شهادات ومذكرات
إسماعيل مكارم: الشاعر الروسي الكبير سيرغي يسينين

نحو الذكرى الثلاثين بعد المئة لميلاده
لو ذهب أحدنا إلى أي شارع بأي مدينة في روسيا وسأل أحد المارة: من هو أحبّ الشعراء لديك، لأجاب دون تردد: سيرغي يسينين. نعم سيرغي يسينين بفضل أشعاره التي تلامس الروح، يعتبر أقرب الشعراء والكتاب إلى قلوب القراء الروس، بين الذين تركوا إرثا عظيما لأبناء هذا المجتمع، في القرن العشرين، من الشعراء والكتاب في روسيا.
في أواخر شهر أيلول وبداية شهر أكتوبر من كل عام يحتفل المجتمع الروسي على المستويين الشعبي والأكاديمي بعيد ميلاد سيرغي يسينين، حيث تعقد الندوات، وتقام المنتديات، والمُسابقات في الوسط الأكاديمي، إلى جانب حفلات الموسيقى والفن الشعبي في كل من ريازان، وكونستانتينوفو وموسكو العاصمة، وباقي المدن الروسية. ولد الولد سيرغي في أسرة الرجل الفلاح الكساندر، في بلدة كونستاتينوفو التابعة لمحافظة ريازان، وذلك في 21 أيلول عام 1895 حسب التقويم القديم (أي في الثالث من أكتوبر لذلك العام حسب التقويم الجديد)، وتوفاه الله في 28 كانون أول عام 1925
ورغم قصر عمر الشاعر الشاب في مفهومنا المعاصر، إلا أنه قد ترك إرثا أدبيا كبيرا للمكتبة الروسية، وللأدب العالمي، وللمكتبات العالمية. من هنا جاء اهتمام الباحثين والدارسين بتركة هذا الرجل، لا غرابة أن يقوم زملاء لنا محترمون بترجمة العديد من أشعاره وقصصه، نذكر منهم حسب الشيخ جعفر، وثائر زين الدين، وعبدالله عيسى، وأيمن أبو الشعر، وزهير ياسين شليبة. نحن اليوم لا نقدم دراسة عن نتاج هذا الشاعر الفذ، بل نقدم مجموعة من أشعاره، التي اتصفت بالجمال، والرقة، والرومانسية، وخاصة في وصف الطبيعة الروسية، والبيئة الروسية، إذ نشارك أبناء المجتمع الروسي بهذا الاحتفال العظيم بمناسبة ولادة قامة محترمة، وشخصية فذة. سوف يقام مؤتمر أكاديمي عالمي بهذه المناسبة، المؤتمر سوف يعقد جلساته بدءا من الخامس عشر من أكتوبر- وحتى الثامن عشر من نفس الشهر، وعلى مراحل − اليوم الأول في موسكو، والثاني في ريازان، والثالث في كونستانتينوفو، والرابع في موقع المدرسة التي درس فيها سيرغي يسينين. نالني الشرف أنني منذ عدة أعوام أشارك بهذه الفعالية، وهذه السنة ليست استثناء.
إليكم هذه المجموعة من أشعار يسينين، قمت بنقلها الى العربية من النص الروسي.
«Вот уж вечер. Роса…»
ها قد حَلَّ المَساء
ها قد حل المَساء. قطرات ُالندى
تلتمع فوقَ نباتِ القرّاصْ
أقفُ قرَب َ الطريق،
متكئا الى صَفصافةٍ .
**
ضوءُ القمر يَسطعُ كالنهار
أراهُ يُضيء َسَطحَ بَيتِنا.
غناءُ البُلبُل ِ يُدغدِغ مَسامِعي
تصِلُ نغماتهُ من بَعيدْ.
**
غبطة، ودفء ٌ،
كأني جالس قربَ الموقِدِ في الشتاء.
أما شجراتُ البتولا
أراها تنتصِبُ كشموع كبيرةٍ .
**
هناك في البعد خلفََ النهر،
عندَ حُدودِ الغابةِ،
يتراءى لي حارسٌ هَدّهُ النعاسْ،
ينقرُ بعصا خشبية قاسية.
***
1910
Ночь
«Усталый день склонился к ночи …»
" الليلُ "
هذا هو النهارُ التعبُ يَميلُ نحو الغروب،
فقد هدأت تلك الموجَة الضّجوجْ،
والشّمسُ قد انطفأتْ، وفوق العالم
يَسبَح قمَرٌ غارقٌ في أفكاره.
وهذا هو الوادي الهادي ينصِت ُ
لخرير الجَدوَل ِ المُسالم.
أما أشجارُ الغابةِ المُعتمة فقد انحنتْ بنوم خفيفْ
بينما العَندليبُ يُهدهِدُها بصوتِهِ الناعِم.
والنهرُ يُصدر رقرقة ناعمة،
وُيوَشوشُ مداعِبا ضفتيه.
ومن فوق مياهِ النهر تسمَع ُ
خشخشة ُسيقان القصَبِ الهادئةِ، المَرحة.
***
1912- 1910
Ночь «Тихо дремлет река…»
ها هو الليلُ قد هجع
النهرُ يغفو بنومه الهادي،
والغابة المعتمة قد لفها الصَّمتْ.
العندليبُ توقفَ عن الغِناء،
و(طائرُ المرعة) لا يرسِلُ صيحاتِه العجيبة.
**
ها هو الليلُ قد هجع، وعمَّ السّكون
لا يُسمَعُ سوى خرير الجَدوَل ِ
أما القمرُ
فراحَ يُلوّن هذا العالم بنورهِ اللجَينيّ.
**
الجداولُ تزيّنت بلونها الفضي
والنهرُ عقدٌ جميلٌ، رائعْ
أمّا وُرَيقاتُ العشبِ فتعكسُ ذلك الضوءَ
في تلكَ السّهوب الرّيانة.
**
ها هو الليلُ قد هَجَعْ وعمَّ السّكونْ.
ما أروعَكِ أيتها الطبيعة النائمة،
فالقمرُ لا يتوقفُ
عن نثر جواهره الثمينة .
***
1911 - 1912
С добрым утром!
نهارُكم سَعيدْ
وَسِنَتِ النجومُ ذاتُ اللون الذهبي
واهتزّت مِرآة ُ الماء في خور النهر
وانبلج َ الصّبحُ وأضاءَ ذلك الخليج
واحمرّ الأفقُ الجَميلُ في السّماءْ.
**
أشجارُ البتولا النعسانة بابتِِسامَة ٍ تعانِقُ الصّباحْ
وتلوّحُ بضفائرَ من حَريرْ
ويُسمَعُ صَوتُ عَراجينها الخضراء ْ
وتلتمعُ حَبات ُ الندى ذاتُ اللون الفِضي .
**
هناكَ عِندَ السّياج اعشوشبَ المَكانُ بنباتاتِ القرّاص
هاهي تزينت بثوبها الجَميل بلون الصّدَف
وراحتْ تتمايَلُ وَهي توشوشُ بخفة:
" نهارُكُم سَعيد ْ " .
***
1914
«Прощай родная пуща…»
وداعاً يا غابتي الغالية
وداعاً يا غابتي الغالية،
أعذرني أيها النبع الذهبي.
تندفعُ وتسبحُ الغيومُ.
آه أيها الشعاعُ، الذي يشبه سكة المِحراث.
**
تألق أيها اليومُ الصّافي،
أما أنا فيملأ قلبيَ الحزنُ.
سوف لا أحملُ بعدَ اليوم
في جزمتي خنجرا.
**
ولن أنامَ في العَراء برفقةِ مُهري
في الليالي القاسيَة ِ الباردة،
ولن تسمَعَ صوتي الضّاحكَ
تلكَ السّماواتُ في الغاباتْ.
**
لا أحدٌ يتفادى العاصِفة،
ولا أحدٌ لا ينالهُ ألمُ الفقدان،
كي يَدقّ أبوابَ السّماء المَجهولة
في تلك الزّرقة ِ اللازورديّة.
***
1916
«Гаснут красные крылья заката…»
انطفأتْ أجنِحَة الغروبِ
ها هي أجنِحَة ُ الغروبِ الحَمراءُ قد انطفأتْ،
والسياجُ يغفو في ظلّ هذا الضّبابْ.
لا تحزني يا عزبتي البَيضاءُ،
بسَبَبِ هِجرَةِ المَحبوبِ .
**
ها هو الهلالُ يُنظفُ أطرافه ُ التي غطتها الزرقة ُ
على جوانِبِ سَطح ِ بيتِنا المَصنوع ِ من القش.
لم أركضْ خلفها، لم أخرجْ لوداعِها،
ولم أرافقها حتى الكداديس ِ العاليةِ.
**
أعرف ُ أن السّنينَ سَتمحو هذا القلقْ.
وهذا الألمُ سَيزولُ معَ الأيامْ .
إنها تحتفظُ بثغرها و روحِها البريئة ِ
لأجل ِ ذلكَ الرّجل الغريب .ْ
**
ليسَ من سِماتِ الرّجال ِ اللهاثُ خلفَ السّعادَةِ،
إنّ أصحابَ النفوسِ ِ الأبية يَعيشون َ لأنهم أقوياءْ.
أمّا ذاكَ الغريبُ فسَوفَ يَعجُنها ويرميها،
مثلما ترمى الكدانة ُالتي أكلتها الرّطوبَة .
**
لستُ مُتشائما تجاه ما هو قادم من الأيام،
سوف تأتي الثلجاتُ القاسِيَة ْ.
وتعودُ حينها إلى دِيارنا
كي تجدَ مكاناً دافِئا لطفلِها الصّغيرْ.
**
عندَها سَتخلعُ فروتها وتحلُ شالها،
وتجلِسُ جانبي قربَ الموقدِ.
وتقولُ بصوتٍ لطيفٍ وهادي:
هذا الوَليدُ يُشبِهُك َ.
***
1916
«Разбуди меня завтра рано…»
أيقظيني غداً باكرًا
أيقظيني غداً باكرًا،
يا أمّي الصّبورْ،
سوف أذهَبُ إلى ما بَعدَ التلةِ قربَ الطريقْ
كي أستقبلَ ضَيفنا الغالي.
**
لقد رأيتُ اليومَ في الغابَة ِ
أثرَعَجَلاتٍ عَريضة ٍ تركتْ بصماتِها على المرج.
وتحتَ قبة ٍ من الغمام
كانت الريحُ تلاعِبُ قوسَ عَرَبتهِ الذهبيّ.
**
عندَ الفجر غدًا سَيَجيءُ إلينا مُسرعاً
وَ سَيَختفي حينها القمَرُ مثلما تخبأ قبّعة تحتَ شُجَيرَة ٍ،
ومُهرتهُ الشقرا بهذا السّهل
ستلوّحُ بذيلها الأحْمَرْ .
**
أيقظيني غدًا باكرًا،
واشعلي الضّوءَ في الغرفة ِ الوسطى،
يقولون بأنّي قريبًا
سَأصبحُ شاعرًا روسيًا مشهورًا.
**
سوفَ تتغنى بك وبالضيف أشعاري،
سأذكرُ الدّيك َ والمدفأة َوَسَقفَ بيتِنا الغالي ...
وسَينسَكِبُ حَليبُ بَقرتِكِ الشقرا
على كلماتي وأوراقي وأفكاري.
***
1917
***
بقلم الدكتور إسماعيل مكارم
........................
هوامش ومصادر:
1.Есенин С. А. Собрание сочинений в двух томах.
Том 2. – Москва.1990. −384 с.
2.Есенин С. А. Собрание сочинений в двух томах.
Том 1. – Москва.1991. −480 с.