قضايا
صوفيا روزليك: ثورة في التكنولوجيا.. البديل اليساري للذكاء الاصطناعي

بقلم: صوفيا روزليك - Sophia Roselake
ترجمة: رزكار عقراوي
***
إن التطور السريع والاندماج المتزايد للذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة قد أثارا نقاشات واسعة حول انعكاساته على المجتمع والاقتصاد والعلاقات الإنسانية. ويزداد القلق من أن المسار الحالي لتطوّر الذكاء الاصطناعي، الذي تقوده إلى حد كبير المصالح الشركاتية، قد يفاقم من عدم المساواة الاجتماعية القائمة ويقوّض القيم الديمقراطية.
ردًا على ذلك، بدأ يتبلور بديل يساري للذكاء الاصطناعي، يقوم على ضرورة أن تخدم التكنولوجيا مصالح المجتمع الأوسع، لا أن تكون وسيلة لتكديس الثروة في أيدي قلّة. هذا التوجه يدعو إلى تطوير أكثر شمولًا وعدالة وشفافية للذكاء الاصطناعي، يضمن أن تكون منافعه متاحة للجميع وأن يتم التخفيف من مخاطره.
جوهر هذا البديل يتمثل في فحص نقدي لبنى القوة والأنظمة الاقتصادية التي يقوم عليها المشهد الراهن للذكاء الاصطناعي. فهو يتحدى النموذج النيوليبرالي السائد الذي يعطي الأولوية للكفاءة والإنتاجية والربح على حساب الرفاه الإنساني والعدالة الاجتماعية. ويؤكد المدافعون عن البديل اليساري أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُطوَّر ويُستخدم بطرق تعزز الملكية الجماعية، والسيطرة الديمقراطية، والصالح العام. وقد يشمل ذلك مبادرات مجتمعية للذكاء الاصطناعي، ونماذج للملكية التعاونية، واستثمارات عامة في البحث والتطوير تضع الأهداف الاجتماعية والبيئية في المقدمة.
كما يتم التشديد على ضمان أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي شفافة وخاضعة للمساءلة وخالية من التحيزات التي تعيد إنتاج التمييز واللامساواة. ويتطلب ذلك مقاربة متعددة الاختصاصات، لا تقتصر على خبراء التقنية، بل تشمل علماء الاجتماع والأخلاقيات وممثلي المجتمعات المحلية في تصميم وحوكمة هذه التقنيات.
يسلط البديل اليساري للذكاء الاصطناعي الضوء أيضًا على أهمية حماية حقوق العمال وتعزيزها في عصر الأتمتة. فمع إحلال الذكاء الاصطناعي والأتمتة محل بعض الوظائف، تبرز الحاجة إلى شبكة أمان اجتماعي قوية، وبرامج مستمرة للتعليم وإعادة التأهيل المهني، إضافة إلى ضمان الدخل الأساسي الشامل بما يكفل مستوى معيشيًا لائقًا للجميع.
ويتجاوز هذا المنظور النطاق المحلي ليطالب باستجابة عالمية لتحديات الذكاء الاصطناعي، إدراكًا بأن تأثيراته لا تقف عند حدود الدول. لذلك يصبح التعاون والاتفاقات الدولية أمرًا ضروريًا لوضع معايير وقواعد مشتركة لاستخدام وتطوير الذكاء الاصطناعي، لمنع سباق تنافسي مدمر وضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي البشرية جمعاء.
قد يرى منتقدو هذا البديل أن مثل هذا النهج قد يعرقل الابتكار أو يقلل من الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي. لكن أنصار البديل يؤكدون أن بناء منظومة أكثر عدالة وديمقراطية يمكن أن يقود في المدى الطويل إلى تطورات تكنولوجية أكثر استدامة ونفعًا. فمن خلال إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية والعدالة الاجتماعية، يسعى البديل اليساري إلى خلق مستقبل تكون فيه التكنولوجيا أداة لتحسين جودة حياة الجميع، وليس امتيازًا محصورًا في قلة.
هذه الرؤية ليست خالية من التحديات، إذ تتطلب تحولات عميقة في طريقة تفكيرنا بالتكنولوجيا والاقتصاد والمجتمع. ومع ذلك، وأمام التداعيات العميقة للذكاء الاصطناعي، يقدم البديل اليساري منظورًا نقديًا وأملاً حقيقيًا في آن واحد، يفتح المجال لتصور مستقبل تُسخّر فيه التكنولوجيا للصالح العام.
إن تطوير هذا البديل عملية مستمرة تتطلب الحوار والتجريب والعمل الجماعي، ومشاركة طيف واسع من الأطراف الفاعلة: من صناع السياسات إلى التقنيين والناشطين وممثلي المجتمعات. ومن خلال هذا الجهد التشاركي، يمكن صياغة ذكاء اصطناعي يخدم البشرية بحق، ويعزز العدالة والمساواة والسلام.
ورغم أن الطريق نحو هذا الهدف سيكون معقدًا وشاقًا، إلا أن المكاسب المحتملة هائلة. فنحن اليوم نقف عند مفترق طرق بين التقدم التكنولوجي والتحولات الاجتماعية، حيث يشكل البديل اليساري للذكاء الاصطناعي منارة أمل لمستقبل أفضل. وهو يذكّرنا بأن الذكاء الاصطناعي ليس مسألة تقنية فحسب، بل قضية سياسية واجتماعية عميقة تتطلب فهمًا نقديًا لمفاهيم السلطة واللامساواة والعدالة. ومن خلال تبنّي هذا المنظور، يمكننا المضي نحو ذكاء اصطناعي يعزز الكرامة الإنسانية، ويدعم التضامن الاجتماعي، ويسهم في بناء عالم أكثر استدامة وعدالة.
في جوهره، يتمحور البديل اليساري للذكاء الاصطناعي حول إعادة تصور العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع والإنسانية، بهدف بناء مستقبل أكثر عدلًا وإنسانية وكرامة للجميع.
***
......................
* هذه المقالة كُتبت بالانكليزية في الأصل كتعقيب على أحد فصول كتاب رزكار عقراوي «الذكاء الاصطناعي الرأسمالي: تحديات اليسار والبدائل الممكنة» الذي نُشر في الموقع اليساري العالمي:
https://newpol.org/issue_post/the-leftist-alternative-to-artificial-intelligence/
وقد تضمّنت النسخة الإنكليزية رابطًا مباشرًا إلى أحد فصول الكتاب في نهاية النص. وتتناول المقالة بشكل مختصر القضايا التي طرحها الكتاب، وتشكل مساهمة قيمة في الحوار المستمر حول الرؤية اليسارية للذكاء الاصطناعي.
كما نُشرت أيضًا بشكل مستقل في موقع انكليزي يهتم بأهم الأخبار والأحداث والإصدارات في العالم: