قضايا

وسن مرشد: العدالة والمساواة وانعكاسها على التكافل الاسري

العدالة الاجتماعية مقصد شرعي، وقيمة أخلاقية مهمة في نهضة المجتمعات وبناء الدول الراشدة.

وتعتبر العدالة الأجتماعية غاية وليست وسيلة، وتطبيقها غالباً مايكون نسبياُ.

معالمها لاتأتي من فراغ أنما لغاية تتلخص فكرتها في تحقيق مبدأ المساواة، والعدل، والرخاء، وتحقيق التوازن بين حقوق الأفراد ومسؤولياتهم او التزاماتهم تجاه المجتمع.

وهي مفهوم ملتبس، والبعض يراه مجرد تجريد عقلي لا سبيل إلى تطبيقه في عالم الواقع، وما مطبق من العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ليس إلا محاولات تهدف إلى الحفاظ على الحقوق التي اقرها القانون الطبيعي والأخلاقي.

والعدالة الاجتماعية مفتاح مجاني وطوعي لتحقيق مبدأ المساواة الذي ينطوي على شفرة اساس تبدأ من رأس الهرم (العدالة)، وتنتهي بتحقيق اهدافه.

ولن تتحقق عدالة اجتماعية كاملة، ولن يضمن لها التنفيذ والبقاء، ما لم تستند إلى شعور نفسي باطن باستحقاق الفرد لها، وبحاجة الجماعة إليها، وبعقيدة في أنها تؤدي إلى طاعة الله، وإلى واقع إنساني أسمى.

اول مبدأ لتحقيق العدالة هو الاسلام وقوانينه السمحة، فبدأ بتحرير الوجدان البشري من عبادة أحد غير الله، ومن الخضوع لأحد غير الله، فما لأحد غير الله من سلطان، وما من أحد يميته أو يُحييه إلا الله، وما من أحد يملك له ضراً ولا نفعاً، وما من أحد يرزقه من شيء في الأرض ولا في السماء، وليس بينه وبين الله وسيط ولا شفيع، والله وحده هو الذي يستطيع، والكل سواه عبيد، لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم شيئا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.

واصولها تتوثق من جملة اساسيات اهمها:

العلاقات الأسرية:

تزهو العلاقات الاسرية عندما يُمارَس العدل والمساواة داخل الأسرة، يشعر جميع أفراد الأسرة بالتقدير والاحترام، مما يعزز الروابط الأسرية ويُقوي العلاقات بين أفرادها.

توفير بيئة صحية للأطفال: يشعر الأطفال بالأمان والقبول عندما يتم تطبيق العدل والمساواة في الأسرة هذا يساعدهم على النمو بشكل صحي وسليم.

يعرض تقرير المفوّضة السامية لعام 2021 خطة مؤلفة من أربع نقاط تنصّ على 20 توصية قابلة للتطبيق تهدف إلى القضاء على العنصرية النظمية وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الموظفون المكلفون ضد الإنسان، وهي:

1-اتخاذ الإجراءات:

عن طريق الغاء ثقافة الإنكار، وتفكيك العنصرية النظمية، وتفعيل مبدأ الكل سواسية في العمل، وعدم استعمال اسلوب التفضيل، والأنحياز لشخص من دون آخر.

2- السعي لتحقيق العدالة:

يتحقق ذلك عند عدم اقرار قانون العفو العام للسجناء، والذي بدوره يفسح مجالاً كبيراً لعدم المساواة.

3-الاستماع:

يعد سيد الموقف أن كان يكفل ضمان اصوات الكل.

4- جبر الضرر:

بوساطة استعمال اسلوب المواجهة، وهنا يقدم مبدأ المساواة وجبر الضرر المفتعل بقصدية.

وهنا يمكننا القول: بإن العدالة الأجتماعية تُعتبر احدى القيم الأساسية التي يسعى المجتمع العالمي الى تحقيقها، وتعني توفير الفرص المتساوية لجميع الأفراد، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية، الاقتصادية أو الثقافية.

ومع تزايد الفجوات في مختلف أنحاء العالم، تبرز التحديات التي تواجه مفهوم العدالة الاجتماعية، كما تظهر الفرص التي يمكن استغلالها لتحقيقها.

التحديات تُعد الفجوات الاقتصادية احدى أكبر التحديات للعدالة الاجتماعية، اذ يعيش جزء كبير من سكان العالم في فقر مدمج، بينما تتركز الثروات في أيدي قلة قليلة، وتساهم السياسات الاقتصادية غير المتكافئة، وزيادة التفاوت في توزيع الدخل في تفاقم هذه الفجوات، مما يعيق تحقيق العدالة الاجتماعية.

التمييز العنصري والجنسي، اذ لا يزال هذا التمييز يمثل عائقاً كبيراً أمام العدالة الاجتماعية، ففي هذا المجال تتعرض مجموعات اجتماعية للتهميش، وتُحرم من الفرص المتاحة، مما يزيد من حدة الفجوة بين الطبقات، ويتطلب التصدي لهذا التحدي وضع سياسات فعالة تهدف إلى مكافحة التمييز، وتعزيز الشمولية.

تغير المناخ، فهو تحد عالمي آخر يؤثر بشكل غير متساوٍ على الفئات الأكثر ضعفا، فالتأثيرات السلبية للتغير المناخي غالباً ما تؤثر بشكل أكبر على المجتمعات الفقيرة، التي لا تملك الموارد الكافية للتكيف مع تلك التغييرات.

لذا، فإن تحقيق العدالة الاجتماعية يستلزم التعامل مع قضايا البيئة، وبناء مجتمعات قادرة على مواجهة التحديات البيئية. الفرص تعزيز التعليم، اذ يُعتبر احدى الأدوات الفعالة لتعزيز العدالة الاجتماعية، فمن خلال توفير فرص تعليمية متساوية، يمكن تقليل الفجوات، وزيادة قدرة الأفراد على تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ويجب أن تُبذل الجهود لتوفير التعليم الجيد للجميع، خاصة للفئات المهمشة.

التكنولوجيا والابتكار تُعد التكنولوجيا أداة قوية يمكن استخدامها لتعزيز العدالة الاجتماعية، فمن خلال الابتكارات التكنولوجية، يمكن تحسين الوصول إلى المعلومات والخدمات، مما يُسهم في خفض الفجوات، بشرط استغلال التكنولوجيا بشكل عادل لضمان استفادة الجميع. السياسات العامة المستدامة، اذ تستطيع الحكومات وضع سياسات عامة تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، من خلال تنفيذ برامج تهدف إلى دعم الفئات الأكثر ضعفاً، مثل توفير الرعاية الصحية والإعانات الاجتماعية، يمكن تحسين الظروف المعيشية وتعزيز العدالة.

في الختام، تُعد العدالة الاجتماعية هدفاً مهماً يحتاج إلى جهود متكاملة لمواجهته، رغم التحديات العديدة، إلا أن هناك فرصاً مهمة يمكن استغلالها لتحسين الوضع الحالي، فمن خلال التعاون بين الحكومات، المنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني، يمكن بناء عالم أكثر عدالة وإنصافا للجميع.

إن تحقيق العدالة الاجتماعية ليس مجرد هدف، بل هو ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للجميع.

***

د. وسن مرشد محمود

جامعة تكنلوجيا المعلومات والاتصالات

في المثقف اليوم