حوارات عامة
د. إيمان بن سالم تحاور التشكيلي التونسي أمير الشلّي
أعمال التشكيلي التونسي أمير الشلّي.. عوالم نحتيّة حالمة تقوم على الخيال والمفارقة
يدعونا الفنان التشكيلي التونسي أمير الشلّي من خلال لوحاته إلى الإرتحال داخل عوالم عجائبية تسكنها شخوص خرافية ذات توليفة نحتية تجتمع الغامض بالمألوف. حيث تتبدى شخوصه كوحوش طفوليّة تتكاثف فوق رؤوسها كتل من الغيوم الزرقاء والورديّة، يرتدي بعضها أجنحة ملائكيّة وينبثق من بعضها الآخر مجموعة من الدعاسيق والفراشات ذات الألوان الربيعيّة. هي شخوص تفـرز الدهـشة في نفس من يتلقاها، مجسدة رؤية فنيّة تتعدى حدود المستحيل. ومن أجل ذلك لُقب أمير الشلّي بفنان المستحيل لأنه يحقق بواسطة خياله عالماً تتلاقى فيه المفارقات، عالمًا غريبًا وغامضًا نرتـاده بتمعن وفضول.
وقد تحصل أمير الشلّي على الماجستير في الفنون البصريّة من المعهد العالي للفنون الجميلة بمدينة سوسة. ثم على درجة الدكتوراه في جماليات الفنون وممارستها في نفس الجامعة. شارك أمير في عديد المعارض الجماعية والفرديّة داخل تونس وخارجها. وفي محترفه الفني بمدينة المنستير، كان هذا هو الحوار الذي خصنا به؛ حيث تحدثنا عن مسيرته الفنية وخصوصية تجربته النحتية.
* لنتحدث عن أحدث نشاطاتك الفنيّة والأعمال التي أنجزتها في الآونة الأخيرة.
- لقد دُعيت مؤخرًا من طرف المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية لِإنجاز عمل فني يهدف إلى تثمين قصر برج البكوش؛ وهو معلم تاريخي يقع في ولاية أريانة شمال تونس العاصمة. فأنجزت تنصيبة تتكون من مجموعة من الدعاسيق المصنوعة من الجبس إجمالي -1000 قطعة- وضعتها في الفناء الخارجي للقصر بطريقة تبدو فيها هذه الحشرات وكأنها تتدفق من إحدى الأشجار متجهة إلى داخل القصر. ترمز هذه الحشرة إلى الحماية والتعافي فرغم صغر حجمها فهي مفيدة لأنها تأكل الحشرات الضارة. أثمن من خلال إستخدامي المجازيّ لهذه المخلوقات النافعة المساعي المبذولة لإعادة إحياء القصر وترميمه. وفيما يتعلق بالأعمال التي أشرع في إنجازها فأنا أتابع مغامرة التشكيل محاولاً التنويع في إنتاجتي سواء على مستوى الشكل أو المضمون .
* يلحظ في أعمالك وجود وحوش بوجوه رقيقة وألوان بديعة ترمقنا بنظرات غامضة وأحيانا مخيفة. ما سرّ هذه الشخوص وإلى ماذا ترمز؟
- هي شخوص صغتها إنطلاقا من مفهوم "وحدة الأضداد" والذي هو أساس منطق الخيال. أحاول من خلال أعمالي تجاوز الصورة النمطيّة المنطبعة في أذهاننا عن الوحش عبر تقديمه ضمن سياقات حالمة وطفولية. أعتقد أنه إذا شرحت ما تعبر عنه هذه الشخوص سأكون قد جردتها من الغموض الذي يميزها. كما سأكون قد فرضت على المتلقي رؤية معينة مضيّقا بذلك من آفاقه التأويلية، لذلك أريد إبقاء أعمالي مفتوحة التأويل فيكون بإستطاعة كل شخص أن يفسرها من منظوره الذاتي. أستخدم المجاز في أعمالي، ولكنني لا أريد المتلقي أن يكتفِ بمشاهدة المعنى حتى لا يفوت على نفسه التمتع بالشحنة الجمالية والنفسية التي أحاول إستحضارها في أعمالي.
* تقول أن مسلسلات الأنمي اليابانيّة قادتك بطريقة غير مباشرة إلى مجال الفنون التشكيلية. كيف ذلك؟
- لقد شهدت مسلسلات وحوش الأنمي في أواخر التسعينات وبداية الألفينات إنتشارا واسعا على المحطات التلفزيونية؛ وكنت كغيري من أبناء جيلي قد كونت رابطا عاطفيا قويا تجاه هذه الشخصيات التي كنت أنتظر أوقات عرضها بفارغ الصبر. إن الطريقة التي تعبث بها هذه القصص بالمنطق تروقني وتلهمني؛ وقد قادتني بطريقة ما إلى مجال الفن التشكيلي. فقد حلمت منذ صغري في أن أعمل في مجال صناعة الأنمي حتى أتمكن من خلق شخوصي الخاصة، وبسب عدم وجود جامعات تعنى بهذه الصناعة إرتدت المعهد العالي للفنون الجميلة كونه الأقرب إلى هذا التخصص. وبعد تعلمي لأساسيات الرسم والنحت وتعمقي في دراسة الوحوش من منظور فني ومفاهيمي، إستثمرت كل ما تعلمته في تطوير أسلوبي الفنيّ .
* في معرضك الشخصي الذي أقمته في رواق السنترال عرضت أعمالك الفنيّة وفق منهج سينوغرافيّ غير تقليديّ. ماذا أردت أن توحي للمشاهد؟
- لم أشأ عرض أعمالي بالصورة النمطية التي تتبعها غالبية الأروقة الفنيّة؛ لهذا أحطت منحوتاتي بالصوف والأغصان والنباتات، هي مساحات طبيعيّة يتعيّن على المتلقي المرور بينها وحولها حتى يتعرف على الخصوصيّة الفيزيولوجيّة لكل قطعة نحتيّة. هو منهج إستوحيته من متاحف التاريخ الطبيعي التي تحيط مُجسمات الحيوانات المنقرضة بالصخور والأشجار والنباتات وذلك ليتعرف المتلقي على البيئة المكانيّة التي عاشت فيها تلك الكائنات. من خلال تطبيقي لنفس المنهج السينوغرافيّ أردت إعطاء مخلوقاتي صيْرورة حياتية لها نظامها ومنطقها الخاص. وبهذا الشكل يجد المتلقي نفسه في خضم تجربة جماليّة تثير خياله وتحفز حواسه.
* كيف تصمم أعمالك وماهي التحديات التي تعترضك أثناء مرحلة التشكيل؟
- عندما أريد إنشاء منحوتة جديدة، فإني أتخيلها في ذهني أولا ثم أنتقل إلى مرحلة التصميم، حيث أرسم إسكتشات مختلفة على الورق ثم أحاول إيجاد النسخة الأكثر طرافة. بعدها أنتقل إلى مرحلة التشكيل بواسطة الطين. إن الوقت الذي أستغرقه في صنع منحوتاتي يمثل تحديًا كبيرًا. لدي العديد من الأفكار التي أود تجسيدها، لكن تقنيتي التي تأخذ مني الكثير من الوقت تجبرني على تأجيل بعض المشاريع إلى وقت لاحق.
* من أين تستمد إلهامك؟
أبحث دائما عن مصادر إلهام مختلفة. لذلك تجدني أجمع وأخزن الكثير من الأشياء مثل الكتب والألعاب والنماذج القوطية؛ كما لدي مجموعة متنوعة من الكتب الفنيّة. يلهمني الفنانون القادمى أكثر من المعاصرين. لذا فإن معضم كتبي عن فنانين أمثال "جيروم بوش " و"فرانشيسكو دي غويا" و "ساشا شنايدر"، وعدد قليل من المعاصرين مثل "باتريسيا بيتشينيني" و "يايوي كوساما"..
***
حاورته: حاورته إيمان بن سالم – دكتورة في جماليات الفنون






