أقلام حرة

ايمان خريسات: الحقيقة الأعمق.. البحث عن المعنى من أنا؟

سؤال الوجود الحارق

سؤال يحلق بداخلي، يجذبني إلى هاوية العدم، يحرقني بلا نار مرئية، ويترك دفئاً أسود في أعماق الروح. إنه سؤال لا يهدأ أبداً، يصر على أن يعرف، على أن يصل إلى الحقيقة المطلقة: من أنا حقاً؟ ومن أنت في هذا الوجود المتشابك؟ ومن نحن جميعاً في هذه المسيرة العابرة؟

حين يسأل الإنسان نفسه أو غيره: "من أنت؟"، يظن واهماً أنه يملك الإجابة الجاهزة. مجرد أسماء، ألقاب، أعداد، وحروف عابرة، جمل مؤقتة تصنع انطباعاً سطحياً لشخص مستقبلي متخيل. لكن الحقيقة أعمق بكثير من كل هذه القشور. الحقيقة المرة هي أن السؤال نفسه هو الجواب الحقيقي: لماذا نحن هنا ولا ندري الهدف؟ ومن أين يجب أن نبدأ رحلة البحث هذه؟

الإنسان كائن فوضوي بطبعه، عشوائي في تصرفاته، ولا يصدق حتى ذاته المتذبذبة. كل فعل نقوم به، كل كلمة نتفوه بها، كل شعور يغمرنا، يُقاد في الواقع من قوة مجهولة كامنة. شيء ما داخلنا يدفعنا، يقوينا أحياناً، ويضعنا في صراع دائم مع أنفسنا والعالم. نظن بغرور أننا الأقوى والمسيطرون، بينما الحقيقة أننا نتبع خيوطاً قدرية لا نراها بالعين المجردة، وننفذ أوامر غامضة، ونتظاهر بالمعرفة الكاذبة، ونبحث عن الذات في ظلالها الوهمية.

هناك من يعارضك بشدة، وهناك من يؤيدك بحماس، وهناك من ينفذ ببساطة بداخلك كالسهم. أنت لست سوى نتيجة حتمية لصراع داخلي مستمر، مجموعة متناقضة من التناقضات الصارخة والحوارات العاصفة. تناقضات تصنع كيانك الفريد، وحوارات قد تهدمك أو تبنيك، وقرارات تفرض عليك قسراً بينما تعتقد بسذاجة أنها كانت محض اختياراتك الحرة. لكن السؤال الوجودي يظل قائماً: من يدفع ثمن هذا الصراع؟ ومن يشتريك كصفقة في سوق الحياة؟

نحن لسنا أكثر من معجزات بيولوجية بلا مرشد حكيم، ولا ندرك من نحن حقاً إلا بالسطحية المميتة التي نعيشها. العقل البشري يحاول السيطرة المنطقية على كل شيء، بينما الفكر يغوص بلا هوادة في بحر أسود عميق، بلا ضوء مرشد، بلا دليل يهدينا سواء السبيل. في هذا البحر، تولد الإجابات بصعوبة من رحم المعاناة الإنسانية المشتركة، وتتبلور من صراعات داخلية لا تنتهي أبداً، ليظل السؤال الأكبر والأكثر إلحاحاً حاضراً دائماً ويتردد صداه في كل مكان: من أنا؟.

***

ايمان عبد الحكيم خريسات

في المثقف اليوم