تقارير وتحقيقات

مراكش تكرم الإعلامي والباحث مصطفى غلمان

وتقرأ كتابه الجديد " في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة .."

قال ادريس لكريني أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة القاضي عياض، أن كتاب "في سوسيولوجيا الإعلام والرقمنة.." للإعلامي مصطفى غلمان، هو نتاج بحث وتجربة، يخوض فيها الكاتب رهانا حول أسئلة الرهن الإعلامي والرقمي، مستجليا حدود التقاطع بين المحمولات الإلكترونية وتبعاتها في تشكيل الوعي المجتمعي الجديد، وتحولاته القيمية المتسارعة.

وأكد الدكتور لكريني، خلال مداخلة ألقاها بمناسبة الاحتفاء بمؤلف الإعلامي والباحث الدكتور مصطفى غلمان، في المجلس الفكري الذي نظمه الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش، يوم السبت الثالث من ماي الجاري بمراكش، على أن الأسئلة العميقة المعنية بهذا الرهان، تستكشف من صميم الواقع وتربته، مجموعة من الأنساق المعرفية التي ساقها الكاتب خلال رحلته مذ تفكيكه لرؤى سوسيولوجيا الاتصال الثقافي، من خلال توصيفه مجمل أشكال الثقافة الإعلامية ومحتويات الأخير وسؤال التجنيس واصطراع الحدود بين ما يسمى بالمؤثرين الجدد وصناع الرأي الكلاسيكيون.

وتحدث لكريني أيضا، عن هموم المؤلف الفكريةّ، مستدلا بمشكلات الهوية وأنساقها وتقاطعاتها، مبرزا بعض مداخل هذه المقاربة التي "كانت تعني بالنسبة للكاتب، مجالا لتطوير العلاقة بين المنظومة الأخلاقية ومآزقها في سيرورة التأثيرات الجديدة لعوالم التكنولوجيا الشبكية ومثاراتها الخطيرة واستفهاماتها المقلقة.1435 mustafa

وحول منهجية الأكاديمي للكتاب المحتفى به، حاول الصحافي والكاتب عبد الواحد الطالبي، خلال تقديمه لقاء، تسليط بعض الأضواء حول الرهانات الكبرى للأسئلة المثارة بقدر كبير من التأصيل للنظرية الأخلاقية لوسائل الإعلام، وانتقالاتها في الراهن الإعلامي الدولي والإقليمي، من "حجية الإخبار" و"صدقية الإبلاغ" إلى "مجابهة الأيديولوجيات العابرة" و"الانحيازات الثقافية المتجاسرة".

من جهته خصص الباحث الدكتور عبد الحكيم الزاوي، قراءة علمية واعية بسياقات الكتاب ودلالاته، كاشفا في توطئة حول الاقتصاد السيبراني، من معركة البندقية إلى معركة الكاميرا، كيف استطاع الباحث غلمان الترافع عن قضايا كبرى، تتعلق بالقارئ، " لتقديم قراءة حول الأسس السوسيولوجية التي تتأسس عليها الأنماط الإعلامية في عالم اليوم"، متحدثا عن "التباسات مجتمع الإعلام في عالم مسكون بفكرة الصراع والمحو ونفي النفي" متسائلا :" كيف يعبر الإعلام من مستوى التوثيق والتدوين والاستقصاء إلى مستوى الاستدلال وتعميق رؤية البشر للأشياء على حقيقتها؟".

وشدد ذات المتحدث، عن أن الدكتور غلمان "ينبهنا إلى أننا نصدر من واقع عام يرسم هوة جيلية، بين جيل سابق لا يزال يحن إلى الإعلام الكلاسيكي، وجيل حالي غارق في الإعلام الرقمي الجديد، وبين الجيلين"، يضيف الباحث الزاوي، "يرتسم جدار فاصل يجب فهمه أولا، والتفكير في تفكيكه، يتعلق الأمر بسديم بشري يعرف انحدارا في القيم وهبوطا متسارعا في المعايير والأطر الاجتماعية للأخلاق..".

أما القراءة التي أعقبت هذه الاضاءات، فقد جاءت على شكل دوائر سير ذاتية وأخلاقية، أبرز فيها كاتبها النقيب الأستاذ عمر أبو الزهور، اللانهائي في أخلاق المعرفة والإبداع، عند الكاتب والأكاديمي مصطفى غلمان، حيث ينبض الفكر بالرهق الإشكالي، وتتوافر الأسئلة على طول الزخم الذي يشاطر المبدع أحلامه، "في المعنى قبل الانكتاب"، وفي "اتساع التجربة قبل تصريفها والاستحواذ على بياناتها ودلالاتها.

وأضاف النقيب أبو الزهور، التي أحب أن "يتحدث عن الكاتب كأخلاق وإنسان"، قبل "الخوض في تجربة التأسيس لمساهماته في الحوار وقيمه وأخلاق المعرفة وإشكالاتها.

ولم يفوت أبو الزهور الفرصة، لإيجاد مداخل مشتبكة بين "غلمان الإعلامي" و"غلمان الشاعر"، مستحضرا جملة من المحطات التي يصعب رصدها أو وضعها في نفس السلة، مؤكدا على أن "الشاعر غلمان" لا يفوق "الإعلامي والباحث في الفكر الجديد وضروراته".

وعلى نفس المنوال، قدمت الشاعرة فوزية رفيق، رئيسة الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش، ضيف المجلس الفكري، كأحد أهم "الأصوات الإعلامية والشعرية الوطنية، المنافحة عن أخلاق الكتابة ونظام قيم الأسرة والمدرسة الأصيلة" معتبرة "أن غلمان يعمد على الدوام، إلى ترويج وإشاعة قيم الانتماء للهوية الثقافية واللغوية بشكلها الرمزي، واستدعائها للتعددية وملاسة الجوهر الإنساني والكوني. مشيرة إلى أن "تكريمه اليو من قبل مفكري وأكاديميي المدينة الحمراء هو اعتراف رمزي بعطاءاته وامتداداته في الوجود المجتمعي والتقاءاته مع قيم الإخلاص للقراءة والكتابة.1436 mustafa

واستعادت الشاعرة والباحثة فاطمة الزهراء اشهيبة، عن مركز عناية، خلال المناسبة عينها، عطاءات الرجل وقيمته العلمية والإعلامية، وانخراطه المستمر في تعبئة مجتمع المعرفة ومشتركاته التوعوية والتربوية. مشيحة اللثام عن أهم محطات الثقافة كمشروع رؤيوي للمكرم، عابرة بالحاضرين ضفاف علاقاته وتشعباتها، في الجامعة والإعلام والمدرسة والمجتمع المدني.

وعلى نفس المنهاج سارت كلمة اتحاد العمل النسائي، ممثلا بالسياسية والحقوقية سعيدة الوادي، التي أضاءت جوانب هامة من نضالات الحقوقي والإعلامي المكرم، على أكثر من جبهة، مبرزة الخصوصية المشتركة لوجوه اختصاصاته وتكاملها وارتقائها.

وفي شهادة تاريخية وفكرية تجسد نموذجا لعبور متعدد وواع بأسئلة الراهن والعصر، قالت الشاعرة والكاتبة الكبيرة مالكة العاصمي، إن المحطات الكبرى لصيرورة أخلاق المعرفة عند الدكتور مصطفى غمان، قد انطلقت منذ ما يقرب ثلاثة عقود ونيف، مسترجعة أبرز محطات العلاقة الثقافية الجامعة، وتأويلاتها الإيجابية في أنساق الراهن وتشاكلاته.

ووضعت العاصمي خلال مداخلتها، أربعة عناوين رئيسية، يتعلق الأمر، بحضور الإعلامي مصطفى غلمان في قلب المجتمع الثقافي وتفاعله مع أحداثه وانفعاله مع ظروفه وأحواله، ودفاعه المستميث عن الحقوق المهضومة للمظلومين وتقديم ما يناسب من الجهود والنضالات للكشف عنها واستقصائها والمدافعة عن آيات واجهة معوقاتها، والثالثة استمراره في تعبئة اللسان الإعلامي بالأخلاقية الضرورية والاقتدار المستمر من أجل نشر الوعي وتحويله إلى ورش للإصلاح والتواصل والمعرفة. وأما الأخيرة، فانتقالاته الإعلامية المهنية عبر جسور تربط الكتابة بالإذاعة وسحر الإبداع بالمحتوى الهادف.

وإلى ذلك صارت شهادة وقراءة الأكاديمي الدكتور محمد ايت لعميم، الذي وضع السياق العام للتكريم في حجمه التاريخي والإنساني، موليا وجهه صوب علاقته بالكاتب مصطفى غلمان، منذ ما يقرب الثلاثين سنة، "كان فيها الكلام ثقيلا بحجم الصخب الاجتماعي القليل، و"الثقافة مهيمنة على المجالس والمرافق العامة، على نحو مثير، وبنفس قيم الارتباط بمصير المشترك بين المتعارفين"، مشيرا إلى أن التأسيسات الأولى للجماعات الثقافية خلال ثمانيات القرن الماضي، قد شكلت إحفازات صميمة في مسار ملتقياتنا والتقاءاتنا. معبرا عن "فخره بمعرفة الرجل، الذي ل يبدل تبديلا، ولم يخرج عن جوهر معرفته بالمشترك، رغم التغيرات الطارئة والأحداث المتعاقبة.

ورصد الكاتب ايت لعيم وفق ما ذكر، مجموعة مواقف سجلها تاريخ علاقته بالدكتور غلمان، من بينها التنافس والتقائية الهدف وتنوع الأصدقاء المشتركين، وهو ما شكل ـ يضيف ايت لعميم، بؤرة لتفوق جيل كان يحب عن حق وحقيقة قيم العلم ورجاله الأفذاذ.

وساق المتحدث نفسه، انطلاقا مما عاشه مع التجربة الإعلامية والشعرية لمصطفى غلمان، جملة من المواقف التي شكلت الرؤية الفلسفية والفكرية للرجل، مستمدا ذلك، من جملة دراسات ودواوين "شكلت بالنسبة لغلمان حجر الزاوية لعطاءات لا تنضب وابتعاث مستمر فورة لا تكل"، حيث الإعلام جبهة للنضال والرفض، والشعر لسان للتعبير والإخلاص للقضايا الكبرى.

أما المفكر البروفيسور امحمد مالكي العميد الأسبق لكلية الحقوق بجامعة قابوس بسلطنة عمان، فأفرد شهادة طويلة، من الالتزام والمسؤولية، ساقها بإحساس أصيل وواثق، تحت معطف السمو الفكري والنبل الإنساني. مذكرا بمحطات مصطفى غلمان الإعلامي عربيا ووطنيا ومحليا، وكذا مبدعا شاعرا وكاتبا مجيدا.

وأشار مالكي في شهادته، إلى عناوين الخلاصة في هذا البوح السير ذاتي لعلاقة متشعبة وعميقة، صادقة وذا أس لا يتزحزح عن قول الحقيقة، متحدثا عن صفات الرجل وتوافر كل أشكال الاقتدار والتميز، انطلاقا من علاقته بالمجتمع، مرورا بالكتابة والقراءة وامتهانه السلطة الرابعة، واستحضارا للمشتركات القيمية التي تجمع الكاتب بأصدقائه ومعارفه.

المجلس الفكري الذي حضره نخبة من المفكرين والأكاديميين والمثقفين الإعلاميين بالمدينة الحمراء، عرف إلقاء كلمة ختامية لعميد الدراسات الشرقية عضو أكاديمية المملكة الدكتور أحمد شحلان، الذي ثمن عطاءات المكرم مصطفى غلمان إعلاميا ومعرفيا وإبداعيا، مبرزا الخصال القدوية الراقية للكاتب ومواقفه التي تشي بالنوعية والأصالة ومروءة الرجال الوطنيين الأوفياء الأحرار، داعيا إلى استمرار المجتمع الثقافي الاعتراف برجالات العلم وتقديمهم في الرهانات الكبرى للتنمية وانشغالات الأمة.

وجرى على نهج هذه الدعوة، تقديم دروع تكريمية للدكتور مصطفى غلمان، تنسجم مع رؤية حماة اللغة العربية وأدبائها، مصرين على تحويل مثل هذه المناسبات إلى سنن لتوطين ثقافة الاعتراف والعطاء بلا حدود.

***

خـــــاص

في المثقف اليوم