نصوص أدبية
سنية عبد عون: المسرحية الهزيلة

قدمت أوراقها أمام القاضي ووقفت تنتظر حكمه العادل بقضيتها. عدّل القاضي نظارته وقرأ طلبها بهدوء وروية شديدة دون ان تظهر على وجهه أي تأثيرات سلبية أو ايجابية فقد تمر عليه الاف القضايا المشابهة لحالتها
وأخيرا التفت اليها قائلا:ـ
دعيني اسمع أسبابك المقنعة لطلب الطلاق من هذا الرجل الماثل أمامنا
بثقة عالية وقفت وهي تبتسم ابتسامة متفائلة ثم تمالكت نفسها وبدأت تروي قصتها. قائلة
سيدي القاضي: حين يشعر المرء بحمى تصيب عظامه يبادر الى أخذ مسكنات علاجية ليريح جسده المتعب ثم ينام بهدوء. ولكن ما عساه ان يفعل من أصيب بوجع روحه وطعنة كرامته. دعني أحدثك سيدي القاضي بما ابتليت به من هذا الرجل فقد عشت معه عمرا مديدا وغدا أبنائنا اليوم بعمر الشباب والحمد لله.
كنت أشعر بضنك العيش فتصيبني كآبة مقيتة كان هو من يخفف عني بقوله: ان غدا يوم آخر. كنت أصدقه بثقة عالية لأني أعتبره الجدار الذي يسند ظهري. وربما تسألني هل أحببته. ؟؟
أجيبكم نعم بالتأكيد ولكن قبل ارتدائه معطف أبي ريغال. والذي خان بيته كمن خان وطنه وقومه. واليوم ها انا أقف أمامكم وأقولها كل ذلك كان كذبة كبيرة وهباء مزقته المواقف وقد تأكدتُ من خيانته واكتشفت مدى براعته بفن التمثيل طيلة تلك السنين التي عشتها معه وكان يدعي انه المخلص العتيد وفي ختام جملتها كانت تتمتم بكلمة غبي وكررتها عدة مرات مما جعل القاضي يرفع يده اشارة منه لإسكاتها وبدا مستاء منها.
اما زوجها فاخذ يردد بخجل وقلق واضحين ان هذا غير صحيح انها ليست خيانة بل كانت لعبة للتسلية.
القاضي:ـ ما قولك أنتِ.
أجابته على الفور: سيدي القاضي يبدو انه تفاجأ كيف عرفت هذه المرأة التي يعتبرها برأيه مسكينة ومغفلة..
وكيف خانه ذكائه هذه المرة ولا يعرف كيف ينسج لها قصة أو اكذوبة جديدة تنقذه من هذا الموقف المخزي بحق نفسه قبل الآخرين فادعى انها لعبة..
سيدي القاضي لم أخبره بمعرفتي بهذا الموضوع الا أمامكم لذلك بهت وظل يتأبط أعذاره الباهتة..
الزوج:ـ أخذ يسعل سعالا شديدا احمر وجهه وبانت على جبينه حبيبات تعرقه وكأنه تعرض لأزمة قلبية فتوقف عن الكلام ثم جلس على أقرب أريكة.
ما زالت هي واقفة والدموع تنهمر فوق خديها مثل المطر حتى جعلت كل من في قاعة المحكمة يتماهى مع قصتها ويتعاطف معها في محنتها.
كأنها تحكي ما تعانيه بملامح وجهها ودون ان تطأطأ رأسها.قابلته حين وقف أمامها وهو في غاية الخجل..
سيدي القاضي تأكدتُ من خيانته في أمور كثيرة يندى لها الجبين. أضمرتُ ذلك في نفسي وحافظتُ على هدوئي. الخيانة يا سادتي لا تعني أني ضبطته مع امرأة أخرى فقط بل هناك أمور كثيرة أسمها الخيانة مثل سرد القصص الوهمية لتبرير مواقفه والقسم الكاذب بكل مقدساته وبرؤوس أولاده...
ما الفائدة من الكلام وقد وقع المحظور وربما كان يقنع نفسه ليتبع قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) وان كانت بكل بشاعات الدنيا. غدت حياتي معه مسرحية هزيلة..
وبكل ثقة وطمأنينة وجهت سؤالها للقاضي الذي يصغي لها باهتمام بالغ لما تحمله كلماتها من وجع..
سيدي القاضي: بماذا تحكم لامرأة تكتشف مؤخرا ان سنوات عمرها قد ضاعت هباء مع رجل لا يستحقها أساسا انه أمر مثير للشفقة. اليس كذلك..؟؟
انتقلت لتحدثهم عن حادثة مجنون المدينة والذي تهجم على امرأة اجنبية في أحد المباني في (الكرفانات) التي ابتنتها الدولة لإكمال احد مشاريعها. ولولا تواجد بعض الحراس في موقع الشركة لنالت منه الكثير من الأذى ثم ليخبرهم هذا المجنون انها كانت لعبة.
وبسخرية تتساءل ، فهل تقادم السنين تجعل المرء أحمقا أو قريبا من حافة الجنون ليغدو مثل مجنون المدينة مثلا.؟؟؟.
وبالتأكيد يا سيدي القاضي انه نوّر بصيرتي وجعل مني امرأة أخرى وبصوت يتكسر وجعا قالت سأخبرك سيدي إنه تعرض في الماضي الى جلسات استجواب من قبل أمن النظام السابق ويدعي انهم اشبعوه ضربا وركلا وتحمل جسده اثار عصيهم وتعذيبهم بشتى أنواع التعذيب وشتموه بكل أنواع قذاراتهم التي تدربوا عليها. من اجل ان يتراجع عما امن به من مبادئ أو افكار سياسية. والتي كان يتبجح بها هنا وهناك
ان الرجل الذي امامي يا سادتي (وأشارت بيدها نحوه اشارة تدل على غضبها) هو صورة ممسوخة من ذلك الرجل الذي عرفته قبل عدة اعوام فربما اصيب بنوع من الخرف...
ساد صمت حزين. ودون ان ينطق هو بكلمة واحدة للدفاع عن نفسه لم يجد جوابا مقنعا يستعيد به ماء وجهه الذي أريق. فهرع الى خارج القاعة وروحه تئن ندما..
تابعت هي كلامها. اذن لا فائدة من الكلام وعليه سأطلب من سيادتكم الحكم العادل وان كان على حساب راحتي والدفء الذي من المفترض ان تتمتع به اي امرأة تعيش في كنف رجل محب ويرتدي ثوب الخجل من اي نقيصة تخدش كرامته بنظر زوجه التي شاركته عبء اشرس السنين واقساها ضراوة. لذلك كان قراري صائبا. ان أتركه والى الابد وأتحمل ثرثرة الاخرين وأسئلتهم..
ظل هو مضطربا بقميصه المتهدل وينفث دخان سيجارته.
وأخيرا. صدر حكم القاضي بالموافقة على قرار طلاقهما...
***
سنية عبد عون رشو