أقلام حرة

رافد القاضي: دور المرأة في المجتمع الريفي.. روح الارض وقلب الوطن

في أحضان الحقول الممتدة وتحت شمس الصباح الحارقة تقف المرأة الريفية صامدة تحمل بين يديها ثمار الأرض وحكايا الحياة اليومية وهي ليست مجرد عنصر من عناصر المجتمع، بل هي روح الأرض التي تمنح الحياة، وقلب الوطن الذي ينبض بالعطاء والصبر.

من رعاية الأسرة إلى العمل في الحقول ومن نقل التقاليد والقيم إلى صون النسيج الاجتماعي، تتجلى أهميتها في كل لحظة من حياة الريف وصبرها لا يُقاس، وعطاؤها لا يُحصى، لكنها رغم كل ذلك غالبًا ما تبقى الوجود الصامت الذي يصنع الفرق الكبير.

في هذه المقالة، سنستعرض الدور الحيوي للمرأة الريفية من جميع الجوانب: الاقتصادي، والاجتماعي، والتنموي والتعليمي، لنكشف كيف تتحول المرأة إلى ركيزة أساسية لاستمرار المجتمع وبقاء الوطن نابضًا بالحياة.

وليست المرأة في المجتمع الريفي كائنًا هامشيًا أو تابعًا لدورة الحياة اليومية، بل هي جوهرها العميق، ومحركها الخفي وعمودها الذي لا ينهار مهما اشتدت العواصف فبين الحقول، وتحت شمس المواسم القاسية، وفي تفاصيل البيت الطيني، تتشكّل صورة امرأة لا تعرف الكسل، ولا تتقن الشكوى، لكنها تمارس أعقد أدوار الوجود الإنساني بصمتٍ يشبه الحكمة المتوارثة.

أولًا: المرأة الريفية بوصفها أساس الاقتصاد الزراعي

تلعب المرأة الريفية دورًا محوريًا في الاقتصاد المحلي، خصوصًا في المجتمعات التي تعتمد على الزراعة وتربية المواشي فهي تشارك في زراعة الأرض، وبذر البذور وحصاد المحاصيل، وجمع الأعلاف، ورعاية الحيوانات، وتصنيع المنتجات الغذائية التقليدية كالألبان والأجبان والمخبوزات وفي كثير من الأحيان، تكون المرأة هي اليد العاملة الأكثر ثباتًا واستمرارية، في ظل هجرة الرجال إلى المدن بحثًا عن العمل.

ولا يقتصر دورها الاقتصادي على الإنتاج فقط، بل يمتد إلى إدارة الموارد، وترشيد الاستهلاك، وضمان الأمن الغذائي للأسرة مما يجعلها عقلًا اقتصاديًا عمليًا، يوازن بين الحاجة والقدرة، وبين الحاضر والمستقبل.

ثانيًا: المرأة الريفية حارسة النسيج الاجتماعي

في المجتمع الريفي، تقوم المرأة بدور اجتماعي بالغ الأهمية؛ فهي حافظة العادات وناقلة التقاليد، وذاكرة المكان ومن خلالها تنتقل القيم الأخلاقية، وأعراف التضامن ومبادئ التعاون، واحترام الأرض والجار والعائلة. وهي التي تُصلح ذات البين وتداوي النزاعات الصغيرة، وتعيد التوازن الاجتماعي داخل الأسرة والقرية.

كما أن المرأة الريفية تتحمل عبئًا عاطفيًا كبيرًا؛ فهي الأم، والمربية، والمرشدة الأولى وصاحبة الكلمة الحاسمة في بناء شخصية الأجيال الجديدة، خصوصًا في ما يتعلق بالصبر، والانتماء، والعمل الجماعي.

ثالثًا: المرأة الريفية والتعليم… معركة الوعي الصامتة

رغم التحديات الكبيرة التي تواجه تعليم المرأة في الريف—من فقر، وبعد المدارس وضغط الأعراف الاجتماعية—إلا أن المرأة الريفية أثبتت قدرتها على خوض معركة الوعي بصبرٍ طويل. فالمرأة المتعلمة في الريف لا تغيّر مصيرها فقط، بل تغيّر مصير عائلة بأكملها.

وقد أثبتت الدراسات أن تعليم المرأة الريفية ينعكس مباشرة على:

- تحسين صحة الأسرة

- خفض معدلات الفقر

- زيادة الإنتاج الزراعي

- رفع مستوى الوعي الصحي والبيئي

إن المرأة الريفية المتعلمة تصبح جسرًا بين الحداثة والتقاليد، قادرة على استيعاب التطور دون أن تفقد هوية المكان.

رابعًا: المرأة الريفية والصحة المجتمعية

تلعب المرأة الريفية دورًا حاسمًا في الحفاظ على الصحة العامة داخل المجتمع. فهي المسؤولة الأولى عن التغذية، والنظافة والعناية بالأطفال وكبار السن وفي كثير من القرى، تكون المرأة مصدر المعرفة الصحية الشعبية، مستندة إلى خبرات متراكمة في التداوي بالأعشاب، والوقاية، والتعامل مع الأمراض البسيطة.

كما أنها خط الدفاع الأول ضد سوء التغذية والأوبئة، والإهمال الصحي، خصوصًا في المناطق التي تعاني من ضعف الخدمات الطبية.

خامسًا: التحديات التي تواجه المرأة في المجتمع الريفي

رغم كل هذه الأدوار، لا تزال المرأة الريفية تواجه تحديات جسيمة، أبرزها:

- التهميش الاقتصادي وعدم الاعتراف الرسمي بعملها.

- ضعف فرص التعليم والتدريب.

- القيود الاجتماعية الصارمة.

- قلة المشاركة في صنع القرار المحلي.

- الحرمان من الحقوق القانونية أحيانًا.

هذه التحديات لا تنتقص من دورها، لكنها تكشف حجم الظلم الواقع عليها، وتؤكد الحاجة إلى سياسات تنموية عادلة تعترف بقيمتها الحقيقية.

سادسًا: تمكين المرأة الريفية… ضرورة لا خيار

إن تمكين المرأة الريفية ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة تنموية وأخلاقية. فتمكينها يعني:

- تمكين الأسرة

- تمكين الاقتصاد المحلي

- حماية الهوية الزراعية

- تحقيق تنمية مستدامة حقيقية

ويبدأ هذا التمكين من التعليم، مرورًا بالرعاية الصحية، ووصولًا إلى إشراكها في صنع القرار، ودعم مشاريعها الصغيرة وحماية حقوقها القانونية والاجتماعية.

ختاما فأن المرأة الريفية ليست مجرد ظلٍّ للرجل، ولا تفصيلًا ثانويًا في الحياة الزراعية، بل هي العمود الفقري للمجتمع الريفي، وحارسة استمراره، وصانعة توازنه إنها المرأة التي تُنبت الحياة من قلب القسوة، وتحوّل التعب إلى معنى، والصبر إلى إنجاز.

وحين ننصف المرأة الريفية، فإننا لا ننصف فردًا فقط، بل ننقذ مجتمعًا كاملًا من الهشاشة، ونزرع في الأرض مستقبلًا أكثر عدلًا وإنسانية.

***

د.رافد حميد فرج القاضي

 

في المثقف اليوم