أقلام حرة

ضياء محسن الاسدي: الجزية في المفهوم القرآني

أن الرسالة المحمدية أصبحت تعاني من الابتعاد عنها وبدأ الكثير من رجال الدين والفقهاء السلفية والنمطية بإفراغها من محتواها التشريعي ومنهجها بقصد أو بدون قصد لولا النزر اليسير من المفكرين الذين تولوا مهمة إعادة صياغة منهج العقيدة الإسلامية المتمثلة بالقرآن الكريم وتشذيب مفهوم الرسالة الخاتمة وتحريرها من الفكر السلفي القديم الذي واكب عصرهم ومكانهم وطريقة فهمهم لهذه الرسالة الإلهية لهذا كثُر التخوف من بعض نصوص القرآن نتيجة الفهم الخاطئ لها وأصبحت النصوص والآيات موقع نفور وانتقاد ورفض للكثير من هذا الدستور والمشروع الإلهي الذي بُعث للناس جميعا ولجميع الملل والنحل ومن هذه النصوص مفهوم (الجزية) التي جاء ذكرها في القرآن الكريم وكيف فرضها الله تعالى على الناس وللمخالفين لعقيدتنا على حد سواء. أولا يجب أن نعرف ونقر أن الله تعالى عادلا ورحيما وغنيا عن العالمين وغير محتاج لخلقه لا ماديا ولا معنويا (ومن كفر فأن الله غنيا عن العالمين) آل عمران 97 و(ومن الذين آمنوا من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا أن الله يفصل بينهم يوم القيامة أن الله على كل شيء شهيد) الحج 17. ولو استعرضنا معنى كلمة الجزية من خلال المفهوم القرآني وتتبع معناها في الآيات الأخرى بلسان عربي مبين والتي ورد ذكرها في مواضع عدة على شكل مفردات واشتقاقات فكانت عل صيغ منها (جزائهم – سيجزي – تجزون – جزيناهم – جاز- الجزاء) وغيرها من موارد كثيرة هنا نستطيع أن نفهم أن الجزية هي ليست خيارا أو حلا قرآنيا اتجاه أهل الكتاب من أتباع سيدنا موسى وعيسى عليهم السلام ولا من الكفار والملحدين بأن لهم خيارات أما الإسلام أو الاستسلام أو القتال وأما دفع الجزية وهي مبالغ مالية تُدفع لبيت مال المسلمين مقابل ضمان حياتهم ومعتقداتهم كما فهمونا سابقا وتثقفت عليها عقول الأمة الإسلامية ولو كان كذلك لذكر الله تعالى كلمة الفدية أو الكفارة كبديل عنها في المعنى كما ذُكرت في الصوم وكفارة حلف اليمين الكاذب أو الفداء للأسرى من المقاتلين وأن هذا المفهوم الخاطئ للجزية وهو الخيار لأهل الذمة هو منافي لرحمة الله تعالى وحرية التعبير والمعتقد الذي حرر الإنسان منه وهو يتكفل بالحساب في الآخرة حصرا وكذلك جعلوا من هذا المفهوم سيفا مسلطا على رقاب الشعوب الأخرى وسببا شرعيا وشرعية لأولي الأمر والسلطة ومبررا لفتح البلدان خارج الجزيرة العربية وتصفية الخصوم السياسيين وفي العقيدة مما أدى إلى تقويض الدولة الإسلامية الفتية ومعاداتها وردود أفعال عنيفة ضد الإسلام وفكره وساهمت هذه الفتوحات في فساد عقيدة الأمة الإسلامية وشعوبها نتيجة جهل بعض الفقهاء السياسة وفتاواهم التي تصب في مصلحتهم ومصلحة السلطة آنذاك ولية نعمتهم.أما من وجهة نظر المفكرين المعاصرين الذين تعمقوا في معرفة المفاهيم القرآنية والشريعة والفقه الإسلامي حيث فهموا الجزية على أنها الجزاء ووسيلة ردع قانونية لكل من الذين يحاربون الله ورسوله والذين هم ضد القانون الإلهي والمدني وضد الممارسات الإجرامية لبعض أفراد المجتمع الذين سماهم الله تعالى بالمجرمين حيث قطعوا الصلة مع المجتمع والله.

فقد حاول البعض من أفراغ كلمة الجزية محتواها ومرادها والتي تساهم في قطع دابر المجرمين الذين يمارسون الأفعال والسلوكيات المنحرفة المهينة في المجتمعات ومن هذه الآيات التي تعاضد هذا المفهوم (أني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) المائدة 29 وكذلك (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا...) المائدة 33 و(ثم يجزاه الجزاء الأوفى) النجم 41 و(ومن يعمل سوء يجز به) النساء 123 وبعد هذا الطرح الموجز فأن الله تعالى والقرآن برئ من أن يظلم أحدا ويجبر عباده على طاعته بل هو عادلا رحيما رءوف في منهجه وعقيدته المرسلة إلى البشر جميعا.

***

ضياء محسن الاسدي

في المثقف اليوم