نصوص أدبية
مجيدة محمدي: هرطقة…

هرطقةٌ،
تلك التي تسللت من بين ضلوعي ذات مساء،
حين كنت أُقلّبُ في الكتب القديمة
وأبحث عن اسمي في هوامش الأنبياء.
*
هرطقةٌ،
حين قلتُ،
السماء ليست دائمًا زرقاء،
وأنَّ اللغة العربية تنصلت من جناحيها، الضاد والظاء .
*
كنتُ طفلة حين ارتكبت أولى خطايا الوعي،
حين سألت أبي،
لماذا لا يصلي الصخر؟
ولماذا يموت الضوء في نهاية كل مغيب؟
*
ضحك، وقال،
تلك مجرد هرطقة.
فصمتُّ،
لكنني كتبتُ السؤال في نخاعي الشوكي،
وتركتُه ينمو مثل وردةٍ مبللةٍ في زمن الجفاف.
*
كبرتُ،
وصار في داخلي مسرح من أصوات متعارضة،
كل فكرةٍ لها لسانان،
وكل إيمانٍ له ظلٌ مرتجف،
وكل "يقين" له أبوابٌ خلفية،
تنفذ منها رياح الشك.
*
قلتُ لليل:
لستَ ظلامًا… أنت مرآة الضوء الخائف.
فصفق لي الليل،
وصار صديقي.
*
قالوا: تلك هرطقة.
قلتُ،
بل فُسحة بين التفسير والسكوت،
بين السجود والوقوف منتصبًا في وجه الحكاية.
*
تلك التي سميتموها هرطقة،
هي التي علمتني أن أسمع الموسيقى في بكاء النافذة،
وأن أقرأ الحروف في طيران النمل،
وأن أرى وجهي الحقيقي في عيون الغيم.
*
تلك التي نفيتموها خارج مدينة المعنى،
هي التي أنقذتني من الغرق في بحيرة التكرار،
وجعلت من لساني شجرةً تنبت فصولًا جديدة
و لا تخضع لمواقيت الفقهاء.
*
في كل ليلة،
أفتح كتابًا لم يُكتب بعد،
أقرأ بصوت مبحوح،
"وكان الإنسان فكرةً مشتبهًا بها"،
فترتعش النجوم،
وتنطفئ شموع المنطق.
*
أكتب على جدران الوقت،
أن الهاربين من القطيع
ليسوا ذئابًا،
بل أحيانًا… قديسين تعبوا من الرتابة.
*
هرطقة؟
نعم.
لكنها ليست خيانةً للحق،
بل حُبٌّ للبحث عنه،
ولو تحت حطام المسلمات.
*
أنا ابنةُ الريح،
وصديقة النار،
وتلميذة الظلال،
أتهجى الخلق من جديد،
وأعيد ترتيب الأبجدية كي تنطقني كما أشاء.
وإن أحرقوني بنيران الفتوى،
سأقوم رمادًا ناطقًا،
وأُلقّن الرمادَ كيف يصير نجمًا.
*
فلتلعنني المجامع،
ولتُقصني الكتب،
ولتغلق في وجهي المعابد،
لكنني،
سأظلّ أكتب،
وأكتب،
وأكتب…
أن تلك التي سموها هرطقة،
هي ببساطة، حقيقةٌ خجولة… تنتظر أن يُؤمن بها أحد.
***
مجيدة محمدي - تونس