أقلام ثقافية

نسرين ابراهيم الشمري: ملأنا البحر حتى ضَاقَ عَنَّا

ملأنا البحر حتى ضَاقَ عَنَّا*

وَمَاءُ الْبَحْرِ نَمْلَؤُهُ سَفِينا

ملأنا البحر حتى ضاق عنا، وماء البحر نملؤه سفينا… هو أبلغ وصف يمكن أن نصف به رحلتنا التعليمية في جامعة كركوك، هذا الصرح العلمي القيم الذي أصبح منبعًا صافياً للمعرفة ومصدرًا للمهارات، إذ أُتيح لنا أن نصقلها تحت إشراف أساتذة أفذاذ، جعلوا من العلم بحرًا واسعًا لا تحده شواطئ، ومن كل تجربة تعليمية موجًا يدفئ العقول ويمده بالوعي.

جامعة كركوك، التي تقع في قلب المدينة، تظل من الصروح الأكاديمية البارزة في العراق، فكانت وما زالت جسراً بين الماضي الثقافي العريق والحاضر التعليمي النشط.

برز قسم اللغة العربية من الأقسام التي احتضنت نخبة من الأساتذة المتمرسين، إذ امتلكوا معرفة رصينة، مستندة إلى أمهات الكتب، ومزجوا بين أساليب التعليم التقليدية والفذّة، لتكون خبرتهم تجربة عملية وعلمية في آن واحد.

وكان من بين هؤلاء الأساتذة الذين تركوا بصمة واضحة في مسيرتناالدكتور   

دكتور سامي شهاب الجبوري

الدكتور عبد الرحمن محمود

الدكتور نوفل الناصر....

إلى جانب العديد من الأكاديميين الآخرين الذين عملوا على تطوير وصقل مهاراتنا النقدية والأدبية، وجعلوا من كل ورشة تدريبية بحرًا يفيض بالمعرفة والوعي.

ما يميز جامعة كركوك هو طبيعة مجتمعها الجامعي، الذي هو انعكاس طبيعي لطبيعة المجتمع الكركوكي المتعدد القوميات والأديان والمذاهب؛ عرب وأكراد وتركمان، مسلمون ومسيحيون، سنّة وشيعة، مع طوائف متنوعة أخرى.

وفي ظل هذا التنوع الكبير، كان الأساتذة نموذجًا في التعامل العلمي المحايد؛ فقد علمونا كيف نتجاوز الانحيازات والأيديولوجيات في تعاملاتنا مع النصوص، وكيف لا نسقط عليها أي أيديولوجية، وكيف نقرأها بعين نقدية مستقلة، بعيدًا عن أي تأثيرات خارجية، حتى نصبح طلبة واعين قادرين على استيعاب المعرفة بكل صفاء.

كانت ورشهم العلمية بمثابة بحار متسعة من المعرفة، نغترف منها دون توقف، وتكتنز ما يغذي عقولنا ويحرّك روحنا، واليوم، بعد أن تخرجنا، أصبحت لدينا سفننا الخاصة، أشرعتها مفتوحة أمام رياح المجد والمعرفة، تبحر في فضاءات العلم الرحبة، محملة بما تعلمناه من خبرة وإرشاد، ومتشبعة بفيض عطائهم الذي لا ينضب.

إن هذا العطاء المستمر يجعلنا نقف إجلالًا وامتنانًا لهؤلاء الأساتذة الكبار، فنقول: كنتم خير اليد التي مدت لنا، وخير السند الذي اعتمدنا عليه، وخير المعلمين الذين زرعوا فينا بذور الإبداع والوعي، وجعلوا من كل تجربة تعليمية موجة من الفهم والمعرفة،ةلقد منحتمونا أكثر من مجرد تعليم نظري؛ لقد فتحت لنا الأفق، وأمّنت لنا المساحة لنصبح قادة في بحار العلم التي صقلتموها، لتبحر سفننا دون خوف.

تحية حب وإجلال لحضراتكم، فأنتم النموذج الحي لما ينبغي أن يكون عليه التعليم: منبع صافٍ للعلم والمعرفة، بعيد عن الأيديولوجيات، وبيئة خصبة لصقل المواهب وتنمية القدرات، حيث يخرج كل طالب سفينة قادرة على الإبحار في بحار المعرفة كسندباد المغامر دون خوف، والساموراي المحارب بقلب شجاع، وابن بطوطة الرحال من نص إلى نص…

***

د نسرين ابراهيم الشمري

في المثقف اليوم