قضايا
علي عمرون: مواضيع الفلسفة في البكالوريا الجزائرية 2025

قراءة نقدية في بنية الأسئلة وإشكالاتها
(أولاً وقبل كل شيء، يجب أن تعرف كيف تطرح المشكلات. ومهما قيل [...] فالمشاكل لا تنشأ من تلقاء نفسها)... غاستون باشلار
فرش إشكالي
يثير امتحان الفلسفة في البكالوريا - لدى الدول التي تتسم بتقاليد فلسفية عريقة وراسخة - نقاشًا عموميًا واسعًا يشارك فيه الفلاسفة والمفكرون بل وحتى السياسيون. يعكس هذا التقليد المكانة الرمزية التي تحتلها الفلسفة كفضاء للتفكير الحر والمساءلة النقدية، ليس في جانبها الأكاديمي فحسب، بل في أبعادها الوجودية والقيمية. ذلك ان امتحان الفلسفة في البكالوريا، لا يجب اختزاله في مجرد تمرين تقويمي، بل هو في جوهره ممارسة ديمقراطية تُختبر فيها قدرة المجتمع على إنتاج السؤال الحر، وقدرة المنظومة التربوية على صون الاستقلالية الفكرية لما نطلق عليه مصطلح "المواطن الحر والمسؤول". مواطن يفكر بعقلانية ويتقبل الاخر المخالف له بغيرية كريمة.
لكن المشهد يختلف جذريًا في السياق الجزائري، فأسئلة بكالوريا 2025 في مادة الفلسفة (خاصةً في شعبة آداب وفلسفة، وبدرجة أقل في شعبة اللغات الأجنبية) لم تُثِر نقاشًا فكريًا، بل خلَّفت صدمةً نفسية جماعية تحولت إلى موجة إحباط وعنف لفظي موجَّه نحو الأساتذة. وهنا يبرز سؤال مركزي: لماذا فشل الامتحان في أن يكون مناسبةً للمساءلة النقدية، وتحول إلى فضاء للتفريغ العاطفي؟ أليس هذا التحول دليلاً على أزمة بنيوية في تعليم الفلسفة في بلادنا؟ أزمة لا تقتصر على صعوبة الأسئلة أو غموضها، بل تتجاوز ذلك إلى غياب ثقافة النقد المؤسساتي، واستبدال الحوار العقلاني بلغة التهم المتبادلة.
إن جوهر المشكلة لا يكمن في ردود الأفعال العاطفية للتلاميذ، ولا في النكت السلبية والتعليقات التهكمية التي يتبادلها بعض الأساتذة، ولا في شعار "أنا ضد امتحان الفلسفة الذي يخالف المقالات المتوقعة إذن أنا موجود" التي يروج لها بعض السذج من الدخلاء على تدريس الفلسفة او المنتسبين إلى السياسة ممن يعانون من عطب فكري ويفتقرون إلى ملكة النقد. بل تكمن المشكلة في السياق التربوي الذي يحوّل الامتحان من أداة للتقييم إلى مصدر للقلق بدلاً من أن يكون فرصة للتأمل. فبينما يُنظر إلى الامتحان الفلسفي في الدول ذات التقاليد الفلسفية على أنه "مختبر للأفكار"، فإنه يتحول عندنا إلى "محكمة إقصاء" تعاقب غياب التلميذ ولا تُقيِّم أفكاره. تفضح عجز الأستاذ عن احتواء تلامذته داخل الثانوية وتضعه لوحده في قفص الاتهام.... هذا الاختلاف الجوهري يُظهر أن الإشكال ليس تقنيًا (كيف نُصمِّم الأسئلة؟) بل هو إشكال ثقافي وسياسي: فأي نموذج للعقلانية نريد ترسيخه عبر نماذج امتحانات الفلسفة؟ وهل نطمح إلى فلسفة تحرر العقول، أم إلى فلسفة تُدجنها تحت شعارات جوفاء؟
تحاول هذه الورقة تحليل هذا الانزياح من النقد إلى العاطفة، ليس من خلال تبني الخطاب الانفعالي، بل عبر مساءلة الشروط الهيكلية التي حوَّلت الامتحان من فعل فلسفي (على حد تعبير فوكو) إلى أزمة نفسية-اجتماعية.
في الواقع، لا تدَّعي هذه المقالة أنها دراسة في "ديداكتيك الفلسفة" بمعناها الأكاديمي، ولا هي "تقويم تربوي" بالمعنى الدقيق (الذي يقوم على جمع البيانات وتحليلها لقياس مدى تحقق الأهداف التعليمية). بل هي قراءة نقدية تحاول تفكيك المضامين الفلسفية لمواضيع البكالوريا 2025، ومساءلة مدى اتساقها مع:
- المنهاج الرسمي ودليل بناء الاختبارات
- المقاربة بالكفايات التي تؤكد على بناء القدرات النقدية عوضًا عن الترديد
- العدالة البيداغوجية عبر مراعاة الفروق الفردية ومستويات التلاميذ
وهنا نطرح التساؤلات التالية:
- هل نجحت المواضيع المقدمة في قياس الكفايات الفلسفية (كالتحليل والنقد والمقارنة...) أم أنها كرَّست منطق الأجوبة الجاهزة، فحولت الامتحان إلى مجرد استدعاء لـمقالات مستنسخة معدَّة سلفًا؟
- ما مدى التزام النصوص المختارة بالمشكلات الفلسفية الحقيقية التي تنمي الفكر، بدلاً من أن تكون نصوصًا مُفرغة من الإشكالية؟
- هل ساهمت هذه المواضيع في تحرير التلميذ من هيمنة الدرس الخصوصي والتبعية للأستاذ، أم أنها أعادت إنتاج منطق التبعية عبر صيغ نمطية يمكن "حشوها" دون فهم؟
- لماذا تم إقصاء منهجية الاستقصاء (بالرفع أو النقد) من الامتحان، رغم أنها الأقرب إلى روح الفلسفة النقدية؟ وما مبرر تغييب المقالة المقارنة في الشعبة الأدبية؟
- هل النصوص المختارة مناسبة لمستوى "التلميذ المتوسط"، أم أنها تكرس فجوة بين المضمون الفلسفي العميق وضعف الأدوات اللغوية والمعرفية لدى التلاميذ؟
- ما الجدوى من تضمين المنهاج محاور وموارد معرفية لا حضور لها في الامتحان، مما يُربك الأستاذ ويحمله مسؤولية لا تتسق مع الغاية المعلنة؟
من التفسير والتبرير الى النقد والتقييم
أولا: الموضوع الثاني شعبة آداب وفلسفة:
يرى بول ريكور:" أن التحليل النفسي أقرب إلى التأويل منه إلى العلم" – دافع عن هذه الأطروحة.
تحليل الشكل والمضمون:
يُعتبر السؤال صياغةً مقبولةً من حيث الشكل، إذ يستوفي شروطَ المقال الاستقصائي الذي يقيس كفاءةَ الدفاع عن موقفٍ بالبرهنة. ومنطوقه حسب ما يفرضه منطق العبارة يحيل إلى إشكاليةٍ فلسفيةٍ تتعلق بطبيعة التحليل النفسي: هل هو علمٌ أم تأويل؟
وبالعودة إلى كتاب "فرويد والفلسفة" (1965)، او الفصل المعنون من التحليل النفسي إلى سؤال الذات، - ثلاثون عامًا من العمل الفلسفي- وهو جزء من كتاب حوارات النقد والاقتناع مع بول ريكور؛ فرانسوا أزوفي؛ مارك بي دي لوناي . نجد أن العبارة الواردة في نص السؤال تتعارض مع رؤية بول ريكور للأسباب التالية:
أ. وجود أخطاء في الصياغة:
1. الاختزال: المقولة الواردة في السؤال حولت رؤية ريكور إلى مقارنة كمية من خلال عبارة ("أقرب إلى")، بينما هو يرفض هذه الثنائية أساسًا التي تفصل بين التأويل والعلم.
2. التحيز: افتراض أن التأويل نقيض العلم، في حين أن ريكور يطرح "العلم التأويلي" كتصورٍ ثالثٍ يتجاوز هذا الانقسام بين النظرة العلمية والفهم الفلسفي.
3. التجاهل: إغفال مصطلحه المحوري "العلم التأويلي"، الذي يجمع بين المنهجية الصارمة وفهم المعنى.
ب. ريكور يمثل رؤية تركيبية
فهو لا يرى التحليل النفسي لا كـ"علم طبيعي" (بالمعنى الوضعي) ولا كـ"تأويل أدبي"، بل كـممارسة تأويلية مؤسسة علميًا، تتميز بـمعايير علمية خاصة: من حيث ان له منهجية صارمة (التداعي الحر، تحليل الاعراض العصابية ).ولكونه يشتمل على نظرية متماسكة (الهو، الأنا، الأنا الأعلى)ويمتلك القدرة على إنتاج معرفة قابلة للتطوير.
وبالتالي نصل الى ان المقولة تفتقر الى الدقة لان العبارة تخلق وهما لدى الطالب بأن ريكور ينفي العلمية عن التحليل النفسي، بينما هو في الحقيقة:
- يرفض النموذج الوضعي للعلم (الفيزياء/الكيمياء) فقط.
- يقترح نموذجًا بديلًا للعلمية في العلوم الإنسانية، قائمًا على:
- فك الشفرات الرمزية (كما في التاريخ أو الأنثروبولوجيا)
- البناء السردي (إعادة صياغة التجربة الإنسانية). وبالمحصلة المقولة تُخفي إسهام ريكور الرئيسي الذي اشتغل على تجاوز ثنائية "علم vs تأويل" وتتجاهل مفهومه عن "التأويل العلمي" الذي يرفض الاختيار بين المنظورين.وتُبسِّط موقفًا فلسفيًا معقدًا إلى مقارنةٍ كميّةٍ غير ذات معنى.
- بالعودة الى تدرجات الفلسفة في محور الشعور واللاشعور نجد من حيث الموارد المعرفية عنصرين هما: نظرية التحليل النفسي والحياة النفسية، اللاشعور بين الحقيقة العلمية والتصور الفلسفي ويقتضي السير المنهجي المرور الى هذا التساؤل: هل لمكبوتاتنا النفسية دخل في تحديدا مدركاتنا؟ وهذه العناصر الثلاثة لا تساعد على معالجة المشكلة التي يثيرها نص السؤال وربما كان من الاصوب ادراج هذا السؤال (هل لمكبوتاتنا النفسية دخل في تحديدا مدركاتنا؟) ضمن مواضيع البكالوريا لانه يتوفر على الخصوبة الفلسفية
الموضوع الأول: "هل الفعل الأخلاقي هو امتثال لسلطة العقل فحسب؟"
- تفكيك البنية المفاهيمية للسؤال:
أ- الأداة الاستفهامية "هل": تشير إلى طبيعة الإشكال المطروح الذي يتطلب حلا جدليا، حيث تفتح المجال أمام احتمالين متعارضين: التأسيس العقلي المحض للأخلاق من جهة، وإمكانية وجود مصادر أخرى للفعل الأخلاقي من جهة أخرى.
ب- المفهوم المحوري "الفعل الأخلاقي": يحيل إلى السلوك الإنساني الخاضع للحكم القيمي، والذي يشكل موضوع الدراسة الجوهرية للفلسفة العملية. يتضمن هذا المفهوم إشكالية التمييز بين:
- البعد المعياري (ما ينبغي أن يكون)
- والبعد الوصفي (ما هو كائن)
ج- مصطلح "سلطة العقل": يحتاج إلى تحليل دقيق بسبب حمولته الإشكالية:
- من الناحية الاشتقاقية: يعود الجذر (س ل ط) إلى معاني القهر والغلبة (ابن فارس، مقاييس اللغة)
- في الاستعمال الفلسفي: يشير إلى ثنائية إشكالية بين:
- العقل كمشرّع ذاتي (كانط)
- والعقل كسلطة خارجية (في التصورات الدوغمائية)
نقد الصياغة الاصطلاحية: اذا كان المقصود بالسؤال هو توظيف المذهب العقلي في الاخلاق ( افلاطون، كانط ....) فانه يجب الإشارة الى ان كانط لم يستخدم مصطلح "سلطة العقل" بالمعنى الحرفي في كتاباته الأخلاقية، بل تحدث عن:
- سيادة العقل، الأمر المطلق، الإرادة الخيّرة كمشرّع ذاتي للأخلاق..... ومصطلح "سلطة العقل" يُشكل تناقضا في فلسفة كانط، لان الأخلاق الكانطية تقوم على استقلالية الإرادة (Autonomie)، حيث الفعل الأخلاقي ليس خضوعًا لسلطة خارجية (حتى لو كانت العقل)، بل هو تشريع ذاتي من خلال الإرادة الخيرة والعقل ليس "سُلطة" بل "مشرّع داخلي" ففي "أسس ميتافيزيقا الأخلاق"، يؤكد كانط أن القانون الأخلاقي يصدر من الإرادة العاقلة نفسها، لا من سلطة مفارقة. ومن ثمة اللغة الكانطية الدقيقة:تستخدم مصطلحات مثل:
- "حكم العقل" (Urteil der Vernunft)
- "قانون العقل" (Gesetz der Vernunft)
- "ضرورة عقلية" (Notwendigkeit der Vernunft).
هذه المصطلحات تُظهر أن العقل يُوجّه ولا يُسيطر.
كذلك لم يستخدم سقراط مصطلح "سلطة" بالمعنى السياسي أو الإكراهي، لكنه طرح فكرة "حكم العقل" كمرجعية أخلاقية:ففي حوارات أفلاطون ( مثل دفاع سقراط وجورجياس )، يؤكد سقراط أن الفضيلة معرفة، وأن الشر ينبع من الجهل.فالعقل هنا ليس "سلطة" بالمعنى الاستبدادي، بل "قوة إرشادية" تكتشف الحقائق الأخلاقية عبر الحوار .
في "الجمهورية أفلاطون يتحدث عن "هيمنة طبيعية" للعقل كجزء من تناغم النفس، لا عن "سلطة" بمعنى القسر.، يصف أفلاطون العقل كجزء من النفس "يحكم" الجزأين الآخرين (القوة الغضبية والقوة الشهوانية)، لكنه يستخدم مصطلحات مثل:
- "القيادة: أي توجيه العقل للرغبات، لا قمعها.
- "العدالة: كتوازن تحققه حكمة العقل.
- في "فيدون"، يشبّه العقل "سائق العجلة" الذي يضبط الخيل (الرغبات)، لكن هذا تشبيه بـ"توجيه" لا بـ"قهر".
- - نلاحظ ان هذه الصياغة مستهلكة فقد ورد مايتطابق معها في بكالوريا 2020 (هل تستند الاخلاق في مرجعيتها الى المجتمع فقط؟) وكان من الحكمة الانفتاح على تساؤلات أخرى اكثر عمقا من قبيل:( هل يجدر بالإنسان أن يكون فاضلاً حتى ولو كان ذلك سببًا في شقائه؟)، هل يمكن أن تكون الرأسمالية أخلاقية؟ هل تؤدي العولمة الاقتصادية إلى تفكك الروابط الأسرية؟
- نسجل أيضا ان المخطط الجدلي (أطروحة،نقيضها، التركيب ) نمطي مستهلك وكان ينبغي، مراعاة الجدّة والإبداع في وضع مخططات أخرى كما هو معمول به في دول كثيرة . والمخطط الجدلي في صورته الحالية تعرض لانتقادات كثيرة لانه اسقاط تعسفي لصيغ جاهزة والمترشحون يرون فيه حلا سهلا ومغريا إما بالحفظ او الغش ...
الموضوع الثالث: (النص):
1- الشكل:
- النص المقترح سواء في إخراجه أو تقديمه لا يلتزم بمقاييس انتقاء النصوص الفلسفية: كتوظيف تقنيات الكتابة بحيث يحترم الرجوع إلى السطر، وتحدد الفقرات بحيث تكون وظيفية، وتشكل كل الكلمات بالضرورة، وتشرح المستغلقات منها عند الضرورة .
- ومع ذلك، النص مقبول من حيث الحجم واللغة والترجمة.
2- المضمون:
- النص يركز على السرد التاريخي لتحوّل علم النفس أكثر من كونه يُثير إشكالية فلسفية قابلة للنقاش (مثل: هل يمكن دراسة الحادثة النفسية دراسة علمية؟ كيف تجاوز العوائق التي تطرحها الظاهرة النفسية؟). بحكم ان النص يفترض ان له علاقة بمحور العلوم الإنسانية وتحديدا الظاهرة النفسية من حيث (خصائصها –العوائق التي تطرحها– تجاوز العوائق من خلال تعدد المناهج وتكييف التجربة).
- يُشبه النص نصاً تاريخياً أو علمياً أكثر منه فلسفياً، لأنه يصف وقائع دون طرح تساؤلات نقدية مما افقده البعد الإشكالي:
- هذا النص يُجيب أكثر مما يُسائل، مما يحدّ من قدرة الطالب على تقديم تحليل فلسفي عميق.
- يفتقر الى الدقة في ذكر تاريخ تدشين فونت لأول مختبر في علم النفس حيث ربطه بسنة 1875 والاصح هو ان التاريخ الرسمي المُعترف به دوليًا لتأسيس أول مختبر مخصص لعلم النفس التجريبي هو 1897وهذا ما أكده فونت في مذكراته:" عندما انتقل المعهد إلى مبناه الجديد في خريف عام 1879، تم اتخاذ جميع الاستعدادات لبدء العمل والتدريبات على الفور. يعمل مختبر علم النفس التجريبي، الذي لا يزال موجودًا حتى اليوم، في هذه المباني منذ ذلك الحين. يتكون من أربع غرف كبيرة وعشر غرف أصغر. إلى جانب مكتب المدير ومكتبي المساعدين، يضمّ المركز جناحًا من الغرف المطلة على الجنوب، مُخصّصًا للأبحاث البصرية، بينما يُخصّص جناح آخر مُطلّ على الفناء، مُحميّ من الضوضاء الخارجية بنوافذ مزدوجة، لأغراض أخرى. كما تتوفر قاعة قراءة واسعة وورشة ميكانيكية صغيرة كغرف مساعدة. وتُكمّل هذه المرافق غرفة تحميض بجدران وأثاث مطليّين باللون الأسود، وغرفة هادئة، مبنيّة بجدران مزدوجة "
حيث:
- تم الاعتراف بالمختبر من قبل الجامعة.
- نُشرت أبحاث فونت بشكل منهجي (مثل دراساته عن الزمن العقلي والإدراك).
- بدأ قبول طلاب رسميين (مثل إدوارد تيتشنر، الذي نقل الأفكار إلى أمريكا).
- التواريخ في التاريخ العلمي ليست مجرد أرقام، بل تعكس مراحل تطور المنهجية
وإغفال هذا الفرق قد يُضعف مصداقية النص أمام القارئ المتمكن.
- المصادر الموثوقة:
- موسوعة بريتانيكا
- كتاب "تاريخ علم النفس" لـ إدوين بورينغ (Boring, 1929).
- لم يكن فونت "وحده" سبب الاستقلال: يقول في مذكراته:" لطالما اعتبرتُ منحةً خاصة من القدر أن أُتيحت لي فرصة لقاء الرجلين اللذين أثّر عملهما في دراساتي النفسية في لايبزيغ أكثر من أي شخص آخر أستطيع ذكره: إرنست هاينريش فيبر وغوستاف ثيودور فيشنر. لقد تمكنتُ من التواصل مع فيشنر لعدة سنوات. تذكرتُ بامتنان ساعات هذا التفاعل التي لا تُنسى في خطابي الذي ألقيته نيابةً عن جمعية العلوم الساكسونية في 11 مايو 1901، في الذكرى المئوية لميلاده (خطب ومقالات، ص 254 وما بعدها). أطلق فيشنر، الذي كان أصغر منه ببضع سنوات، على إرنست هاينريش فيبر لقب "أبو علم النفس الفيزيائي". أشك في ذلك. هذا الاسم مناسب. مُبتكر علم النفس الفيزيائي هو في كل الأحوال فيشنر نفسه. لكنني أُفضّل أن أُطلق على ويبر لقب أبو علم النفس التجريبي. من وجهة نظر علم النفس المعاصر، هذا أبعد من ذلك بكثير، ولكنه في كل الأحوال شيء مختلف تمامًا. إن إنجاز ويبر العظيم هو أنه كان أول من استوعب وطبق فكرة قياس الكميات النفسية وإقامة علاقات دقيقة بينها"
- الحديث عن معمل فونت التجريبي واستخدامه للأجهزة العلمية دون الإشارة إلى منهج الاستبطان يُعدّ قصورًا جوهريًا في فهم وإيصال حقيقة إسهاماته لان الاستبطان هو "العمود الفقري" لمنهج فونت واستخدام الأجهزة في مختبره لم يكن غايةً في حد ذاته، بل وسيلة لـ ضبط الاستبطان وجعله علميًا. وإغفال الاستبطان يُوحي بأن فونت كان سلوكيًا (وهو خطأ تاريخي).
- فونت نشر أبحاثه في سلسلة مستقلة بعنوان "دراسات فلسفية" (1883-1902)وسبب هذا الاختيار:
01- احتواء بعض الأبحاث على أسس نظرية فلسفية
02- الرغبة في تأكيد ان علم النفس الجديد لا يمكن فصله فصلا مطلقا عن الفلسفة فهو علم ذو بعد فلسفي
03- الرد على منتقدين وصفوا علم النفس التجريبي بـ"المادية القديمة"
وعليه يجب التأكيد على النص الفلسفي المتميز له خصوصيات تميزه قياسا بالنص العلمي او الادبي مثلا، نص يجب أن يقرأه التلميذ بعناية ويولي اهتمامًا ليس فقط لما يقوله، ولكن أيضًا لما لا يقوله. وبالتالي، يمكن قياس المسار المتخذ عند تحليله بين القراءة الأولية غير النقدية والقراءة المستنيرة، ويجب علينا أن ندرك أن النص ليس أمرًا مسلمًا به بل مشكلة لذلك يجب على النص في شهادة البكالوريا ان تكون: لديه قوة التوضيح والتساؤل، وقوة المعرفة، وكذلك قوة النقد التي تشكل الفكر. نص يربط التلميذ بتاريخ الفلسفة وتاريخ الأفكار بقطع النظر عن كاتبه. ففي الفلسفة تكون المشكلة مخفية، مُغلّفة ببيان الموضوع: وحدها قراءته الصحيحة والدقيقة (التي تُعدّ في الأصل تفسيرًا، ومنحًا للمعنى) تُمكّن المرء من الانتقال من الموضوع إلى المشكلة.
من هنا يُمكننا استنتاج أن الطلاب أقلّ ميلًا للانخراط في أسئلة عامة ومُجرّدة، لا معنى لها بالنسبة لهم لعدم القدرة على الإجابة عليها؛ أسئلة، علاوة على ذلك، لا تفرضها الحياة نفسها، أو ضجيج العالم وغضبه، بل في إطار منهج دراسي مُكتمل بمنظور الامتحان والتقييم. وعليه لابد من الانفتاح على طرق جديدة وتساؤلات ونصوص تتضمن مشكلات يشعر الطالب بطريقة ما بأنه تلامس واقعه متجاوزًا موقف المُشاهد المُنعزل.
ملاحظة
تم التركيز على شعبة اداب وفلسفة كنموذج اما باقي الشعب فهي لاتزال تحت رحمة الأسئلة النمطية المكررة وقد أشرنا الى هذا المأزق في مقالات سابقة.
***
علي عمرون – أستاذ فلسفة