفيديوهات القصيرة والمثيرة التي تحضر أمامهم بسرعة البرق.
في أي مكان تكون فيه، تجد الحاضرين يحدقون في الشاشات الصغيرة، ومن النادر أن تشاهد مَن يقرأ في كتاب، وإن رأيت متصفحا لكتاب فهو من أبناء منتصف القرن العشرين، وربما قبل ذلك.
الأجيال الجديدة ستتناسى الكتاب، وما يشدها ويسحرها الذي يتوارد إلى شاشات الهواتف وأخواتها.
كتابٌ في متاهاتِ البعيدِ
تمزّقهُ مراداتُ الجديدِ
تناءتْ نفسنا ومضت لضوءٍ
يُداعبها بإحضارِ الفريدِ
معارفنا مكدّسة بجيبٍ
وتغمرنا بأفياضِ المزيدِ!!
***
د. صادق السامرائي