قضايا
سناء حميد البياتي: "نظرية الصفر اللغوي" ترد على مقال الدكتور ضياء خضير
نشرت صحيفة المثقف مقالا للدكتور ضياء خضير تحت عنوان: نظرية الصفر اللغوي للدكتورة سناء حميد البياتي في عددها الصادر بتاريخ 5/12/2025
يقول الدكتور ضياء في مطلع مقالته أن صديقه بعث له بفيديو يظهر فيه الزميلة الدكتورة سناء البياتي مع الأستاذ باسم الجمل ببرنامج تتحدث فيه عن نظرية الصفر اللغوي.. ثم يبني نقده وانتقاصه من هذه النظرية مستندًا على هذه المقابلة، وكان الأجدر بصاحب المقال أن يقرأ كتاب (نظرية الصفر اللغوي للنحو الكلّي وتطبيقاتها في العربية) الذي صدر عن دار كنوز المعرفة في الأردن ليكون منصفًا في ملاحظاته.
إذ يقدم الكتاب تعريفًا لنظرية الصفر اللغوي وتوضيحًا لمفهوم الصفر اللغوي وهو: نظام آليّة عمل الدماغ البشري لإنتاج اللغة، ويشرح الكتاب - وبالرسوم التوضيحية - المراحل التي تمرّ بها الفكرة لكي تُنتج جملة منطوقة أو مكتوبة، ويوضح أسس النظرية من حيث المبادئ والمنطلقات ثم النتائج المترتبة على تطبيقها في اللغة العربية، ولا يصح أن يعتمد الدكتور ضياء في نقضه والانتقاص من الجهد على محاورة محددة بوقت لا يتسع للشرح المفصّل لجوانب النظرية كافة.
لذلك يؤسفني أن أقول: إن صاحب المقال لم يفهم (نظرية الصفر اللغوي) حق الفهم، واختزلها اختزالا غير منصف، ولو قرأ الكتاب لعلم كيف طبقتُها على عدد من اللغات ونجحتُ في تطبيقها، وكيف أثبتتِ النظريةُ أنّ توزيعَ العلامات على الكلمات في اللغة العربية دليلٌ على أن العقل الذي أنتج هذه اللغة عقلٌ يتميز بالدّقة والتنظيم، مع الإثبات العلمي لهذه النتيجة، وكيف يمكن تسهيل تعليم لغة معينة للناطقين بغيرها من خلال الاعتماد على معاني النحو المشتركة بين اللغات التي حددتها نظريةُ الصفر اللغوي بأربعة معان رئيسة فقط، وبذلك يسهل تعليم اللغات بالاستناد إلى المشتركات التي يعتمدها المترجم عادة في الانتقال من لغة إلى أخرى، ولو قرأ الكتاب لعلم أيضا أنّ من النتائج المهمة لهذه النظرية أنها تُسهم في كشف إعجاز القرآن الكريم، و تحدد مواضع بعض أمراض الكلام الكامنة في جهاز انتاج اللغة في الدماغ من خلال العارض الذي يعاني منه المتكلم من حبسة أو غيرها من أمراض الكلام.
وأمور أخرى كثيرة مذكورة في الكتاب المنشور.
وقد ذكر صاحب المقال أن رئيس المجمع العلمي العراقي رفض النظرية، ورفضه هذا ليس بحجة، لأن فهمه للصفر هو: العدم، أو هو اللاشيء، وأنا عارضته في أن الصفر مصطلح لمفهوم مهم جدا، وهو لا يعني اللاشيء وإنما هو الأساس في بناء كل شيء، ولا يمكن ان نبني الأشياء بناءً سليمًا ما لم نبدأ من الأساس، ثمّ يُشيد رئيس المجمع بالعرب ويفتخر بأنهم اكتشفوا الصفر وأنهم أهدوا العالم هذا الاكتشاف، فهل أهدوا العالَم اللاشيء أو العدم؟
وفي مجال اللغة (نظام آليّة عمل الدماغ لإنتاج اللغة) الذي اكتشفتُه هو (مرحلة الصفر) لأنه المرحلة الماثلة ما بين انبثاق الأفكار المراد التعبير عنها بجمل، والجمل المعبرة عن تلك الأفكار كما أن الصفر الرياضي هو المرحلة الماثلة ما بين الأعداد الموجبة والأعداد السالبة، وقد وصفتُ هذا النظام وتلك الآليّة بدقة، وطبقته على أكثر من لغة ونجحت في تطبيقه، ويكفي أن يكون النجاح في التطبيق دليلًا على صحة نظرية لسانية مقرها في الدماغ البشري.
وهنا يطيب لي أن أسأل الدكتور ضياء خضير هذا السؤال:
هل دماغ الإنسان يُنتج اللغة وفق نظام أم أن إنتاج اللغة عشوائيٌ؟ بالتأكيد ستقول لابد أن يكون إنتاجها وفق نظام. إذن هات لي نظامًا آخر غير النظام الذي وصفتْه وحددت معالمَه نظريةُ الصفر اللغوي وطبّقه على عدد من اللغات كما فعلت نظريةُ الصفر اللغوي التي وصفت نظام آلّيّة عمل الدماغ لإنتاج اللغة وطبقته على عدد من اللغات ونجحت في التطبيق.
طبعا لا تستطيع...
والآن لنطلب من الدكتور ضياء خضير أن يذهب وينقّب في كتب العلماء ويأتينا بمن قدّم نظامًا متكاملًا لآليّة عمل الدماغ لإنتاج اللغة وطبّقَه على لغاتٍ متعددة ونجح في التطبيق كما فعلت نظرية الصفر اللغوي.
بالتأكيد لا يستطيع الدكتور ضياء خضير ولا غيره فعل ذلك وكل ما أورده في المقال (تشويش) على اكتشاف مهم ظهر في بيئة تنتقص وتتندر على جهود علمائها.. والله المستعان.
نعم إن تشومسكي أول من قال بوجود النحو الكلّي ولكنه لم يحدد قواعد النحو الكلّي كما حددتها نظرية الصفر اللغوي في الكتاب المذكور، ولم يستطع تطبيق نظريته (التوليدية التحويلية) على عدد من اللغات أو أن تكون لها نتائج يُستفاد منها في مجالات متعددة أو يستفاد منها في بناء منهج تعليمي للغة من اللغات كما فعلت نظرية الصفر اللغوي في كتابي (قواعد اللغة العربية بمفاهيم جديدة وتعليمية) المنشور في دار أكتب في مصر.
وللعلم إن نظرية الصفر اللغوي انطلقت من التراث العربي وهي امتداد لنظرية النظم لعبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز ولكنها التقت مع النظرية التوليدية التحويلية في أن كلا النظريتين تبحثان في منطقة واحدة هي: اللغة في الدماغ البشري، وقد حاول تشومسكي منذ عام 1957 في كتابه (البنى التركيبية) أن يصل إلى قواعد النحو الكلي، ورغم المراحل التي مرت بها نظريتة لحين كتابه الصادر عام 1995 البرنامج الأدنوي The Minimalist Program لم يتوصل تشومسكي إلى تحديد قواعد النحو الكلي كما حددتها نظرية الصفر اللغوي بأربع قواعد رئيسة فقط هي معاني النحو الرئيسة الرابطة بين الكلمات، أضف إلى ذلك أن نظرية الصفر اللغوي حددت المراحل التي تمر بها الفكرة لكي تُنتج كجملة بثلاث مراحل ذكرتُ مسمياتها وآليّة عمل كل مرحلة من المراحل.
إن نظرية الصفر اللغوي ترفض مبدأ التحويل عند تشومسكي لأن تشومسكي يرى أن (الجملة النواة) التي يولدها الدماغ هي المركز وهي المنطلق وهي الأصل على حد تعبير النحاة العرب، والجملة النواة عنده هي: (الجملة الخبرية المثبتة بأصغر أشكالها) ومنها يبدأ بتحويل الجُملة إلى الشكل النهائي الناتج في البنية السطحية كالجملة المنفية أو الاستفهامية أو غيرها، ولتقريب مبدأ التحويل عند تشومسكي بمثال: إذا قلت (ما سافر زيدٌ) فإن الدماغ - حسب رأي تشومسكي- كان قد ولّد في البنية العميقة جملة صغيرة هي (سافر زيدٌ) ثم تحولت في الدماغ بإضافة النفي اليها فأصبحت (ما سافر زيدٌ) وتخرج للسطح بشكلها بعد التحويل (ما سافر زيدٌ)، لذلك فإن تشومسكي يرى أن إنتاج الجمل يمرّ في الدماغ بمرحلتين:
الأولى: توليد
الثانية: تحويل
في حين ان نظرية الصفر اللغوي ترفض مبدأ التحويل وتذهب بالأصل إلى أبعد من الجملة الخبرية المثبتة، تذهب إلى(معاني النحو) الرابطة بين كلمات جميع الجمل بما فيها الجملة الخبرية المثبتة القصيرة، وقد حددت النظرية تلك المعاني النحوية بأربعة معان رئيسة فقط هي: (الإسناد، التخصيص، الإضافة، التوضيح) وأن المعنى العام للفكرة- النفي مثلا- يتحدد منذ البدء في المرحلة الأولى التي تمر بها الفكرة، فالجملة تولد منفية من منذ البدء ولا تولد خبرية مثبتة ثم تتحول الى منفية كما في النظرية التوليدية التحويلية. وهذا يتناسب مع إدراك الإنسان الأشياء: من الكل إلى الجزء حسب نظرية (الجشتالت) في علم النفس الإدراكي، وفي الكتاب شرح مفصل لكل مرحلة تمر بها الفكرة ولكل معنى نحوي رابط يربط بين أجزاء الفكرة، وفيه تطبيق على اللغة العربية واللغة الإنكليزية واللغة السويدية ويمكن التطبيق بنفس الطريقة على جميع اللغات الطبيعية التي يمكن الترجمة منها وإليها.
لا أدري كيف يجرؤ ناقد على نقد نظرية منشورة في كتاب دون الاطلاع عليه! ولو اطلع عليه لأراح نفسه من ذكر قائمة بأسماء العلماء الذين اجتهدوا في تيسير قواعد العربية بدءًا من ابن مضاء القرطبي قديمًا مرورا بجميع من ذكرهم في العصر الحديث، وأكثرهم أهمية عندي (أستاذي) الدكتور مهدي المخزومي صاحب أهم كتاب (في النحو العربي نقد وتوجيه)، فليس هناك من ينكر جهود العلماء في مجال التيسير، ولكن كل عالم أخذ بطرف أو عدة اطراف من القواعد النحوية محاولا إيجاد البدائل الميسّرة، أما نظرية الصفر اللغوي فهي تأخذ بجوانب اللغة مجتمعة وتخرج بنظامها من مرحلة الصفر فتجمع جهود أولئك العلماء وتضيف إليه الكثير لأنها تنطلق باللغة من منبعها الأساس في الدماغ، وهي - نظرية الصفر اللغوي- بذلك لا تختلف عن مفهوم الصفر في الرياضيات، فقد كان اكتشاف الصفر الرياضي تنظيمًا للأعداد جميعًا وبنائها بناءً صحيحًا بعد أن كانت موجودة ولكنها ناقصة ومبعثرة وغير منظمة تنظيما يبدأ بها من الصفر.
نظرية الصفر اللغوي تؤكد أهمية التراكم المعرفي الذي قدمه هؤلاء العلماء العظماء وتؤكد أيضا أنها قفزت بهذا التراكم المعرفي قفزة إلى الأمام في كشف نظام آليّة عمل الدماغ لإنتاج اللغة، وبنت عليه منهجًا مقبولا لتعليم قواعد العربية، واذا كان تيسير وإصلاح مناهج تعليم العربية هي الفضيلة الوحيدة التي ذكرها صاحب المقال للدكتورة سناء البياتي فيجدر به أن يسائل نفسه: ألا يقتضي التيسير والإصلاح نظرية جديدة غير نظرية العامل نقيم عليها مناهج قواعد العربية؟ أم نبقى على أسس نظرية العامل والمعمول ونرقّع النظرية القديمة من هنا وهناك لتناسب فكر الدارسين في العصر الحديث؟
***
د. سناء حميد البياتي






