قضايا
بتول فاروق: أمان المرأة مع الشريك في المجتمع المسلم

لم يختبِر الرجل العادي في المجتمع المسلم مشاعر التهديد المستمر في كرامته أو شخصيته النرجسية، أو حتى في غروره الإنساني. لم يشعر بخطر عاطفي دائم أو بغيرة على شريكه خشية أن يتركه في أية لحظة ويرتبط بآخربعلمه أدون علمه ، ليجد نفسه في علاقة ثلاثية الأطراف. إن منح أحد الشريكين حق الارتباط بآخر في أي وقت يشاء، يخلق حالة من القلق العميق لدى الطرف الآخر، ويجرده من الإحساس بالأمان العاطفي اللازم لأي علاقة حميمة طويلة الأمد، حتى وإن لم يستعمل هذا الحق في الواقع، فمجرد وجوده كإمكانية شرعية وقانونية يكرّس عدم التكافؤ، ويضع الطرف المحروم من هذا الامتياز تحت ضغط نفسي دائم.
ما هدف العلاقة الزوجية في التصور الإسلامي؟
في الأدبيات الإسلامية والاجتماعية السائدة، غالبًا ما يُصوَّر الزواج على أنه وسيلة لتلبية حاجات جسدية بحتة. وعلى الرغم من أن القرآن وصف العلاقة الزوجية بأنها تقوم على “المودة والرحمة”، فإن الفقهاء لم يعاملوها كشراكة إنسانية متبادلة، بل اختزلوها إلى “عقد معاوضة” — تبادل منفعة مقابل مال. وهكذا، صيغ الزواج بوصفه معاملة مالية لا تختلف كثيرًا عن البيع أو الإيجار: يُدفع المال لقاء منفعة الجسد.
هذا التركيز على البعد الجسدي للمرأة حوّل العلاقة إلى معادلة منفعيّة صرفة، حيث تصبح الزوجة طرفًا ممنوعًا من إقامة علاقة متعددة، ويُختزل دورها في الحصول على المأكل والمشرب والمسكن. ولا يُعدُّ خروج الزوج إلى علاقات أخرى أمرًا مستهجنًا، طالما أنه مستمر في “الإنفاق”، فحقوق الزوجة محصورة في هذه الحاجات البيولوجية. أما هو، فله الحق في “الحرث” متى شاء وكيفما شاء، بينما تُمنع هي من العمل أو الحركة بحرية دون إذنه، وتُجبر على التبعية الكاملة، بدعوى أنها قد باعت حق الانتفاع من جسدها.
وفق هذا المنطق، تُصوَّر المرأة على أنها تملك “الرقبة” (ذاتها)، لكنها لا تملك “المنفعة”، ما يتناقض مع فكرة أن الإنسان مالك لذاته. وهكذا، تجد المرأة نفسها محاصرة بين خيارين كلاهما قاسٍ: إما الامتناع عن الزواج، مما يعرّضها للوصم الاجتماعي والنبذ، أو الدخول في علاقة زواج تُقيّد حريتها بالكامل، ولا يمكنها الخروج منها إلا بموافقة الطرف الآخر، غالبًا عبر عملية تعسفية لا تراعي إرادتها ولا كرامتها.
صناعة عالم غير إنساني للمرأة
تم تصميم عالم المرأة في المجتمع المسلم ليخدم تصورات الرجل ويحقق امتيازاته. فهو يستند إلى مفاهيم دينية واجتماعية تشرّع له التعدد، دون الاكتراث لمشاعر المرأة، التي تُعتبر رفاهية أو نوعًا من الكفر أو السخف. أما غيرته هو — التي قد تصل حد التملك المرضي — فلا يُنظر إليها بوصفها عيبًا، بل كدليل “رجولة”.
والأدهى من ذلك، أن تفاني المرأة داخل الأسرة لا يمنحها أي امتياز إنساني حقيقي. فالمنظومة الأسرية بُنيت على هيمنة الرجل، بحيث يكون هو السيد المطاع، وهي الأجيرة التابعة، التي فقدت حقها في التصرف في حياتها بعد أن أجّرت جسدها إلى الأبد. ولا خيار متاح لها سوى الخضوع لهذا العقد لتنال القبول المجتمعي.
تغيّر الموازين الحديثة
لكن هذه المنظومة لم تعد تُرضي النساء. فقد بدأن يدركن أن الشريك لا يُمثل قيمة مضافة في حياتهن بقدر ما يُمثل عبئًا يتطلب موارد ضخمة نفسية ومادية. في الوقت الذي يُتوقع من المرأة أن تعمل، وتربي، وتُنفق، وتدير شؤون الأسرة، لا يُطلب من الرجل سوى توفير الحد الأدنى من النفقة — التي كثيرًا ما تتحملها المرأة نفسها في الواقع.
وهكذا، انقلبت المعادلة: الرجل لم يعد “المُعيل” كما تصوره النصوص، بل أصبح هو من يستهلك موارد المرأة دون مقابل حقيقي. ولذا، لم يعد حضوره ضروريًا في حياة المرأة المعاصرة كما كان يُصور في السابق. أما التعدد، الذي لطالما برره الرجل بكونه غير مهم في حياة المرأة، فقد ثبت أنه كذلك بالنسبة له أيضًا؛ لأن المرأة قادرة على أداء جميع الأدوار بكفاءة عالية، في حين يظل مردود الرجل — ماديًا ومعنويًا — محدودًا مقارنة بما تبذله المرأة من جهد في الأسرة والمجتمع
***
د. بتول فاروق/ النجف