نصوص أدبية

محمد جواد سُنْبَه: أَنَا وحِمَارِي وقُمَّةُ العُربَانِ

في يَومٍ كانَ حَرُّهُ ناراً ولَهيبْ.

جاءَني حِمَاري (أَبو الحَيْرانِ) المَهيبْ.

مُنْزَعِجٌ مَألومٌ أَمْرُهُ مُريبْ.

فاستَقبلتُهُ باحْتِرامٍ وبوَجْهٍ طَليْقٍ رَطيبْ.

وَ قُلتُ لهُ:-

أُحَييكَ يَا (أَبَا الحَيرانِ) يَا حِمارَنا الحَبيبْ.

يَا حَبيْبَ القَلّْبِ يَا خَفيْفَ الظِلِّ كالعَنْدَليبْ.

قَالَ لي (أَبو الحَيْرانِ) بصَوّتٍ حَزينٍ كَئْيبْ.

لا حَيَّاكُمْ اللهُ ولا بَياكُمْ.... قَوْمٌ ليْسَ فِيْكُمْ لَبْيبْ؟.

تَركُضُونَ وَراءَ الأَوهَامِ رِكْضاً عَجيبْ.

فَلا تَنالُونَ غَيْرَ العَنَاءِ والأَلَمِ العَصيبْ.

مِنْ خَجَلي عَرَقَ جَبيْني؛ وصِرتُ بوَضعٍ كَئيبْ.

قُلتُ لنَفسي:

هَذا حِمَارٌ وسَاءَهُ ما بنَا مِنْ أَمرٍ غَريبْ؟!.

فَكيفَ يَصبرُ النَّاسُ على الظُلمِ والحَميرُ مِنهُ تَستَريبْ؟!.

قُلتُ يا حَبيْبي يَا (أَبا الحَيرانِ):

هَوْناً... هَوْناً... فأَنْتَ الحَليمُ اللبْيبْ.

مَا أَغاضَكَ مِنّا أَيُّها الرَّفيقُ النَّجيبْ.

فَأَنْتَ يَا حِمَاريَ مَعَنا إِنّْ طابَتْ بِنَا الدُنْيَا أَنْتَ تَطيبْ.

وَإِنْ تَعَسَّرَتْ بِنَا الدُنْيَا فَأَنْتَ مَعَنَا شَاهِدٌ ورَقيبْ.

لَقَدّْ عَثَرَ الزَّمَانُ بِنَا فَصَارَ حَالُنَا مُعيبْ.

******

التَفَتَ إِليَّ  (أَبو الحَيْرانِ) بغَضَبٍ شَديدْ.

وَ قَالَ لي:-

بِصَوّتِ مَكْسُورٍ حَزينٍ؛ كَصَوّتِ (فَريدْ)* *.

يا (ابنَ سُنْبَه):-

لِمَ تُبَذِرونَ أَمْوالَ العراقِ بِلا عَقّْلٍ سَديدْ؟.

قُلتُ يَا نُورَ عَيني يَا (أَبَا الحَيْرانِ):-

لا عِلْمَ لي بمَا تَقْصِدُ ومَا تُريدْ؟.

قَالَ صَديْقي (أَبو الحَيرانِ) بنَبرَةِ الغَضِبِ العَنيدْ:-

صَهٍ يَا (ابنَ سُنْبَه)؛ أَمَا بِكُمْ عَاقِلٌ رَشيدْ؟.

هَلْ هَذا هُو عِراقُنَا الجَديدْ؟.

عِراقُ المُستَقْبَلِ والأَمَلِ... عِراقُنَا السَعيدْ!.

أَهْلُ الحَلِّ والعَقّدِ يَسرقونَ أَمْوالَ الشَّعبِ بِكُلِّ تَأْكيدْ.

قُلتُ لحِماريَ الحَبيْبِ (أَبَا الحَيرانِ):-

و الخَجَلُ تَغَشَاني وصَارَ جِسْمي كالجَليدْ!.

يَا حَبيْبي يَا (أَبَا الحَيرانِ):-

ماذا نَفْعَلُ وهُمّْ يَحسَبونَ الشَعّْبَ سَخيْفٌ وبَليدْ!.

المرتَشونَ والسُرّاقُ يَنهَبونَ أَمْوالَنا؛ ويَقولونَ هَلّْ مِنْ مَزيدْ؟.

استِثْمَاراتُهُمْ خَواءٌ بِخَواءٍ كَريْحٍ صَرصَرٍ حَصْيدْ!.

قَالَ عَزيزي (أَبو الحَيرانِ) ؛

بلَهْجَةِ الزَجّرِ والتَبْكيْتِ والتَنْديدْ:-

وَالآنْ تُحَضِّرونَ لقِمَّةِ قُمَمِ العُربِانِ بجُهْدٍ جَهيدْ؟.

مَاذَا سَيُقَدِّمُ لَنا هَؤلاءِ العَبيدْ؟.

سِوَى اجْتِماعَاتِهِم عَلى مَوائِدِ الثَّريدْ؟.

لقَدّْ تَلَطَخَتّْ أَيديهُمُ بِدِمَا الأَخيارِ وكُلِّ شَهيدْ.

عُروشُهُم قَامَتْ عَلى العَمَالَةِ والظُلْمِ العَنيدْ.

لِمَ لا تَحفَظُونَ أَمْوالَ العِراقِ مِنَ التَبْذيرِ والتَبْديدْ؟.

فَقَدّْ سَبَقَتْ هَذِهِ القُمَّةُ قُمَمٌ؛ فَمَا الجَديدْ؟.

كُلُ قُمَّةٍ تَنتَهي بزَيفِ الوعُودِ كَسَرابٍ بَعِيدْ!.

قُمَمٌ لا يُرتَجى الخَيرُ منها؛ فَلمْ تَأْتِ بقَرارٍ مُفيدْ!.

اكتَوى العِراقُ وغَزَّةَ ولُبْنَانَ، بنَارِ ظُلْمِهِمْ الشَّديدْ!.

فَهذهِ قُمَمٌ تَأْنَفُ مِنْها حَتّى القُمَامَةَ والأَوْسَاخَ بالتّأكيدْ!!.

***

محمد جواد سُنْبَه

كاتب واعلامي عراقي

...................

* القُمَّة من القُمَامَة وهي الكُناسة تُجمع من البيوت والطُّرق والجمع: قُمامٌ.

** المُطرب فريد الأَطرش.

في نصوص اليوم