نصوص أدبية

مصطفى علي: عُنْفُوانُ الروحِ

عُنْفُوانُ الروحِ ما بينَ النهرين

وجَدَلِ المُعْتَزِلة

***

عُروقٌ في الثرى عَشِقتْ ثراها

بِفَجْرِ الكونِ مُنْجِبةً عِراقا

*

وَأعراقاً رأتْ في الطينِ روحاً

فَشَدّتْها بلا رِفْقٍ عِناقا

*

بها مَوْرٌ يُماري عُنْفواناً

تَراكمَ عَبْرَ ماضيها طِباقا

*

وَلَمّا أشْعَلتْ غَبَشَ البَرايا

رأتْ فجرَ الخليقةِ قد أفاقا

*

وَدَجْلَةُ راوَدتْ شَبَقاً فُراتاً

أرَتْكَ النشْوةَ الحَرّى خِناقا

*

وَمَسّتْ رَجفةُ العِشقِ الثُرّيا

وَحَلَّ النَهرُ في النهرِ إشتياقا

*

حُلولاً ذاكَ أمْ بُقْيا وِصالٍ

أمِ إتَّحَدا خِتاماً وانطلاقا

*

سُلالاتٌ تُحاذِرُها المَنايا

بِغيرِ الفَوْزِ لم تَرْضَ السِباقا

*

تَعَرّقْنَ ابتِداعاً واخْتِلافاً

لِفَرْطِ غَرامِها نَبَذتْ وِفاقا

*

مَسَلّاتٌ بها الألْبابُ أفْشتْ

أساريراً فَأذْهَلَتِ السِياقا

*

بها خَطّت مَساميرُ القُدامى

أقانيماً تَوَهْجْنَ اخْتِلاقا

*

ذَوي ماضٍ شَواهِدُهُ طِباعٌ

بِها سَرَجوا لِشانِئهمْ عِتاقا

*

بِخَمْرِ الوَجْدِ والوِجْدانِ جُنّوا

وَهيْهاتَ الهَوى يُخْفي نِفاقا

*

تنانيراً تَفورُ سُدىً رُؤاهمْ

وَصِدْقُ البَوْحِ أوْرَثَهمْ شِقاقا

*

كَأنْ خُلِقتْ مثالبَهم مزايا

دَماً مِنْ حَرِّ أفئدَةٍ مُراقا

*

هُنا سكَبَ الأشاوسُ ذاتَ فَجْرٍ

دِلاءَ الشِعْرِ رَشّاً واندلاقا

*

حَزانى أدمنوا دمعَ المراثي

لِتوقِدَهمْ سُطوعاً واحْتِراقا

*

كَمَنْ شَرِبوا لَظى التاريخِ خَمْراً

وَلَمْ يَخشَوا إذا شَطَحوا انزلاقا

*

لَعَمْرِكَ ذي مواجِعُهُمْ دِنانٌ

فَإنْ سَكِروا بِها هاموا غُباقى

*

إذا شَطّتْ قوافلُهمْ حَسِبْنا

إلى المجهولِ تُوشِكُ أنْ تُساقا

*

كما النهرينِ أمزجةً غِضابى

إذا هاجَتْ بَدَتْ سَيْلاً دُفاقا

*

متى لَفَحتْ بواطِنَهمْ شُموسٌ

بَريقُ الضوءِ صَيّرها انفلاقا

*

لأمْزِجَةٍ تُماري في لظاها

بها قَمَرُ الجَوى نَسِيَ المَحاقا

*

تَفَجّرتِ البصائرُ كالشَظايا

وَنَجمٌ ثاقِبٌ شاءَ انْبِثاقا

*

كَمُعْتَزِلٍ سرى يمحو الظلاما

لَهُ نورُ النُهى أمْسى بُراقا

*

كَعِطْرِ الطَلْعِ في الأكمامِ نادى

فَحَنَّ الكُمُّ واحْتَجَّ انْفِتاقا

*

رأى الموروثَ لا يكفي دَليلاً

فما بَرِحتْ نَوازِلُها خِفاقا

*

عُقولٌ غامرتْ ترجوا خُروقاً

إلى لُبِّ الحقيقةِ واخْتِراقا

*

وَكلّا لَمْ تَشأْ أبداً مُروقاً

ولكنْ ثُلّةً تأبى انغلاقا

*

رُؤىً قارورةُ الأذهانِ تغلي

وَأحْجِيَةً مُعَتّقَةٍ مَذاقا

*

رَأوا في لُجّةِ المألوفِ قيداً

فَتاقوا من مَخالِبِهِ انعتاقا

*

تَعامى كُلُّ فُرْسانِ الفَتاوى

وصاحوا بِدْعَةً لا لَنْ تُطاقا

*

وعادوا مثلما النهرينِ لمّا

طَغى موجُ السليقَةِ ثُمَّ راقا

*

مَعاً لَجَموا غرائزَهمْ وَكادتْ

بِفَضْلِ بَصائرٍ تذوي انسحاقا

*

تلاقَوا شَأنَ نَهْرَينا وَشَدّوا

لطيفِ العُرْوَةِ الوُثْقى وِثاقا

*

هُنا  فِرَقٌ، هُنا مِلَلٌ وتأبى

برغْمِ غُلوّها، تأبى الفراقا

*

دراويشاً مواجِدُهمْ حُبالى

بِخْمرِ طريقةٍ رُشِفتْ دهاقا

***

د. مصطفى علي

 

في نصوص اليوم