آراء
علاء اللامي: التأثيل الإتمولوجي لكلمات شروگية وشراگوة شرگاوي

حول التأثيل الإتيمولوجي كلمة شروگية وشراگوة في موسوعة د. جواد علي "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" بمناسبة الجدل الطائفي دفاعا وتهجما على الشراگوة العراقيين. تمهيد: تحفل مواقع وصحف عراقية عديدة على شبكة النت، وصفحات بعض الجرائد العراقية والعربية، بالعديد من المقالات الاستعراضية المتباهية عن فراغ، فتخوض في موضوع المفردات في اللهجة العراقية التي يعتقدون بأن لها جذور سومرية وأكدية أو آرامية وسريانية. ورغم صعوبة أخذ أغلب هذه الكتابات مأخذ الجد، لعدم اعتمادها أية منهجية علمية او توثيق تأثيلي رصين، ما يجعلها أقرب إلى الانطباعات الذاتية والخواطر المصوغة بلغة ركيكة حافلة بالأخطاء، بل إنها تُوظَّف أحيانا لخدمة البروباغندا السياسية الرائجة. لقد قالوا كل شيء عن أصل كلمة شروگية وشراگوة جمع شروگي و شرگاوي فهي عند بعضهم سومرية أو أكدية أو يونانية وربما رومانية كل هذا ليمنعوا ويبعدوا عن النظر أصلها العربي الفصيح، في زمن صعود الهويات الفرعية الطائفية والعشائرية وانحسار الهوية الوطنية الرئيسة والعداء الصريح للعروبة لغة وهوية ثقافية لبلاد الرافدين وشعبها العريق.
* بخصوص ما قيل عن الأصول السومرية لهذه الكلمة، فهي مجرد ملاحظة عابرة من قبيل "سوالف المقاهي" تخلو من أي توثيق أو تحليل علمي. وهناك من يتحدث عن الأصول السريانية واليونانية والرومانية للكلمة، وقد تكون هذه الفكرة انتحالا سريعا ومبتسرا لما كتبه العلامة العراقي د. جواد علي في موسوعته الضخمة "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام حين ناقش أصول كلمة سراكيني وشراكيني وعلاقتها بلفظ شرقوق وشروك فقد كتب العلامة الراحل:
* "لم يتحدث أحد من كنيسة اليونان والرومان والسريان عن أصل لفظة "سراكيني" (Saraceni) وسراكينوا (Sarakenoi)، ولم يلتفت العلماء إلى البحث في أصل التسمية إلا بعد النهضة العلمية الأخيرة، ولذلك اختلفت آراؤهم في التعليل، فزعم بعضهم انه مركب من "سارة" زوجة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، ولفظ آخر ربما هو "قين = عبد"، فيكون المعنى "عبيد سارة".
وقال آخرون: أنه مشتق من "سَرَقَ"، فيكون المواد من كلمة "Saraceni" "سراكين" "السراقين" أو "السارقين" إشارة إلى غزوهم وكثرة سطوهم. أو من سراقا بمعنى "شرق"، ويراد بها الأرض التي تقع إلى شرق أرض النبط.
وقال "ونگلر" أنه من لفظة "شرقو"، وتعني "سكان الصحراء" أو "أولاد الصحراء". استنتج رأيه هذا من ورود اللفظة في نص من ايام "سرجون". ويرى آخرون أنه تصحيف "شرقيين"، أو "شارق" على تحو ما يفهم من كلمة "قدموني" (Qadmoni) في التوراة، بمعنى شرقي، أو أبناء الشرق ""Bene Qedhem. وكانت تطلق خاصة على القبائل التي أرجع النسابون العبرانيون نسبها إلى "قطورة". وقد مال إلى هذا الرأي الأخير أكثر من بحث في هذه التسمية من المستشرقين، فعندهم أن "سرسين" أو "سركين" أو "Sarakenoi" من "شرق". ولهذا يرجحون هذا الرأي ويأخذون به.
والقائلون ان "سارقين" من أصل لفظتين "سارة"، زوج إبراهيم، ومن "قين" بمعنى "عبد" وان المعنى هو "عبيد سارة"، متأثرون برواية التوراة عن سارة زوجة إبراهيم التوراتي، وبالشروح الواردة عنها. وليس لدى أصحاب هذا الرأي أية أدلة أخرى غير هذا التشابه اللفظي الذي نلاحظه بين "سركين" وبين "سارقين"، وهو من قبيل المصادفة والتلاعب بالألفاظ ولا شك، وغير هذه القصة الواردة في التوراة، قصة "سارة" التي لا علاقة لها بالسرسيين).
* ويضيف د. جواد في ما يخص موضوعنا "هذا وما زال أهل العراق يطلقون لفظة "شروگ" و "شروگية" على جماعة من العرب هم من سكان "لواء العمارة" والأهوار في الغالب، وينظرون اليهم نظرة خاصة، ولا شك عندي أن لهذه التسمية علاقة بتلك التسمية القديمة. ويستعمل أهل العراق في الوقت الحاضر لفظة أخرى، هي "الشرجية"، أي "الشرقية"، ويقصدون بها جهة المشرق. وتقابل لفظة "بني قديم" في العبرانية، وهي من بقايا المصطلحات العراقية القديمة التي تعبر عن مصطلح "شركوني" و "بني قديم".
هذا وقد عرف العربُ أن الروم يسمونهم "ساراقينوس"، وذكر "المسعودي" ان الروم إلى هذا الوقت "أي إلى وقته" تسمي العرب "ساراقينوس". وذكر خبرا طريفاً عن ملك الروم "نقفور" المعاصر لـ "هارون الرشيد" وزعم أن الرشيد "أنكر على الروم تسميتهم العرب ساراقينوس. وتفسيرهم ذلك عبيد ساره، طعناً منهم على هاجر وابنها إسماعيل، وأنها كانت أَمةّ لسارة، وقال: تسميتهم عبيد سارة، كذب".
وقد كانت منازل "القدمونيين"، "هقدمني"، "هاقدموني" "Kadmonites"، في المناطق الشرقية لفلسطين، أي في بادية الشام. ولما كان "قيدما" "kedemeh" هو أحد أبناء إسماعيل في اصطلاح "التوراة"، فيكون أبناء "قيدما" من العرب الاسماعيليين. وقد ذكر في موضع من التوراة انهم كانوا. يقطنون المناطق الشرقية لفلسطين قرب "البحر الميت" المعروف في العبرانية بـ "هايم هقدموني"، أي "البحر القدموني" "البحر الشرقي".
ونضيف أن لقب "الشرقاوي" ليس حكرا على جنوب وشرقي العراق بل هو موجود في مصر فالنسبة إلى محافظة الشرقية التي تقع شرقيها هي الشرقاوي وتلفظ مهموزة تارة وقافا حميرية أو جيما قاهرية تارة أخرى. ومن المشاهير الذين يحملون هذا الاسم الشاعر والأديب عبد الرحمن الشرقاوي والبطل الشعبي أدهم الشرقاوي وغيرهما.
* والخلاصة هي أن كلمة شروگ وشراگوة لا يمكن تأثيلها بدقة إلا في ضوء الجذر العربي الفصيح "ش ر ق" فهم إذن الشرقيون الشراقوة والشُّروق كجمع تكسير وقد لُفِظَت القاف هنا قافا حميرية أي جيما قاهرية كعادة أهل العراق وأجزاء واسعة من الجزيرة العربية بما فيها اليمن في زمن "گال تعالى"!
* * *
علاء اللامي - كاتب عراقي
...................
المصدر: علي د. جواد - المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام / الفصل الخامس عشر / نسخة إلكترونية/ -رقم الصفحة غير ثابت.