نصوص أدبية

مراد الحسناوي: قبالة البحر

كنت واقفا أمام البحر ككل الآخرين

ممن احترقوا مثلي في حب الوطن

جسدي الصغير في مقابل وحشة البحر الكبرى

النوارس تخبئ الأسماك في صداع أصواتها

و أنا أودع شمسا تتعرى من ثوب النهار

لتدخل عروسا إلى خدرها في الغروب

أقف شامخ الجسد والروح جاثية على ركبتيها

يلطمها الموج كجزيرة يتيمة متعبة...

أرى في الغروب ما لا يراه الآخرون

أرى انطفاءة الروح الأولى

أرى وجه من غادروني بلا عودة

أرى طفولتي تركض باتجاه ألعابها المخدوشة بالفرح

أرى الماء والهواء

أرى السماء حمراء كنهدي حبيبتي بعد العناق

أرى البحر يلقي قصيدته موجة موجة ليغازل اليابسة

أرى قمراً ينفض النهار عن كتفيه يمشي الهوينى

أرى أمي وهي تعد فطيرتي من الشحم

أرى أبي وهو ينظف غليونه بدم رأتيه

أرى إخوتي وهم عائدون من المدرسة مثقلين بالحلم

أرى الله في القرآن يبعثر السماء ويعيد تكوينها

أرى مدينتي المصابة بالجدام

أرى حبيبتي الأولى

أرى حبيبتي السادسة

أرى حبيبتي العاشرة

أرى ضحكتي وهي تضيع مني في زحام العمر

أرى دمعتي تدنو من خدي نازلة

أرى كل شيء

أرى كل شيء ولكنني لا أراني

تشتت الأشياء من حولي

بلل المكان بالنسيم المعبأ بالجفاف العاطفي

تلف الأيام بحنجرتي

دونما معنى يوفي ذكرياتي ملوحتها

ذكرياتي بحر والذكريات مد وجزر

أتذكر قليلا وأنسى كثيراً

أنسى قليلا وأتذكر كثيراً

و في خضم هذا التواطئ بين التذكر والنسيان

أقول بكامل عذوبة هذا المدى:

لا غروب لقلب الشمس

ما دامت الشمس شروق في قلب الإنسان

فلنتقاسم إذن يا بوسيدون هذا التناقض بيننا

خذ مني كل ما تحجر في قلبي من ذكريات يابسة

و هات خنجرك لأذبح العاصفة

لعل البحر يسكر بدم أخاطيبه فيخبرني

من أنا؟

وماذا كنتُ قبل طلاق البحر واليابسة.

***

مراد الحسناوي

 

في نصوص اليوم