نصوص أدبية

سليمان بن تملّيست: ألواحُ الأرضِ

كانتْ منذَ الأَفجارِ الأولىِ،

منذُ بداياتِ التكوينِ،

آنيةً لزُهورِ الخَصْبِ،

فاكهةً في رَحِمِ الطّينِ.

*

بالأنوارِ تحفّتْ،

بالألوانِ المائيّةِ الزرقاءِ،

وبالأخضرِ الغابيّ،

كِتابًا مَفتوحًا صارتْ،

ألواحًا زيتيّةً،

قارئُها الخلقُ:

الطّينُ اللازِبُ والأحجارُ،

الماءُ الجامدُ والأنهارُ،

الغيماتُ الحُبلى،

وحُبيباتُ الأمطارِ.

*

للأشجارِ افترشتْ راحتَها،

وانبسطتْ... فانغرستْ فيها، اكتشفتْ

ما تُثخِنهُ الشهوةُ في ليلِ الإعصارِ.

*

الديناصوراتُ انقرضتْ فيها،

وما انقرضتْ فيها الآهاتُ،

لَمّا احتضنتْ من أغواهُ التفّاحُ،

مَن لفظتهُ الجنّاتُ،

مَن سكنتهُ الشهوةُ والصبواتُ.

*

بالكلماتِ احتفلتْ،

بالورقاتِ،

لِتُؤرِّخَ للعالَمِ

أخبارَ الهجراتِ الأولى والرّحلاتِ،

بَصماتِ الخطواتِ المشروخةِ

فوقَ أديمِ الصدرِ العالي،

بَوحَ الأصداءِ بعدَ رحيلِ الأصواتِ،

أنباءَ نبوءاتٍ شهِدتْ،

ومصيرَ حضاراتٍ،

أفراحًا ومسرّاتٍ،

وأنينَ مُعاناةٍ.

*

منذ العصرِ الحجريّ

حتّى بزوغِ الإنترنتِ،

في الأعماقِ،

كَتمتْ صوتَ البُركانِ،

وقالتْ للنيرانِ: تعالي!

حملتْ كلَّ سلالاتِ الصيرورةِ

فوقَ سريرِ الماءِ الجاري،

ولمفاتنِها غنّتْ موسيقى الريحِ

وأسراب الأطيارِ،

هَسِيس عَناصرِها في الأشجارِ،

خَرير مياهِ الأمطارِ،

للشمسِ، للخضرةِ،

رَقَصَتْ للأنوارِ.

*

لم تَعبأْ بالأقدارِ،

بِكِتاباتِ اللاهوتِ،

وبالأسفارِ،

بالآمالِ المُغتالةِ ليلًا ونهارًا،

في أحشاءِ مقابرِها طمرتْ

كلّ الفُجّارِ، وكلّ الأخيارِ،

كلّ الأشرارِ، وكلّ الأحرارِ،

كلّ سِجلاّتِ الأسرارِ.

*

صُلبَ الحلاّجِ،

ولم تُصلبْ فيه الأشواقُ،

حقلَ نِفاياتٍ صارتْ،

مدارَ خُصوماتٍ،

جسدًا أدمَتْهُ الألغامُ،

مجنونًا، من ثقبِ الأوزونِ،

تسلّلَ شبحُ الأورامِ.

*

أتراها تبكي زمنًا

كانتْ فيه عذراءُ،

بكارتُها لم يَطمِث إنسانٌ؟

أم زمنًا آتٍ،

قُربانًا ستكونُ فيه

لِزَوالِ الإنسانِ؟

***

بقلم :️ سليمان بن تملّيست - الجمهورية التونسية

جربة في 2012/12/28

......................

* "ألواح الأرضِ"، نصٌّ شعريٌّ يرسمُ رحلةَ الأرضِ والحياةِ منذ الانفجارِ الكونيِّ الأولِ حتى العصرِ الحديثِ.. الأرضُ تتحوّلُ إلى شاهدٍ حيٍّ على الطبيعةِ، والحضاراتِ، والفرحِ والمعاناةِ، بينما يتأمّلُ الشاعرُ مصيرَ الإنسانِ وعلاقته بالكوكبِ.. النصُّ يمزجُ بين الصورِ الشعريةِ الملحميةِ والتأمّلِ الفلسفيِّ، مع وعيٍ عميقٍ بالبيئةِ والتاريخِ.

في نصوص اليوم