نصوص أدبية

مجيدة محمدي: في عيد العمال

"ابنةُ الدواميس"

أنا ابنةُ مدينةٍ لا تُذكرُ في خرائط الضوء،

مدينةٌ منجمية،

نقطةٌ بُنّية في كفِّ الوطن،

حيثُ الترابُ لا يُغسل، بل يسكنُ الشرايين.

هنا، يولدُ الصباحُ من بينِ شقوق الخوذة،

وتتثاءبُ الشمسُ على فُوهاتِ المناجم .

*

أنا ابنةُ الغبارِ حين يصبح وطناً،

وحفيدةُ الرئاتِ التي علّمتني

أن أتنفس ببطءٍ، كي لا أبتلع القهر دفعةً واحدة.

*

كان جدي …

يعود من الدواميسِ بنصفِ ظلّ،

مُحمّلاً بصوتِ الحجر،

برائحةِ الفوسفات،

بعينينِ لم تعتادا الضوء منذ عقود.

وكنتُ أسترقُ النظرَ إلى وجهه

فأراهُ متآكلاً… كأنّ الأرضَ تقتاتُ على ملامحه،

فهمتُ أن العُمّال ليسوا أشخاصاً،

بل نُسخاً صخريةً من الخسارة،

يعبرون الوقت… ولا يعبرهم أحد.

*

أنا ابنةُ السكونِ الذي يسكنُ المقابرَ السفلية،

أعرفُ لغةَ الآلاتِ الغليظة،

أفهمُ صراخَ الحبال حين تتدلّى بأجسادِ الأحلام،

تعلمتُ أن أكتبَ بالتراب،

أن أقرأَ التجاعيد كأنها نصوصٌ مقدسة،

أن أفرشَ الليلَ بأحذيةِ العمال…

وأنتظرَ الحكاياتِ التي لا تُقال.

*

كلما مشيتُ في طرقات المدينة،

تعثرتُ بظلّي الثقيل،

مزروعٌ هنا، في هذا المكان

حيث كل شيءٍ يهبط…

الوجوه، الأمنيات، والمجاذيب.

*

أنا التي وُلدتُ من رحمٍ طيني،

لا تشتهي الذهب،

بل تعرفُ أن بريقهُ يُزهق الأرواح.

من قال إن الزهد لا يُورث؟

أنا أحملهُ في مفاصلي،

في نظرتي الثابتة،

في انحرافي الفجائي عن كل شيءٍ لامع.

*

إن جئتَ تبحثُ عني،

فتش عني تحت العربات،

بين الأحلام المحروقة

والأسماء التي لم تُكتب على جدرانِ التاريخ.

*

أنا تلك التي تسيرُ في صمت،

لكنها تتركُ أثراً من معدنٍ

في قلبِ كل عابر،

أنا التي تعرفُ

أن الجمالَ لا يأتي من البقاء…

بل من النقاء .

*

أنا ابنةُ المدينةِ المنجمية،

أحملُ على ظهري طبقاتٍ من الأرض،

وأمشي…

كأنني صدًى قديم لحفرةٍ

لم يغلقها أحد.

***

مجيدة محمدي - تونس

في نصوص اليوم