نصوص أدبية

عبد الناصر عليوي: حلب بعد المصائب والنوب

1 - هُنَا الْحَضَارَةُ وَالتَّارِيخُ وَالْعَجَبُ

يَا سَائِلًا مَنْ أَنَا؟ مَهْلًا أَنَا حَلَبُ

*

2 - أَنَا الَّتِي شَابَ فِي تَكْوِينِهَا بَشَرٌ

وَمِنْ جَبِينِي تُضِيءُ الشَّمْسُ وَالشُّهُبُ

*

3 - صَاغَ الْإِلَهُ جَمَالِي آيَةً ،. عَلَمًا

مَدَى الزَّمَانِ تُرَاثًا لَيْسَ يَحْتَجِبُ

*

4 - فَفِي ثَرَايَ مُلُوكٌ قَدْ ثَوَوْا وَبَنَوْا

صُرُوحَ عِزٍّ،. حِمَى الْجَوْزَاءِ تَغْتَصِبُ

*

5 - خُيُولُ آشُورَ وَالْحِثِّيِّ عَابِرَةٌ

وَكُلُّ مَنْ مَرَّ مِنِّي الْفَخْرَ يَكْتَسِبُ

*

6 - وَقَلْعَتِي شَاهِدٌ لَمْ يَمْحِهِ زَمَنٌ

صَوْتُ الْأَذَانِ بِهَا مَا مَرَّتِ الْحِقَبُ

*

7 - أَبْرَاجُهَا فَوْقَ هَامِ الْمَجْدِ رَاسِخَةٌ

لَهَا انْحَنَى الدَّهْرُ حَتَّى كَادَ يَنْحَدِبُ

*

8 - هُنَا ابْنُ حَمْدَانَ قَدْ أَغْنَى مَجَالِسَهَا

بِهِ تَبَاهَى الْقَرِيضُ الْفَذُّ وَالنُّخَبُ

*

9 - أَنَا الَّتِي أَطْرَبَ الدُّنْيَا مُوَشَّحُهَا

وَبِالْقُدُودِ الَّتِي يُشْفَى بِهَا التَّعَبُ

*

10 - صَبَاحُ فَخْرِيْ عَلَى الدُّنْيَا يُرَدِّدُهَا

فَيَنْتَشِي السَّمْعُ وَالْوِجْدَانُ وَالطَّرَبُ

*

11 - لِمَطْبَخِي نَكْهَةٌ مُثْلَى إِذَا ذُكِرَتْ

فِيهِ الْأَطَايِبُ وَالتَّنْوِيعُ وَالْكُبَبُ

*

12 - أَبْوَابِيَ السَّبْعَةُ الْغَرَّاءُ شَامِخَةٌ

فَكُلُّ بَابٍ لَهُ، تَارِيخُهُ الْخَضِبُ

*

13 - لِلنَّصْرِ بَابٌ، يَدُ الْأَحْرَارِ تَفْتَحُهُ

حَتَّى يَعُودَ لَهَا أَبْنَاؤُهَا النُّجُبُ

*

14 - بَابُ الْحَدِيدِ وَقِنَّسْرِينَ قَدْ شَهِدَا

كَيْفَ الْفُلُولُ بِجُنْحِ اللَّيْلِ قَدْ هَرَبُوا

*

15 - سُوقُ الْمَدِينَةِ إِعْجَازٌ بِهَنْدَسَةٍ

كَيْفَ اسْتَقَرَّتْ بِهِ الْأَقْوَاسُ وَالْقُبَبُ

*

16 - فِيهِ الصَّنَائِعُ وَالْإِبْدَاعُ فِي حِرَفٍ

فِيهِ الْبَضَائِعُ وَالْأَلْمَاسُ وَالذَّهَبُ

*

17 - هُنَا الْجَمَالُ لَهُ فِي أَهْلِهَا نَسَبُ

وَفِي الْخُدُورِ بِهَا يُسْتَوْطَنُ الْحَسَبُ

*

18 - إِذَا مَشَتْ، خِلْتَ غُصْنَ الْبَانِ مُنْعَطِفًا

وَالشَّمْسُ مِنْ وَجْهِهَا الْوَضَّاءِ تَنْتَقِبُ

*

19 - بِكُلِّ خَطْوٍ يَسِيرُ الْحُسْنُ مُحْتَشِمًا

فَلَا جُنُوحٌ.. وَلَا مَيْلٌ.. وَلَا صَخَبُ

*

20 - وَرِقَّةٌ فِي حَدِيثٍ إِنْ هَمَسْنَ بِهِ

تَكَادُ مِنْ لُطْفِهِ الْأَحْجَارُ تَنْتَحِبُ

*

21 - إِنْ قُلْتَ شَهْبَاءَ.. قَالَ الْحُسْنُ فِي ثِقَةٍ

نِسَاؤُهَا الْحُسْنُ.. وَالْأَخْلَاقُ.. وَالْأَدَبُ

*

22 - وَفِي الرِّجَالِ شُمُوخُ الطَّوْدِ إِنْ وَقَفُوا

وَهِمَّةٌ دُونَهَا الْأَفْلَاكُ تَضْطَرِبُ

*

23 - هُمْ أَهْلُ جُودٍ.. فَبَابُ الْبَيْتِ مُنْفَتِحٌ

وَلِلضُّيُوفِ مَسَاءً تُفْرَشُ الْهُدُبُ

*

24 - بِكَفِّهِمْ كَرَمٌ، كَالْغَيْثِ إِنْ هَطَلَتْ

فَيَنْضَجُ التِّينُ وَالتُّفَّاحُ وَالْعِنَبُ

*

25 - وَفِي الشَّهَامَةِ لَا تَسْأَلْ.. فَهُمْ أَبَدًا

أَهْلٌ لَهَا وَبِهَا قَدْ خَصَّهُمْ لَقَبُ

*

26 - إِذَا اسْتَغَاثَ بِهِمْ مَنْ مَسَّهُ، ضَرَرٌ

قَامُوا لِنُصْرَتِهِ.. فِي الْحَالِ وَاحْتَسَبُوا

*

27 - ثَقَافَةُ الْفِكْرِ فِي أَعْمَاقِهِمْ نُقِشَتْ

لِمَجْلِسٍ مِنْهُمُ لِلْعِلْمِ تَنْجَذِبُ

*

28 - أَبْنَاءُ عِزٍّ.. وَأَهْلُ الرَّأْيِ إِنْ عَظُمت

خُطُوبُ دَهْرٍ.. فَهُمْ لِلْحَلِّ قَدْ غَلَبُوا

*

29 - إِنِّي الْعَقِيدَةُ.. وَالْإِصْرَارُ فِي بَلَدِي

شَعْبِي عَظِيمٌ.. أَبِيٌّ.. صَابِرٌ.. حَزِبُ

30 - كَمْ قَاتَلَتْنِي جُيُوشُ الظُّلْمِ قَاطِبَةً

وَكَمْ تَكَسَّرَ فِي أَعْتَابِيَ اللَّهَبُ

*

31 - لَقَدْ تَكَالَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَاجْتَمَعُوا

الْفُرْسُ وَالزُّطُّ وَالرُّومَانُ وَالذَّنَبُ

*

32 - لَكِنْ سُيُوفُ بَنِي الْأَحْرَارِ تَحْرُسُنِي

فَالشَّمْسُ تَخْشَعُ إِنْ يَوْمًا هُمُ غَضِبُوا

*

33 - كَمْ نَكْبَةٍ عَبَرَتْ.. كَمْ مِحْنَةٍ كَسَرَتْ

ظَهْرَ الْجِبَالِ وَلَمْ تُلْوَ لِيَ الرُّكَبُ

*

34 - أَظَلُّ شَامِخَةً.. وَالنُّورُ يَعْمُرُنِي

يَأْتِي الصَّبَاحُ.. وَلَيْلُ الْحُزْنِ يَنْسَحِبُ

*

35 - أَنَا دِمَشْقُ.. وَبَغْدَادُ الشُّمُوخِ أَنَا

إِنْ فَرَّقُونَا.. فَفِي الْأَرْوَاحِ نَقْتَرِبُ

*

36 - سَأَرْجِعُ الْفَجْرَ مَهْمَا طَالَ بِي ظُلَمٌ

وَتُشْرِقُ الشَّمْسُ.. وَالْأَحْزَانُ تُسْتَلَبُ

*

37 - فَاكْتُبْ. مِنَ الشِّعْرِ مَا تَرْضَاهُ يَا قَلَمِي

عَنِ الَّتِي حُبُّهَا فِي الْقَلْبِ يَنْتَصِبُ

*

38 - فَكُلُّ حَرْفٍ بِغَيْرِ الْحَاءِ مُنْتَقَصٌ

وَكُلُّ شِعْرٍ بِغَيْرِ الْبَاءِ مُجْتَنَبُ

*

39 - أَنَا ابْنَةُ الْمَجْدِ،. وَالْعَلْيَاءُ مِنْ نَسَبِي

فَمَنْ كَمِثْلِي لِهَذَا الْمَجْدِ يَنْتَسِبُ

***

عبد الناصر عليوي العبيدي

 

في نصوص اليوم