نصوص أدبية
جاسم الخالدي: النورس

لحظةً بلحظةٍ،
كنتُ أرنو إلى السماء.
ما لفتَ انتباهي
طائرُ النورسِ،
يحلّقُ في أوّلِ الصبح،
وحينَ ينتصفُ النهارُ
يَرجِعُ إلى حيثُ
يستطيعُ الوصول.
*
تتبعتهُ بعينَيَّ،
كأنّي أبحثُ عمّا يهربُ مني،
عن لحظةٍ صافيةٍ
تملأُ قلبي بالهدوء.
في صمتِ الموجِ،
وفي رقّةِ الضوءِ،
كانت الحياةُ تهمسُ لي
أن لكلّ روحٍ مسارًا،
وكلّ سفرٍ نهايةً
إلى حيثُ تستطيعُ العودة.
*
ثمَّ أدركتُ أنّي،
كذلك الطائر،
أسافرُ في فضاءاتٍ لا تُرى،
أبحثُ عن أفقٍ غيرِ معلن،
عن سماءٍ تقبلُ أحلامي.
لكنّ قيودَ الأرض،
تذكّرني بأن العودة ضرورية،
وأنّ لكلّ حريةٍ حدودا،
وان لكلّ ارتفاعٍ سقفا
لا يختلّ إلا بالوعي.
*
حينَ تلتقي الشمسُ بالبحر،
ويختفي طائرُ النورسِ خلف الأفق،
أشعرُ أنّ الوقتَ ليس ملكي،
وأنّي جزءٌ من رحلةٍ أكبر،
رحلةٍ بين الحلم والواقع،
بين التطلّع والحدود،
بين ما نستطيع وما يهربُ منا،
بين لحظةٍ تمرّ
ولحظةٍ تبقى.
*
وفي النهاية، تعلمتُ أنّ السعيَ
ليس للوصول وحده،
بل لأن تكونَ واعياً
بقيودك وأحلامك،
بأن تحلقَ كما يحلق النورس،
حتى وإن اضطررتَ للعودة،
ففي كل رحلةٍ،
حتى القصيرة منها،
تكتشفُ معنى الحرية،
وتلمسُ غموض الحياة،
وترى أنّ السماء،
مهما اتسعت،
تظلُّ مكانًا لاكتشاف الذات.
*
توقّفتُ عن تلك الهواية،
وعاهدتُ نفسي
أن لا أعودَ إلى ذلك الطريق،
حتى أرى طائرَ النورسِ
يطلُّ ثانيةً،
ويخطُّ بجناحِه:
أن لا وقتَ
يستحقُّ أن يُهدَر.
***
د. جاسم الخالدي