قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة نقدية تأويلية في قصيدة "فوق سابع عشق" للشاعرة يسرا طعمة

فوق سابع عشق

بعيدةٌ فوق حدودِ الصوت والضوء، وجغرافيةِ الكلام كيانٌ يبني ملجأً خلف القَدر أنا البُعدُ حيث لا آخِر أنا ضحيَّةُ حُلم بلغَ قيامَتَه شَرَدَ من الصَّفعاتِ وخيانةِ الوسائدِ الفاضلة أتأمَّلُ أشيائي الساكنة صباي وكلَّ التفاصيل التي تتدافعُ في البال عَلَّها لم تهرم لم تبلً يرتِّبها الخيال أفراداً تنتظر العاشقَ الذي عاد وانتصر من هذا المكان القصيِّ بي عَنّي يضيق الأُفق في أخمص شوقي أُحطِّمُ جدران بحرٍ عتم تحاصرني هالاتُ ذكرياتٍ غافيةٍ في نظرة لومٍ وعتاب دموع تنهش الصدى حولي وحيٌ تنزّٓل من فوق سابع عِشق يرسمُ عينيك مدينةً من ماءٍ وطين زوارق تحملني إلى حضن السكينة ورسائل ذات أجنحة تبلغني آيات حب تطوي الغربة كطيّ السجل تعود إليّ أسراب قصائد لم تستطع أن تملأ خانات الفراغ أغلقْ دفاترَ لم تدوِّن حضورك فأنت الغيابُ الذي استقرّ أريدك وطناً لا متحفَ ذكريات

***

يسرا طعمة - سوريا

...................

القراءة النقدية:

قصيدة "فوق سابع عشق" للشاعرة السورية يسرا طعمة هي تجربة شعرية تأخذ القارئ في رحلة نفسية وروحية مع الذات الباحثة عن الأمان والهوية في ظل العشق والألم والغربة. تبدأ القصيدة بمقدمة تستعرض مفردات القوة والبعد، مثل "بعيدةٌ فوق حدودِ الصوت والضوء"، ما يخلق انطباعًا بأن الشاعرة تتحدث عن حالة من الغياب أو الابتعاد الشديد، ليس فقط عن المكان بل أيضًا عن الزمن والأحاسيس. هذا البُعد يتيح لها فرصة للتأمل والتفكير في الكيان الذي لا يصل إليه أحد.

اللامحدودية والتأمل في الذات: في هذه النقاط تبرز الشاعرة متأملة في "أشيائها الساكنة" من الماضي، محاولًة الحفاظ على هويتها ومشاعرها، متأرجحة بين حضور الماضي وغياب الحاضر. من هنا يظهر المعنى العميق للحلم الذي بلغ "قيامَتَه"، إذ يعكس الوصول إلى نقطة النهاية أو الاستنارة التي تقود الشخص إلى مرحلة من الفقدان أو التجدد.

علاقة العاشق بالغربة: تعبر الشاعرة عن الفقدان بمرارة، وتحاول عبر تمثيل "الوسائدِ الفاضلة" و"الصفعاتِ" تصوير التجارب الإنسانية القاسية، سواء كانت خيانة أو فقدان للأمان. يقترب هذا التوظيف من بناء الحزن الذي يكتنف الذات ويؤدي إلى انفصال داخلي عاطفي، لاسيما مع "دموع تنهش الصدى حولي"، مما يخلق صورة من الألم النفسي.

الرمزية والتخييل: واحدة من أبرز سمات هذه القصيدة هي غزارة الرمزية التي تنطوي على تصورات شعرية عميقة. فالقصيدة تخاطب مفاهيم "العشق"، "الحنين"، "الغربة"، و"الذكريات"، مستخدمة عناصر مثل "مدينةً من ماءٍ وطين" و"زوارق تحملني إلى حضن السكينة" لترمز إلى الإحساس باللجوء إلى حب قديم، أو إلى رغبة في العودة إلى جذور عاطفية أساسية، بعيدة عن مشاعر العزلة والفراغ.

الانتظار والعاشق: العاشق في هذه القصيدة هو أكثر من مجرد صورة لشخص آخر؛ فهو تعبير عن الأمل في العودة والتجدد، وهو "الذي عاد وانتصر". هذا الانتصار لا يعني بالضرورة الانتصار في الواقع، بل هو انتصار روحي أو عاطفي على الصعوبات والهموم. من هنا، تصبح القصيدة نصًّا تأويليًّا بامتياز، يتناول موضوعات الزمن، والحب، والوجود في صور تعكس تناقضات الإنسان بين الحنين إلى الماضي ورفضه.

الغربة والهويات المفقودة: إن الغربة، سواء كانت في المكان أو في النفس، تتجسد في العديد من النقاط في القصيدة. هناك إشارة إلى "أسراب قصائد لم تستطع أن تملأ خانات الفراغ"، ما يعكس حالة من العجز العاطفي، حيث تظل الكلمات عاجزة عن إعطاء معنى حقيقي للوجود المفقود. إضافة إلى ذلك، تعبير "أريدك وطناً لا متحفَ ذكريات" يكشف عن الرغبة في العثور على الاستقرار الحقيقي، بعيدًا عن مجرد تذكر الأشياء الماضية.

الختام: ختام القصيدة يظهر استقرار الغياب في الذات بقولها "أنت الغيابُ الذي استقرّ". هذا الاستقرار قد يكون صورة للقبول الداخلي بالغربة أو العجز عن التغيير. إن العودة إلى "وطن" وليس مجرد "متحف ذكريات" تشير إلى حالة من الإيمان العميق بضرورة التجدُّد والمصالحة مع النفس والمكان، مما يجعل القصيدة تبرز كوثيقة نفسية تتحدث عن رحلة الإنسان مع العشق والموت والتجدد.

خلاصة: إن "فوق سابع عشق" ليست مجرد قصيدة رومانسية، بل هي تأمل في البعد الروحي والفكري للإنسان الذي يعيش صراعاته الداخلية، بين العشق، والفقد، والعودة إلى الذات. تسلط القصيدة الضوء على محورية العواطف الإنسانية عبر صور أدبية عميقة، مما يجعلها أكثر من مجرد تجربة شعرية، بل رحلة تأويلية تسبر أغوار الروح.

***

بقلم: كريم عبد الله – العراق

في المثقف اليوم