قراءات نقدية
نهال غرايبة: مقاربة سيمائية للشكل الخارجي للغلاف والعنوان

في رواية "الطريق إلى سحماتا" لإبراهيم السعافين
حظيت العتبات النصية باهتمام بالغ في الدراسات النقدية الحديثة بوصفها من المفاهيم النقدية الحديثة في الدرس النقدي المعاصر الغربي والعربي، وأصبحت تشكل ظاهرة لا يغفل عنها لدورها المهم والتي أصبحت متصدرة للمشهد لا هامشية كما في السابق.
ويعود الفضل لهذا الاهتمام للناقد الفرنسي جيرار جينيت الذي قدم دراسة مفصلة عن العتبات وضبط المصطلح، وأولى اهتمام، وعناية للنص، ومكوناته. فهي تساهم في جذب القارئ وتشويقه وتستدعيه للغوص في عالم النص، وتنسج خطابًا روائيًا عن النص الإبداعي وترسل حديثًا عن المجتمع والعالم فهي شديدة الارتباط بالنص.
ويعد المنهج السيميائي بما يسخره من إمكانات للكشف عن دلالات العتبات، بوصفها نصوصا موازية وإشارات تكشف عن الدلالات المضمرة، وتجيب عن أسئلة العتبات وكيفية تشكلها بوابات للدخول الى متن الرواية وحدود العلاقة بين تلك العتبات وأفق التوقع عند المتلقي، ومن خلال هذا المنهج تم دراسة الشكل الخارجي للغلاف والعنوان في رواية "الطريق إلى سحماتا"، وتعد الأولى للدكتور إبراهيم السعافين، الصادرة عن دار الأهلية للنشر والتوزيع، لعام 2017م، وتقع في 300 صفحة من القطع المتوسط، تناولت قضية مقاومة الشعب الفلسطيني، وتصدّيه المستمرّ للمشروع الاستيطاني الصهيوني في وطنه، كما تحكي لنا قصص أبناء الأراضي المغتصبة عام 1948، وانتقال بعضهم إلى فلسطين المحتلة 1967، ومن ثم توزعوا بين بقاع العالم المختلفة، وتدور أحداث الرواية في عدد كبير من المحطّات: أمريكا، ومصر، ولبنان، والأردن، وكندا، والكويت، وفلسطين.
سيميائية الغلاف
يعد الغلاف الخارجي لأي عمل إبداعي مكتوب أول واجهة مفتوحة أمام القارئ، والعتبة الأولى التي تصافح بصر المتلقي وتهيئه لتلقي العمل، لذلك أصبح محل عناية واهتمام الشعراء والكتًاب، فالغلاف الخارجي يتضمن كل ما يحيط بالرواية فهو يعد واجهة إشهارية وتقنية يقدم بها الكاتب روايته للقراء.
يخضع الغلاف إلى منطق مزدوج بين صاحب الراوية والقارئ الأول لها، وبمجرد إطلاع ذلك الفنان المطالب بإنشاء غلاف لكتاب الراوية يتخيل مجموعة من العلامات التي تكون متسقة ومتناسقة مع النص الروائي. وأهم ما نجده في غلاف الرواية اسم الكاتب الذي يعتبر أهم العناصر، التي لا يمكننا تجاهلها أو تجاوزها، لأنه العلامة الفارقة بين كاتب وآخر، فهي تثبت هوية الكتاب لصاحبه، ويحقق ملكيته الأدبية والفكرية على عمله. ويحمل الغلاف صورة تقع على البصر مباشرة، وهي علامة غير لغوية قد ينتبه إليها القارئ قبل العنوان أحيانًا. ولا ننسى تفاعل وتمازج الأشكال والأشعة الضوئية عبر اللون فيؤلف المظهر الخارجي في اللوحة بانسجامها لتحقق الوحدة الجمالية.
وهذا ما جاء في غلاف رواية "الطريق إلى سحماتا" فهو العتبة الأساسية التي تساعد القارئ في الدخول إلى النص لما يحمله من مؤشرات ودلالات. وقد خضع لمنطق مزدوج بين صاحب الرواية والقارئ الأول، فبمجرد إطلاع الفنان المطالب بإنشاء غلاف لكتاب الرواية يتخيل له مجموعة من العلامات التي تكون متسقة ومتناسقة مع النص الروائي. ويعد تحليل صورة الغلاف أول ما يتم البدء به كونها قراءة تتجاوز الوصف، لاعتبارها تحمل العديد من التأويل والقراءات، فهي قراءة تحاول الربط بين مستويي التعيين والتضمين اللذان يشكلان الوظيفة السيميائية. ومن هنا فغلاف الرواية لم يكن من صنع المؤلف وحده وإنما هو من صنع الفنان التشكيلي أيضا وكأنه عقد مشترك بينهما.
تظهر رواية "الطريق إلى سحماتا" بشكل طولي، طولها (21) وعرضها (14)، وهذا يدل على أن غلاف الرواية يتبع على مقاس متوسط (21*14). وتحمل صورة الغلاف لوحة فنية من تصميم الشاعر والفنان زهير أبو شايب، والغلاف كما قلنا يعد العتبة التي تصافح بصر المتلقي فأصبح ذا أهمية، فهو مدخل بصري إلى بنى النص بوصفه مجموعة من العلامات البصرية والتشكيلية التي تكون موجهة للقارئ، ويعمل على رسم أفق انتظاره وتحفيزه قبل القراءة. ويمنح الغلاف هوية بصرية يجب أن نقبلها كإحدى هويات النص، فالغلاف أول من يحقق التواصل مع القارئ قبل النص نفسه (حسين نجمي، شعرية الفضاء السردي، ص:22).
وجاء غلاف الرواية مستندًا على جملة من العناصر المتجانسة، حيث تبدأ الصورة بالخلفية الزرقاء النابعة ربما من سماء سحماتا الصافية، كما ظهر فيها حمامتان الأولى تحمل في فمها ورقة بيضاء على شكل طائرة، بينما الأخرى وكأنها تجلس تنتظر وصولها على أيقونة أسطوانية حمراء اللون وكأنها تمثل نقطة إطفاء، الألوان والحمام تدل على السلام والنقاء، ربما أراد من ذلك الروائي أن يبعث الأمل بتحقق حلم السلام والعودة. ولم تكن اللوحة هذه عبثًا بل وضعت بقصدية وتعكس مضمون العمل الأدبي.
أما بالنسبة لاسم الكاتب فقد جاء متصدرًا للغلاف وتحته العنوان. إذًا تموضع اسم المؤلف في الرواية في واجهة الغلاف، فكأن الروائي إبراهيم السعافين أراد إبراز حضوره المتميز منذ البداية، وكان اسمه فوق العنوان مباشرة، ليثبت الروائي أنه جزء لا يتجزأ من النص وأحداثه. وجاء الاسم باللون الأبيض، ومن المتعارف عليه فهو يعد مؤشرًا لنهاية دورة في حياة الإنسان وبداية دورة جديدة، وهو من الألوان المشرقة، كما يرمز للنقاء والسلام والهدوء والراحة، وبرأي فالروائي إبراهيم السعافين يتصف بتلك الصفات، وربما أراد من ذلك أيضًا أن يصف لنا شخصيات الرواية بأنهم يتصفون بالنقاء والهدوء وحلمهم السلام والعيش في وطنهم فلسطين.
أما الغلاف الخلفي للرواية والذي يعد العتبة الأخيرة للكاتب وتقوم بوظيفة عملية، وتعد عتبة أساسية لا تقل أهمية عن الواجهة الأمامية، وهي دلالة على إنهاء العمل وتزيد الرواية جمالية وجاذبية للمتلقي، وقد اشتملت الواجهة الخلفية للرواية على صورة كلاسيكية للروائي وربما كان لذلك انعكاس على سردية الرواية، وبجانبها نجد كلمات موجزة كتبها الناقد والشاعر زهير أبو شايب، تشيد بهذا العمل والذي وصفه برواية دافئة وعذبة وملأى بالشخصيات الإيجابية...
سيمياء العنوان
أصبح العنوان في النص الحديث ضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها في بناء النصوص، والعنوان له الصدارة حيث يبرز متميزًا بشكله وحجمه فهو أول لقاء بالقارئ والنص.
لقد كُتِبَ عنوان الرواية بالبند العريض حتى يتسنى للقارئ تمييزه عن جميع العناصر الأخرى، وتموضع العنوان بعد اسم الكاتب مباشرة، ليدل على أهمية العنوان وارتباطه بصاحبه، كما أنه وضعت لفظة رواية في أعلى الغلاف الى الجهة اليسرى وبلون البنفسجي، وذلك لتمييز العمل عن باقي الأجناس الأخرى كالقصة.
جاء العنوان بالصيغة الاسمية مزدوجة بين صيغتين يفصل بينهما حرف الجر (الطريق إلى سحماتا)، ومن دلالات الجملة الاسمية الثبوت والاستقرار، وكأن الروائي أراد من ذلك ثبات واستقرار شخوص الرواية في طريقهم إلى الوطن والعمل بجهد للعودة وتحريره، فالطريق دلالة على الرحلة التي ستمضي بها شخوص الرواية وأحداثها، وحرف الجر إلى من معانيه انتهاء الغاية المكانية وكأن الكاتب يشير إلى أن الأحداث ستؤول وتنتهي في قرية سحماتا، القرية الصامدة في شمال عكا في فلسطين الأم، والتي في الأصل تبدأ منها أحداث الرواية. وقد جاء كذلك باللون الأبيض الدال على النقاء والسلام، وربما هذا ما جعله يكتسب بعدا جماليا فالخط واللون يحملان خصوصية كعلامة رمزية للنص.
فالعنوان يعد عتبة رئيسة تقع عليها أنظار المتلقي وهو يدخل ضمن الوظيفة الإغرائية التي تستدعي القارئ وتستدرجه لقراءة النص وفك معانيه، فيؤثر فيه ويثير في نفسه نوع من الفضول لمعرفة حكاية هذه القرية وما آلت إليه، ولا يستطيع ذلك إلا من خلال الولوج إلى النص.
وبعد هذه الرحلة في فضاء الغلاف الخارجي للرواية نستطيع القول لا يمكن لأي قارئ للنص أن يتجاهل عتباته النصية فهي رسالة بين المتلقي والكاتب تمكنه من الولوج إلى النص وتمنحه مفاتيح الاستكشاف. وهي فضاء من العلامات والدلالات ولها وظيفتها الإغرائية والملفتة، وتضيفت جمالية على النص.
***
د. نهال عبد الله غرايبة
أكاديمية وباحثة أردنية/ أستاذ مساعد/ قسم اللغة العربية وآدابها/ الجامعة الإسلامية بمينيسوتا/ المركز الرئيسي