نصوص أدبية

مجيدة محمدي: قميص اللغة الممزق

اللغةُ تهتزُّ بين أصابعي،

كما لو أنّها طفل عنيد،

تتشظّى في فمي قبل أن أتمكّنَ من جمعها،

تتعثرُ في مساماتي،

تسقطُ في أزقّة الروح،

تحاول أن تُغطّيَ صخبَ العدمِ،

لكنَّها لا تفي،

لا تفي بمقدارِ صراخِ الزمن.

*

أمزقُ الحروفَ كأوراقٍ قديمةٍ،

أجمعُها على شكلِ قميصٍ لم يعد يدفئ،

يغدو قلبي عارياً أمامَ التجربة،

أحاول أن ألبسه،

فتتمزّق الخيوطُ في راحتي،

ينسلّ المعنى بين الأصابع،

تظلُّ الكلماتُ تترنّحُ على حافةِ الصمتِ.

*

الواقعُ يضغطُ على اللغة،

يضغطُ على المسافاتِ بين النطقِ والفكر،

يطوي الصباحاتِ في سطرٍ واحدٍ

ويذبح الليلَ بلا رحمة،

والألمُ يمتدُّ كجسرٍ مهدمٍ

بين ما أرغب في قوله، وما أستطيع...

*

أرى الصورَ تتساقطُ،

تتكوّرُ كأجسادٍ صغيرةٍ

تختبئُ في حنايا النصّ،

أمسكُ ما تبقي،

أعيدُ ترتيبَها في جدائلَ متشابكة،

لكنّها لا تتّحدُ،

تبقى شظايا،

بقايا لغةٍ لم تعد قادرةً على التعبير.

*

أسألُ عن العالمِ،

عن أولئك الذين يشربون من أنهارٍ ملوّثةٍ،

عن الغيومِ التي تحمل دخانَ المدن،

عن الصباحاتِ التي تذهب بلا موعد،

عن المساءاتِ التي تنهار فوق رؤوسنا،

وكلُّ ما أملكَه هو قميصٌ ممزق،

أحاول أن ألبسه على جسدِ الواقع،

وأتمنى أن لا ينكشف كل شيء.

*

أحاول أن أغني،

لكن الأوتارُ مقطوعة،

والحنجرةُ مسدودةٌ بالحجارةِ،

أحاول أن أطير،

لكنّ الريشَ منتوف من جناحي،

أحاول أن أكتب،

لكنَّ الكلماتَ تهربُ مني

كما يهربُ الماءُ من أيدي العطاشى.

*

اللغةُ، مثل مرآةٍ مكسورة،

تعكسُ بعض ما هو موجود،

لكنها لا تُعيدُ الصورة كاملةً،

أرى في شظاياها نفسي،

أرى العالم،

أرى الألم،

وأدركُ أنّ ما بيننا وبين التعبيرِ

هو فجوةٌ سحيقةٌ،

لا يربطها إلا حلمٌ صغيرٌ،

قميصٌ ممزقٌ

يحاول أن يدفئَ الروح العاريةَ من المعنى...

***

مجيدة محمدي

في نصوص اليوم