شهادات ومذكرات
صباح شاكر العكام: عبيد أصبحوا سلاطين

في العهد الاسلامي هناك الكثير من العبيد أصبحوا ملوكاً وسلاطين وقادة جيوش وأمراء، والذين كانوا يُباعون ويًشترون في اسواق النخاسة ومن هؤلاء العبيد:
1) كافور الاخشيدي: (أبو المسك)، كان من رقيق أدغال افريقيا، وكان عبدًا، خصيًا مسلوب الرجولة، أسود اللون، قبيح الشكل ثقيل الوزن تداوله النخاس في الاسواق من الحبشة الى السودان حتى جُلب لمصر وهو في سن 14 عاما، وقد اشتراه تاجر زيت وكان يسيء معاملته، ثم اشتراه منه الإخشيدي "محمد بن طغج" مؤسس الدولة الاخشيدية(1) عندما منحه الخليفة العباسي "الراضي بالله" ولاية مصر ومنحه لقب "أخشيد" أي "ملك" بلغة منطقة فرغانة التي تقع وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان، والتي نشأ منها ملوك هذه السلالة سنة 925م فنسب إليها، وأعتقه فترقى عنده، فعلمه وقربه وعهد له خدمة ولده. استطاع أن يدير دفة الدولة الاخشيدية بعد موت سيده الملك الاخشيدي الذي كان ابنه "أبو القاسم أنوجور" لا يزال طفلا صغير، فأصبح كافور وصياً عليه حسب وصية ابيه، فآلت الأمور لكافور الذي ملك السلطة والمال والجيش في يده، حكم مصر ثم توسع إلى بلاد الشام، دام حكمه لمدة 23 عاماً حمى فيها مصر من الفاطميين، وهو صاحب الفضل في بقاء الدولة الإخشيدية التي انهارت بعد موته .
2) سبكتكين: هو سبكتكِين بن جوقي بن قرا، مؤسس الدولة الغزنوية(2) نسبة الى مدينة "غزنة" التي تقع على الحد الفاصل بين خراسان والهند، والتي اتخذها سلاطين هذه الدولة قاعدة لحكمهم، وقع في الاسر وحمل إلى بخارى فبيع إلى ألب تكين الذي كان مملوكاً تركياً، وتدرّج في المراتب حتى صار حاجب الحجاب وواحداً من الطبقة العسكرية النافذة، فجعله أحد قواد جيشه، وبعد وفاته سنة 963م تولى سبكتكين الامارة بعده، عندما اختاره القادة الأتراك لكونه سياسياً بارعاً، وقائداً محنكاً. أسس الدولة الغزنوية الإسلامية سنة 976م، وبدأ يغزو قلاع الهند الواحدة تلو الأخر، وكان يسعى الى الاستقلال عن السامانيين(3)، ومن بعدها بدأ احفاده الملوك الغزنويين بالتوغل ونشر الإسلام داخل الهند.
3) سيف الدين قطز: الملك المظفر، بطل معركة عين جالوت(4) وقاهر التتار المغول، ومُحرر القدس منهم، كما يعد أحد أبرز ملوك مصر. ولد قطز من أسرة ملكية بمملكة خوارزم شاه(5) بفارس، أسرَهُ التتار عقب انهيار الدولة الخوارزمية على يدهم، كان اسمه محمود لكن التتار سموه قطز، وهذه الكلمة بالتترية تعني الكلب الشرس، وحُمل هو وغيره من الأطفال وبيع عبدًا في الشام، ثم بيع إلى السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب(6) بالقاهرة، ليندرج تحت سلك جيش المماليك بمصر، ترقى في صفوف المماليك البحرية. تصدى لكل المحاولات الخارجية لغزو مصر وأهمها الحملة الصليبية السابعة التي قادها الملك لويس التاسع (لويس القديس) تاسع ملوك فرنسا. وصل الى حكم مصر بعد الاضطرابات التي اتت بعد سقوط الدولة الايوبية(7)، على الرغم من أن فترة حكمه لم تدم سوى أقل من عام واحد، الا انه نجح في إعادة تعبئة وتجميع الجيش الإسلامي بعد سقوط بغداد على يد المغول، واستطاع إيقاف زحف التتار الذي كاد أن يقضي على الأمة الإسلامية، فهزمهم قُطُز بجيشه هزيمة كبيرة في عين جالوت، ولاحق فلولهم حتى طهر الشام بأكملها منهم .
4) الظاهر بيبرس: البندقدارِي أبو الفتوح، هو من الشركس(8) من مناطق القوقاز، واسمه بيبرس يعني الفهد، كان بيبرس ضخماً طويلاً ذا شخصية قوية، وصوته جهوري أشقر وعيناه زرقاوان، ويوجد بإحدى عينيه نقطة بيضاء، (مياه بيضاء)، أسرهُ التتار عندما كان طفلا و بيع كعبد في اسواق بغداد ثم الشام، فاشتراه الأمير علاء الدين البندقداري الذي كان من مماليك السلطان الصالح نجم الدين أيوب على حماة، ثم انتقل بعد مصادرة ممتلكات سيده الى خدمة السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب بالقاهرة، ليندرج تحت سلك جيش المماليك بمصر، قاد جيشَ المماليك في معركة المنصورة ضد الصليبيين والتي أسفرت عن هزيمة الصليبيين هزيمة كبرى منعتهم من إرسال حملة صليبية جديدة إلى مصر ووقوع الملك لويس التاسع أسيراً في قبضتهم سنة 1250م. وكان الظاهر بيبرس أحد قادة معركة عين جالوت. ثم أصبح سلطان مصر والشام ورابع سلاطين دولة المماليك في مصر ومؤسسها الحقيقي بعد مقتل قطز، حقق خلال حكمه العديد من الانتصارات ضد الصليبيين وخانات المغول وقد قضى على الحشاشين(9) واستولى أيضا على إمارة أنطاكية الصليبية، التي تأسست سنة 1098م بعد استيلاء الصليبيين على مدينة أنطاكية في حملتهم الاولى. أنشأ نظُماً إداريةً جديدة في الدولة. اشتهر بيبرس بذكائه العسكري والدبلوماسي، وكان له دور كبير في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية في العالم.
***
صباح شاكر العكام
...................
الهوامش:
(1) الدولة الاخشيدية: دولة قامت في مصر من سنة 935م الى سنة969م. اسسها محمد بن طغج الاخشيد (935-961م)، وقد سميت بالدولة الاخشيدية نسبة اليه، وكان أشهر ملوكها ابو المسك كافور (966-968م) وآخرهم ابو الفوارس احمد (968-969م). (سمير فراج، الدولة الاخشيدية ص81).
(2) الدولة الغزنوية : هي دولة إسلامية حكمت بلاد ما وراء النهر، وشمال الهند وخراسان، في الفترة ما بين سنتي 961م و1187م. وهي دولة تركية. وقد قام الغزنويون بتسمية عاصمتهم باسمهم، وهي مدينة غزنة التي تقع الآن داخل حدود دولة أفغانستان. (علي محمد فريد، الدولة الغزنوبية ص47).
(3) السامانيون : سلالة إيرانية حكمت في بلاد ما وراء النهر وأجزاء من فارس وأفغانستان ما بين (874-999م)، اسسها سامان من أسر البراهمة (الرهبان في الديانة الفارسية القديمة). أصبح أحفاده الأربعة نوح واحمد ويحيى والياس، الذين دخلوا في خدمة الخليفة العباسي المأمون، ولاة على كل من سمرقند، فرغانة، شاش وهراة. (المصدر نفسه صص53 - 55).
(4) معركة عين جالوت : هي إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، سنة1260م، إذ استطاع جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول، وقعت المعركة بعد انتكاسات مريرة لدول ومدن العالم الإسلامي. (الموسوعة العربية الميسرة مج4 ص2315).
(5) الدولة الخوارزمية: دولة إسلامية تأسست في شرق الدولة الإسلامية على يد أنوشتكين وابنه قطب الدين محمد خوارزم سنة (490هـ/ 1097م) حتى سقوطها على يد مغول في عهد جنكيز خان سنة (628هـ/ 1231م). (. حسن كريم الجاف، موسوعة تاريخ إيران السياسي صص198-212).
(6) الملك نجم الدين أيوب : نجم الدين أَبو الفتوح أيوب بن السلطان محمد (الملك الكامل ) بن أبو بكر(العادل) بن ايوب، سابع سلاطين الدولة الايوبية ولد بالقاهرة (603 هـ / 1205م) وتوفى بـالمنصورة (647 هـ /1249م)، حكم من 1240م إلى 1249م. أنشأ المماليك البحرية بمصر، ودخل في صراعات مع الملوك الأيوبيين في الشام، وفي آخر سنة من حكمه تعرضت مصر لحملة صليبية ضخمة عرفت بـالحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا. الاعلام للزركلي ج8 ص38).
(7) الدولة الايوبية : هي دولة إسلامية نشأت في مصر، وامتدت لتشمل الشام والحجاز واليمن والنوبة وبعض أجزاء بلاد المغرب. يعد يوسف بن أيوب الملقب (صلاح الدين الايوبي) مؤسس الدولة الأيوبية، كان ذلك بعد أن أصبح وزيرًا للخليفة الفاطمي العاضد لدين الله ونائبًا عن السلطان نور الدين محمود في مصر، فعمل على أن تكون كل السلطات تحت يده، وأصبح هو المتصرف في الأمور، وأعاد مصر إلى تبعية الدولة العباسية، فمنع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي، وأغلق مراكز الشيعة الفاطمية، ونشر المذهب السني. (الموسوعة العربية الميسرة، مج1 صص570-571).
(8) الشركس: شعوب مسلمة تسكن شمال القوقاز، وبسبب تعرضهم للإبادة الجماعية على يد الإمبراطورية الروسية اضطُرَّ الكثير منهم إلى الهجرة إلى الأراضي العثمانية أو إعادة التوطين داخل الأراضي الروسية بعد حروبٍ وقلاقلَ استمرَّت أكثر من مئة عام. (الموسوعة العربية الميسرة، مج4 ص2017)
(9) الحشاشون: طائفة إسماعيلية نزارية باطنية، انفصلت عن العبيديين الفاطميين في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، كانت تدعو إلى إمامة نزار المصطفى لدين الله ومن جاء مِن نسله، وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وفي الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران، أسس الطائفة الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة آلموت في فارس مركزاً لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته. (سورديل، معجم الإسلام السياسي ص359)
المصادر:
1- امين معلوف – الحروب الصليبية كما رآها العرب – دار الفارابي /بيروت 1998م.
2- الذهبي – سير اعلام النبلاء – مؤسسة الرسالة، ط3،1985م .
3- . حسن كريم الجاف - موسوعة تاريخ إيران السياسي - الدار العربية للموسوعات/ بيروت، لبنان، 2008م.
4- الزركلي – الاعلام – دار العلم للملايين / بيروت 2002م.
5- سمير فراج – الدولة الاخشيدية – مركز الراية / القاهرة، 2006م.
6- سورديل – معجم الإسلام السياسي – الدار العربية للنشر / بيروت
7- علي محمد فريد – الدولة الغزنوبية – دار الوفاق الحديثة / القاهرة، 2021م.
8- مجموعة من العلماء – الموسوعة العربية الميسرة – المكتبة العصرية /صيدا، 2010م
9- وليم سوير- تاريخ دولة المماليك في مصر- مكتبة مدبولي / القاهرة 1995م.