نصوص أدبية
ريما الكلزلي: ترسية قواعد القصيدة

بناءٌ في قلب العدم
أيها الشاعرُ،
يا نحّات تماثيل الجمال،
تُعيدُ ترسيةَ قواعدِ القصيدة
كمن يُعيدُ بناءَ سجنٍ
ويزخرفُ جدرانَهُ
بألوانِ الاختناق.
تُعلِّقُ الأوزانَ كالثرياتِ
في سقفٍ من رماد.
تُعيدُ ترميمَ اللغة
لتصبحَ مقبرةً
تسكنها أشباحُ المعاني.
2
قفا نبكِ من قافيةٍ
تُسقطُ الجبالَ على رؤوسِ الغاوين.
قفا نستخرجُ من حطامِ اللغة
طلاسمَ ما بعد الوعي،
وننبشُ في قبورِ الوزنِ
عن جثثٍ ما زالت تحلمُ بالانعتاق.
أيها الشاعرُ،
هل ما زلتَ تُسمي القبرَ بيتاً؟
هل تُعيدُ بناءَ القصيدة
لتصلبها على أعمدةِ النسيان؟
3
يا دارُ ما فعلتِ بكِ القواعدُ؟
أضافتكِ إلى خرائطِ العدم،
وألغتكِ من ذاكرةِ الريح.
فيكِ يا دارُ
خطوطٌ مقطوعةٌ بينَ الشاعرِ والظل،
وأنقاضُ حروفٍ
تتوسدُ الفراغَ
كأنها تحلمُ بالقيامة.
يا دارُ،
يا قبراً في قلبِ البلاغة،
كم نعيدُ بناءكِ
في كلِّ قصيدةٍ
لتنهاري من جديد.
4
أيها البنّاءُ في اللغة،
يا مِعولَ التهديمِ في أساسِ البلاغة،
تَستأنفُ الحطامَ كأبجديةٍ جديدة.
أنظرْ،
أنقاضُ الشعرِ تتكاثرُ في حُفرِ الصمت،
تنتشرُ كالنملِ على ظهرِ الورق.
تُعيدُ السقفَ حيث الجُملةُ خرساء،
والنافذةُ تُطلُّ على بحرٍ من الأسئلة.
يا مهندسَ الهدم،
يا صانعَ خطوطِ الفراغ،
هل كُنتَ تعلمُ أن القافيةَ،
صندوقٌ مغلقٌ على جثةِ الروح؟
5
يا منزلَ الشعرِ،
يا كهفَ البلاغةِ المتداعي،
كم مرةً أعدتَ بناءَ نفسك
لتصبحَ أطلالاً
تؤوي الريحَ
ولا شيء غير الريح؟
كم مرةً زرعتَ القوافي
لتنبتَ شواهدَ قبورٍ
تحملُ أسماءَ الشهداءِ
من كلماتٍ لم تُكتب؟
أيها المنزلُ،
يا شقيقَ الركام،
هل تحلمُ بالسماء
وأنتَ جدارٌ يتآكلُ بالنسيان؟
6
قُم يا شاعرُ من بين الأنقاض،
احملْ معك القصيدةَ
كهيكلٍ عظمي،
ضعها في متحفِ الخراب.
دعها تتنفسُ رمادَ الأرض
وتشربُ من ينابيعِ الحطام.
قُم يا شاعرُ،
وانزع عن قصيدتكَ
أثقالَ القواعد،
دعها تُحلّقُ كصدى
في فضاءِ العدم.
7
يا أيها البنّاءون في الشعر،
يا من تنحتونَ القوافي
كأنها شواهدُ القبور.
توقفوا.
دعوا الكلماتَ تتناثرُ
كالحصى على طرقاتِ الفراغ.
لا تُعيدوا بناءَ القصيدة،
لا تضعوا سقفاً لاحتمالات الحياة،
لا تُغلقوا الأبوابَ
على الريح.
دعوا الفكرةَ تسكنُ في العراءِ،
فلا قافيةَ تُقيّدُها،
ولا وزنَ يُسجنُها
في قفصِ البلاغة.
8
أيّها الشاعر
لاتبنِ بيتًا للمعاني
اتركها تُسافر
تعبرُ كثبانَ الأفكار،
القواعدُ ليست سقفًا للسماءِ
والفراغُ وطنُ الحريةِ.
***
ريما الكلزلي