قراءات نقدية

عماد خالد رحمة: دراسة نقدية تحليلية موسّعة لنص الشاعر السوري مفيد خنسة

من سيمفونيّة الحب (10)

حسب (المنهج الرمزي الأسلوبي، النفسي، والهيرمينوطيقي)

***

- أولاً: مدخل إلى النص:

يأتي هذا المقطع من مشروع شعري أوسع هو سيمفونية الحب، حيث يتشابك الحسي بالعاطفي، ويختلط المادي بالأسطوري. النص أمامنا ليس غزلياً تقليدياً، بل هو مشهدية شعرية ذات طبقات: حبّ أنثوي، وحنين مكاني (الشام)، وإيحاءات تاريخية ومقاومية، ضمن نسيج لغوي مفعم بالرمز والانزياح.

- ثانياً: التحليل الرمزي الأسلوبي.

1. الحقول الرمزية.

المكان الزراعي/الطبيعي: (زيق البصل، الموج، النخل، العسل، الحدائق، الصنوبر، البيارة)

هذه الصور تحيل إلى الأرض بوصفها رحماً للحياة، وإلى علاقة المرأة بالمكان كتجسيد للأمومة والخصب.

- الجسد الأنثوي: يوظّف الشاعر الرموز الجسدية (الخصر، الأثداء، الصدر) ليس بوصفها غاية حسية، بل كجغرافيا رمزية للحب والوطن معاً.

الحيوانات/الطيور: (الحجل، القبّرة، النمل)

رموز متصلة بالبرية والحرية والعمل الدؤوب، وفي الوقت ذاته ذات دلالات إيحائية في التراث الشعبي.

- الأدوات الحربية: (السيف، السيّاف، الرماح).

تشير إلى حضور القوة والصراع، وارتباط الحب بالحماية والمواجهة.

- الثمار: (العسل، التفاح)

ترمز إلى الحلاوة والرغبة والحياة المتجددة.

2. الأسلوب:

- التقطيع المشهدي: النص مكتوب على هيئة لقطات متلاحقة، كل منها يقدّم صورة مكتملة.

- الانزياح اللغوي: (نهر القبل، ملك يحمي معاليق العسل، رمّاح فوق العين) تحوّل المعنى من الحسي المباشر إلى المجازي المركّب.

- التكرار البنائي: بدء النص وانتهاؤه بـ"تلك الجميلة" يخلق إطاراً دائرياً، كما في مقاطع السيمفونية الموسيقية التي تعود إلى اللحن الأساسي.

- التركيب النحوي المقطّع: علامات التعجب وكسر الجمل تمنح النص إيقاعاً متوتّراً، يناسب مزيج الشغف والحنين.

- ثالثاً: التحليل النفسي:

النص يكشف عن ثلاث طبقات نفسية:

1. الطبقة الإيروسية: الجمال الأنثوي حاضر بوصفه باعثاً للحياة وملهماً للحركة، لكنه ليس نزوة، بل حاجة وجودية.

2. الطبقة الوجدانية/النوستالجية: الحنين إلى الشام يتداخل مع صورة الحبيبة، فيتماهى الوطن مع الجسد الأنثوي.

3. الطبقة الصراعية: حضور السيف والرماح والسيّاف يوحي بأن الحب والوطن كلاهما في حالة تهديد، وأن الدفاع عنهما واجب عاطفي ووجودي.

على مستوى فرويدي، يمكن قراءة الصور الأنثوية بوصفها العودة إلى الأم الأولى، حيث الأرض والمرأة متّحدتان في صورة الحاضنة والمانحة. أما على مستوى (يونغي) , نسبة إلى - كارل غوستاف يونغ - ، فالمرأة هنا هي "الأنيما" في أقصى تجلياتها الرمزية، الممزوجة بطاقة الخصوبة والموت معًا.

- رابعاً: القراءة الهيرمينوطيقية (التأويلية):

- المستوى الظاهر: مشهد حبيبي متنوع الصور، يمزج الطبيعة بالجسد الأنثوي، مع إشارات للمكان الشامي.

- المستوى الرمزي العميق: الأنثى تمثل الشام، والجسد يمثل تضاريس الوطن، والثمار والحيوانات تمثل خيراته، فيما الأدوات الحربية تمثل التهديدات التي تستدعي الحماية.

- الزمن الشعري: ليس لحظة آنية، بل زمن دائري؛ الماضي والحاضر يتداخلان، والبيارة الأولى (الأرض المقدسة) تمتد إلى بيارة النمل القصيّ (رمز العمل والمثابرة حتى في المنفى).

- السؤال الختامي: "هل تأتي؟ لنغرس ما تبقى من أناشيد الأمل؟" هو نداء مزدوج: للحبيبة أن تعود، وللشام أن تنهض، وللأمل أن يُزرع مجدداً.

- خامساً: البنية الجدلية في النص:

النص يتحرك على محاور ثلاثية:

- المحور الأول: الحب/الوطن: تماهي الحبيبة مع الوطن يجعل العاطفة الشخصية ذات بعد جمعي.

المحور الثاني : الخصب/التهديد: الطبيعة المورقة تقابلها أدوات الحرب والدمار.

- المحور الثالث: الحنين/الرجاء: الحنين إلى الماضي يقابله دعوة لزراعة الأمل في المستقبل.

-سادساً: الخلاصة النقدية:

من سيمفونية الحب (10) نص متعدّد الأصوات والدلالات، يستخدم الرموز الزراعية والجسدية والطبيعية والعسكرية في نسيج واحد، ليجعل من المرأة تجسيداً للأرض والوطن والحلم. الأسلوب يعتمد على المشهدية المتقطعة، والصور الكثيفة، والإيقاع المتوتر. من منظور نفسي، النص يعبّر عن وحدة الحب والوطن كحاجة وجودية، ومن منظور هيرمينوطيقي، هو خطاب مقاوم يرفض الانفصال بين الحسي والمعنوي، بين الخاص والعام.

الجدول التحليلي هذا يربط بين الرموز والصور في نص الشاعر السوري مفيد خنسة «من سيمفونية الحب» (10) ودلالاتها في المستويات الثلاثة: الرمزي، النفسي، والهيرمينوطيقي.

الرمز / الصورة الشعرية الدلالة الرمزية الدلالة النفسية الدلالة الهيرمينوطيقية (التأويلية)

زيق البصل رمز للجذور البسيطة والخصب الأرضي حنين إلى الأصل والارتباط بالمكان الأم الوطن في بساطته الأولى قبل التشويه

الموج / نهر القبل فيض العاطفة والاندفاع الحسي الرغبة في الاتحاد والذوبان في الآخر الحب كقوة جارفة تربط الحبيب بالوطن

النخل / العسل رمز العطاء والحلاوة المستمدة من الجهد الإشباع الروحي والحسي معاً الثمر الطيب الناتج عن الصبر والمثابرة

ورد الحدائق المتساقط انطفاء الجمال وذبوله خيبة وفقدان براءة الحب أو الوطن زوال الخصوبة تحت وطأة الحرب أو الغياب

أثداء النساء رمز الخصوبة والحياة الحاجة إلى الحماية والحضن الأرض الأم التي تمنح الحياة وتتعرض للانتهاك

السيف / السيّاف / الرماح القوة والصراع والتهديد القلق والخوف من الفقد ضرورة الدفاع عن الحب/الوطن

التفاح المتدحرج سقوط الكمال والجمال فقدان ما هو ثمين انكسار الحلم أو انحرافه عن مساره

القبرة / الحجل الحرية والبرية والجمال الرشيق توق إلى الانطلاق والتحليق الأمل المرهون بالتحرر من القيد

البيارة / النمل الأرض والعمل الدؤوب المثابرة والاستمرارية رغم الصعاب وحدة العمل الإنساني الجماعي

الشام الحضن التاريخي والثقافي ملاذ نفسي ووجداني الرمز الأسمى للوطن والحب والهوية

هنا يصبح من السهل رؤية أن النص يعمل على مزج الرموز الحسية بالطبيعية والمكانية لخلق خطاب شعري مركّب، حيث تتداخل دلالات الجسد مع دلالات الأرض، ويتحوّل الحنين العاطفي إلى دعوة نهوض جماعية.

***

بقلم: عماد خالد رحمة – برلين

....................

من سيمفونيّة الحب (10)

بقلم مفيد خنسة

***

تلك الجميلةُ،

تنحني،

كي تنزعَ الأعشابَ عن زيقِ البصلْ،

والحلوة البيضاءُ،

ترمي صدرَها في الموجِ،

كي يرتدّ عن شطآنه،

نهرُ القبلْ،

والنخلُ متخّذاً من الوداي العيقِ،

الضخرَ في أجوافه،

ملكاً، لكي يحمي معاليق العسلْ

ما بالُه ورد الحدائقِ،

خلفَ منحدراتِ أثداء النساء تساقطت أوراقهُ

وتهدّمت شرفاتُ أشجارِ الصنوبرِ،

في الأسرّة،

والمساءُ الحلوُ في ثغرِ البريئة قد ذبُلْ

والنملُ،

ما بالُ الشمال يسيرُ منتصبَ النشيدِِ على قيصي؟!

والممراتُ القديمةُ بين حيطاني،

وهذا القشّ بين مفاصلي،

والدربُ، هذا الدرب من بيّارة الأقصى إلى بيارة النمل القصيّ

قد اكتملْ

وتشيرُ لي،

والخصرُ،!!

-ليتَ الشعرُ يُسعفني-

فأكتبَ ما أرى،

وتميلُ،

-ليت الفقريتركني-

لأقرأُ،

ما يقولُ:،

وساعدان،

وكوكبٌ،

والسيفُ!!،

تحت السيفِ، سيّافٌ

وفوق العين !!

رمّاح،

ورأس الحرة الحسناء عن تفاح من تهوى تدحرجَ وانفصلْ

لي فيكمُ قلبي،

وذاكرتي،

ونبضُ دمي،

وبعضُ مدامعي الحرى أيا أهل الجبلْ،

لي نوحُ قبّرةٍ،

وزفرةُ جدولٍ،

وهديلُ نائحةٍ،

على الأغصانِ، لي كشحُ الحجلْ

تلك الجميلةُ،

في ربوع الشامِ هل تأتي؟

لنغرس ما تبقى من أناشيد الأملْ؟!!!.

 

في المثقف اليوم