نصوص أدبية
مصطفى علي: يَوْمَ جرى العاصي دَماً

إلى لؤلؤة العاصي الشهيدة
(حَماة)
***
وَمَدينةٍ
أرْختْ ضفائرَها
على الضَفَتيْنِ من نَهرِ الوداعةِ والتَبَتُّلِ والسلامْ
*
هَوَ نهرُها
عاصٍ يُسمّى دونَ مَعْصيَةٍ سِوى
عِشْقِ الصبايا في النهارِ براءةً
لا في دهاليز الظلام
*
وَتَؤمُّهُ عندَ المساءِ نوارسٌ
وَلَهُ مَواعيدٌ على ضَفَةِ الصباحِ بَهيّةٌ
كبياضِ ريشاتِ الحَمامْ
*
هو نهرها
عَشِقَ الكرامةَ فطرةً والكبرياءْ
*
لكنّ طاغيةَ العشيرةِ قلبهُ جرثومةٌ
تسطو كما العدوى وجائحةُ الوباءْ
*
هو نهرها
عاصٍ على ضبعٍ تسلّقَ سُلّماً في ليلةٍ مشبوهةٍ
حَمَلَ الضغائنَ كلّها متوعّداً أهلَ الكرامةِ
والتقى بالموتِ صبراً
حَدَّ أعتابِ الفَناءْ
*
هُوَ نهرُها
وَتَلوحُ مَعْصيةٌ به
لِسليقةِ الأنهارِ في دُنيا الأنامْ
*
فَمِنَ الجَنوبِ إلى الشِمالِ مُعاصِياً
بِمَسيرِهِ
لِسَجيّةِ الأنهارِ في أرضِ الشآمْ
*
لِيَشُقَّ (سَهْلَ الغابِ) مُرْتَجياً
عِناقَ الأبيضَ الروميَّ ذوباً
في أباريقِ المُدامْ
*
وَيَطُرَّ قلبَ مَدينةٍ سِحْريّةٍ
نصفينِ قد شَرِبا معاً
أمواجَهُ السكرى كؤوساً من غرامْ
*
غربيُّها يمتدُّ بحرُ الرومِ أزرقَ كالسماءْ
مُتوسّطاً في قلبِ عالمنا القديمْ
*
وسلاسلٌ جبليّةٌ حجبتْ
مدينَتَهُ عن اليَمِّ العظيمْ
*
وَصَدى الأوابِدِ في المدينةِ مثلُ
لحنِ كَمنْجَةٍ
تسري بها روحُ الوفاءْ
*
زُرْ (دَهْشَةَ) الدُنيا تَجدْ
أرقى أفاريزِ الرُؤى في بَهْوِها
وقبابِها تفدي بأزرقِها البديعِ
(أبا الفِداءْ)
*
وأكادُ أسمعهُ ينادي من بعيدْ
ياقلعةَ الدنيا (وَميْمَنةَ الجيوشِ) مهابةً
من زارَ قُبّتها وساقيةَ (الدهيشةِ) إنما
بلغَ المرامْ
*
فحماةُ مملكةُ البواسلِ والكرامْ
(وَأبو الفِداءِ) مَليكُها مُتَوَجّعاً
يُصغي الى وَجَعِ النواعيرِ الجريحةِ
يَوْمَ دارتْ مثْلما دارَ الزمانْ
*
أَبَكى عِمادُ الدينِ والدنيا كما بَكتْ
كُلُّ النواعيرِ الذبيحةُ بعدهُ
دمعاً بلونِ الأرْجوانْ؟
*
أمْ لَمْ يَزَلْ مُتَأبِّطاً قِرْطاسَهُ وَيَراعَةً
بظلالِ قلعتِهِ الأبيّةِ والنقيّةِ
من خطايا أو أثامْ؟
*
مُتوضّئاً تحتَ ظلالِ سيوفها وَمُدوّناً
(تقويمَ بُلْدانِ) الورى حتى بدا
جَبَلاً على وجه القمرْ
كوشاحِ عِزٍّ أو وِسامْ
*
هل كانَ قلبُكَ مثلُ قلبي شاهداً
شَهِدتْ بصيرتُهُ الفجيعةَ والخرابْ
وَرَأى مصيباتِ (الدَهيشَةِ) يَوْمَ
داهَمَها الضباعْ؟
*
وَيَقودُهمْ ضبعٌ خَسيسٌ إنّما
زوراً وَبُهتاناً يُسمّى
في قواميسِ التفاهةِ (قَسْورة)
ما أقذرهْ !
بشهيّةٍ حمراءَ يمتصُّ الدِماءْ
*
وَيَتيهُ منتشيا بأشلاء الجياعْ
وَيَلوكُ أفئدةَ الرجالِ ثمَّ أدمغةّ البنات
شَبَحاً كَغزّةَ يومها كانت حَماةْ
*
قَسَماً كَغزّةَ إنما غطّى ضحاياها الجُناةْ
أكبادُ صبيتها ونسوتها تقاذفها الرياحُ
عواصفاً شتى الجهات
*
والأجربُ المسعورُ ما بَرِحتْ لهُ
دنيا الفنادقِ والمصارفِ
في الولاياتِ هِباتْ
*
العارُ كلُّ العارُ لو فَلَتَ العُتاةْ
من قبضةِ الموتورِ أو حُكمِ القضاةْ
*
أَوَ لَمْ يَقُلْ من فوقِ سَبْعٍ
في القصاصِ لكم حَياةْ
*
لا شيءَ ألعنُ من طواغيتِ الزمانِ نذالةً
واسألْ قواميسَ اللغاتْ
***
د. مصطفى علي