آراء
عبد الأمير الركابي: المنطقة ونهاية الايديلوجيا والتشبهية الابراهيمه (8)

يغلب التوهم والشطط الادراكي للحظة في الموضع المنطلق حيث تبلورت الظاهرة المجتمعية، لاسباب في مقدمها حضور او غياب الديناميات الناظمه للمكان بحسب الطور الزمني، فاذا كانت الديناميات الشرق متوسطية في حال غياب وحصل الانقلاب الالي، وان بصيغته الابتدائية الافتتاحية، مع قوة حضوره الكاسح نموذجا وتفكرا، فان المتوقع ساعتها يكون بالحتم شكلا من اشكال الحضور المتماهي مع الاخر، بما في ذلك القول ب "النهضة" باستعارة ماهو واقع لدى الاخر المقابل، يجاريه وينطق بمقابله بنوع من "نهوض زائف" منفصل عن فعل آلاليات التاريخيه الذاتيه، الامر الذي لن يعدم الاسباب المحفزة والحاضرة من بين اجمالي تنوعات البنية المجتمعية مدار البحث، وبالذات منها المقارب نوعا نمطيا للنمطية الغربية من بين تلك الموزعه على بضعة انماط مجتمعية متكامله، مابين ازدواج ارضوي لاارضوي رافديني، ومجتمع دولة احادية نيلي، ومجتمع لادولة احترابي محكوم لاقتصاد الغزو في الجزيرة العربية، ومجال مفتوح غير قابل للتبلور الكياني، شامي.
والمهم الاخطر الغائب هناهو الانتباه الى احتمالية حلول زمن نوعي انتقالي بمرويتين: اولى آنية يدوية الاساس، واخرى متاخرة منتظرة، معها تصبح الادراكية المفهومية العقلية متطابقة مع اشتراطات الطور الحالي، فالغرب الذي عرف الانبجاس البكوري الالي بصيغته الابتداء المصنعية، لم يكن في وضع ادراكي مكتمل، لان الظاهرة المستجده لم تكتمل اصلا بعد، فما كان بالامكان وقتها وحتى الساعه، النظر الى الالة بغير الموروث والراسخ من التصورات والمفاهيم العائدة الى ماقبلها من حيث الجوهر، بانتظار بقية محطات ومراحل الانقلابيه المستجدة بعد الاله المصنعية، ذهابا الى التكنولوجيا الانتاجية الراهنه، قبل الاخيرة العليا الموشكة على الحضور، مايعني اختلافا كليا في قواعد النظر للمستجد الشامل الحاصل، مابين ابتداء اولي غير مكتمل، وآخر هو "انقلابيه عظمى" نحو عالم آخر مختلف على مستوى النظر و الوسائل، واجمالي العلاقة بالتاريخ والوجود ومساراته، مع الاليات الناظمه لحركته ومستهدفاته.
هذا السياق يدخل عملية التفاعل الشرق متوسطي الاوربي الحداثي، مسارا يذكر بحالة انصبابية اوربيه/ شرقية سابقه، صارت اليوم مقتصره على الغرب الاوربي ذهابا الى ماينتج عنها وعن تفاعليتها بين موضعين حكمتهما على مر التاريخ مثل هذه العلاقة، كما كان عليه الحال ابان الانصبابية الرومانيه الفارسية ومانتج عنهما من اختراقية كونية مضادة صادرة عن المنطقة الشرق متوسطية، منطقة الانماط الثلاثة والمجال الوسط، امتدت من الصين الى اوربا غربا، الامر الذي لم يسبق ان جرت ملاحظته فضلا عن التوقف عنده من قبل، مايجعل من غير المنتظر حضور اي شكل من اشكال استعادتة كواقعه تاريخية تفاعلية كبرى نوعية، تتعلق بخاصية الازدواج المجتمعي المغيبه على مر التاريخ.
ولنتصور لو انه قد جرت عملية تحديد مراحلية كونية ابعد من النطاق الاوربي للانقلاب الالي تقول: بان العملية المذكورة تبدا اوربية وتنتهي شرق متوسطية، تبدا احادية ارضوية وتنتهي تحولية عظمى ينتهي عندها التاريخ الارضوي المجتمعي الحاجاتي، يوم تنبثق بعد التفاعل المديد الاصطراعي الشامل، النطقية اللاارضوية المؤجله، والتي ظلت الى اليوم خارج الادراكية العقلية، خاضعة لاشتراطات اليدوية، تلك التي تنطوي على الرؤية التحولية الكبرى البشرية من "الانسايوان" العقل/ جسدي الانتقالي، الى " الانسان/ العقل"، وهو الهدف والغرض الفعلي الحاكم اليوم، ومع الانقلاب الالي لعملية التشكل المجتمعي كونيا، مايعني كون الانقلاب الالي مازال طي المستقبل، وانه لم يحصل بمعنى الاكتمال، حتى الساعه.
هل المنطقة خالية كليا من حضور الاليات الذاتية؟ لايمكن الاجابه على سؤال من هذا القبيل اشارة لما هو غير مدرك، فالمنطقة ماتزال غير واعية لذاتها، ولا لاليات تاريخها، وهي تظل على مدى القرون تعيش تاريخها بلا وعي للذاتيه المجتمعية، مايجعلها اقرب اليوم للاحتفاء ب " نهضة" محمد على الالباني وعفلق السوري، متغاضية كليا عن احتمالية الانبعاثية مابين النهرينيه التي تبدا مع القرن السادس عشر، اي قبل بداية الانبجاس الالي الاوربي، بعد فترة من الفوضى استمرت من انهيار الدورة الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، مع سقوط عاصمة الامبراطورية الكونيه بغداد عام 1258، الى القرن السادس عشر حين قام "اتحاد قبائل المنتفك" في ارض سومر التاريخيه، ارض الدورة الاولى الازدواجية، والبدئية المجتمعية وتعبيريتها الكونية اللاارضوية الابراهيمه، لنشهد اليوم عملية تشكل تاريخي حديث يبدا قبليا، ثم انتظاريا نجفيا، ثم ايديلوجيا، قبل ان يدخل طور الفنائية الكيانيه الوجودية الحالية.
وهو مسار مغفل غيرحاضر على مستوى الوعي، حيث القصورية العقلية التاريخيه تتحول اليوم الى معضله عالمية كبرى، مع التازم الغربي المتعاظم، وتزايد التفارقية بين وسيله الانتاج وشروط الانتاج الجسدية، بينما متبقيات "النهضوية الزائفة" الايديلوجية الحضاروية في حال انهيار وترد، تقابله محاولة تسييد نمطية مغايرة للخاصيات التاريخيه، على قاعدة الريع النفطي والتدخلية الامريكيه المباشرة، بغطاء تشبهي زائف ابراهيمي، خارج عن حكم الاليات التاريخيه، في وقت تتزايد مظاهر الانهيار النموذجي الغربي، مقابل غلبة الكيانيه الامريكيه المفقسه خارج رحم التاريخ، بينما الديناميات الانتاجية تنتقل تباعا الى مابعد مجتمعية وكيانيه، وماوراء دول وممارسات حياتيه جسدوية يدوية منتهية الصلاحية، يخيم عليها شبح ينتمي لاحتمالية الفنائية.
العالم على مشارف الانقلاب والثورة العظمى الانقلابيه التحولية، بينما تتاكل وتسير للانهيار متبقيات المبتنيات الكيانوية والمفهومية الارضوية الجسدية، وبالذات منها وعلى راسها التوهمية الغربية الجاري الاصرار على اعتمادها والتمسك بها في غير اوانها، وبعدما فقدت مصداقيتها واقعا معاشا، بالمقابل لا تاخذ الانقلابيه المفهومية لاسباب غير عادية مكانها المفترض بين ليله وضحاها، وفي حين تجر ي محاولات معزوله ومؤطره بالتجاهل العمد او بسبب العجز عن الاستيعاب، لارساء بدايات انتقالية تفتح الباب لعملية ازاحة متبقيات الهيمنه الارضوية اليدوية، فان كل ماهو مودع في الذاكرة والوجدان البشري، وفي طريقة النظر الى الاشياء والى الذات والوجود، يقف مايزال بقوة سدا مانعا دون حصول الاختراقية اللاارضوية، بغض النظر عن ظهور بدايات ماتزال خارج الاستيعاب او الوعي(2)، بانتظار حضورية تطابقية وقائعا وحدثيا، مع ماهو مذاع ولازم وشيك من نداء انتقالية عظمى ماتزال خارج الانتباه.
***
عبد الأمير الركابي