نصوص أدبية

لمى ابوالنجا: رمح في صدري

هزم  المحارب في داخلي، لم يعد يستفيق مع نعيق البوم ويستل سيفه في جنحات الظلام على دقات طبول المعارك. الرماح التي أطلقتها قديماً في صدور الأعداء، بقبضة ثابتة كأنها امتداد لذراعي، عكست حدّها القاتل، وانغرست بصدري.

و كأن الحديد يحفر صدعًا لا يُرى، صدعًا يتسع ليبتلع كل ما تبقى من يقين.  لم أُهزم على يد الأعداء، بل على يدي أنا.

كل المعارك التي خضتها لم تتركني بطلة، بل جثة تائهة بين رماد الحروب. كنت أظن أنني أقوى من أن أهزم و أن الانتصار يعني النجاة، لكنني أدركت أن بعض الانتصارات لا تهب خلاصًا، بل تسرق آخر ما تبقى من براءةٍ واندفاع.

 المحارب في داخلي جثا أخيرًا على ركبتيه، خلع درعه قطعة قطعة، ليتركها تصدأ في العراء، وهمس بصوت لا يسمعه سواي: “لم أعد قادرا" كان في همسه ذهول من نفسٍ لم تعرف الخوف أبداً، خوفٌ ليس من الغياب بل من طول الطريق الذي يقود إلى الفراغ، إلى تلك الشيخوخة الروحية التي تُجبرنا على إطعام نارٍ بلا معنى حتى تأكلنا نحن آخرَ حطبها.

أجلس الآن أعدّ الأطلال — أسماءُ الهزائم، طقوسُ الوداع — وأتعلّم كيف أخوض معارك مجرّدة من السلاح. أسألُ نفسي إن كانت الشجاعة أن أقف من جديد، أن أسمح لأمانٍ صغير أن يرمم بعض الشقوق. ألمحُ في المرآة ظلّ امرأةٍ تهرأ قليلاً، ورغم ذلك تملك قدرةً عجيبة على أن ترى في الأشياء الصغيرة سببًا للوقوف، أن تخمد النيران دون أن تدوس على آخر شعلة فيها.

***

لمى ابوالنجا - أديبة وكاتبة من السعودية

 

في نصوص اليوم