أقلام ثقافية

اسماء محمد مصطفى: حملة ثقافة المحبّة والسلام

سلسلة "المشغل التفاعلي" لمبادرة حملة ثقافة المحبّة والسلام

- التفاعل الكتابي في القطاع الحكومي العراقي: نهج مبتكر لحملة المحبّة والسلام

"هذا المقال جزء من سلسلة مقالات تهدف إلى التوثيق الإعلامي لمبادرة حملة ثقافة المحبة والسلام".

حين تقدّمتُ إلى مدير عام دار الكتب والوثائق الوطنية العراقية، في تشرين الثاني 2024، بفكرة إطلاق مبادرة حملة ثقافة المحبّة والسلام بالتعاون بين الدار، ومجلّة سماء الأمير الإلكترونية الرقمية التي أسّستها وأرأس تحريرها، تحت شعار «بالمحبة نبني العراق»، كان الهدف نشر قيم المحبّة والسلام، وتعزيز التسامح والتعايش، واحترام التنوع الثقافي، ومكافحة خطاب الكراهية في بلدنا، لتكون رسالة واضحة نحو مجتمع أكثر وحدة وازدهاراً، وكي نقطع الطريق على من يبثّون سمومهم في مختلف مفاصل الحياة في المجتمع الواقعي والفضاء الرقمي، وقد تمكّنوا من التأثير في بعض الضعفاء والمأزومين، ليجعلوا منهم جسوراً لزعزعة أمن المجتمع وإشاعة التفرقة بين المواطنين. من هنا جاءت أهمية أن نواجه هذه الهجمة الصفراء من الكراهية، لنعمل على إفشال مخططات هؤلاء من خلال إشاعة روح المحبّة.

كانت الخطة المبدئية إطلاق الحملة بصيغة مقالات وعبارات وملصقات ولوحات تُنشر عبر منصّات التواصل الاجتماعي أولاً، ومن ثم استحداث منصّة رقمية في الموقع الإلكتروني الرسمي للدار، في شباط 2025، لتكون أول منصّة إعلامية ثقافية رقمية رسمية في العراق، تجمع بين الإبداع البشري ونتاج الذكاء الاصطناعي في الكتابة والتحليل والفنون.

وجاء التنفيذ وفق الخطة. وكما يُقال: ابدأ العمل ونفّذه، ومن ثم طوّره وأنت في الطريق.

قرّرتُ تطوير المبادرة في آب 2025، لتعمل بشكل تفاعلي يجمع بين النشر الإعلامي الإلكتروني والفعاليات الواقعية الميدانية مع الجمهور، لتكون مساحة حيّة للتعلّم والإبداع والتفاعل الثقافي والإبداعي والمشاركة المجتمعية لجميع العراقيين.

وشمل الجانب التفاعلي إقامة فعاليات مع الجمهور كالقصص الملهمة، و«المحبّة والسلام من زاوية الاختصاص»، و«قصاصات محبّة»، و«هاشتاك تفاعل الناس مع الحملة»، و«المشغل التفاعلي الحضوري» مع الموظفين وغيرهم، وهذا هو موضوعنا هنا.

تقوم فكرة سلسلة المشاغل التي بدأت بتنفيذها في أيلول 2025 على إقامة مشغل لكل قسم أو شعبة في دار الكتب والوثائق كتجربة أولى، ويشمل تقديم محاضرة تمهيدية قصيرة عن أهمية إشاعة وتعزيز ثقافة المحبّة والسلام في بيئة العمل، تُفتح بعدها أبواب النقاش والتعبير بالكتابة، بمعنى إشراك الموظفين المشاركين في كتابة مساهمات موجزة تعبّر عن آرائهم ورؤاهم، ونشر تلك المساهمات لاحقاً ضمن مخرجات النشاط وأخبار المشغل إعلامياً، بما يعزّز انخراطهم الإيجابي في ترسيخ قيم التسامح، والتآخي، والتعايش، واحترام التنوع الثقافي، ومكافحة خطاب الكراهية في المجتمع الواقعي والافتراضي.

ويهدف هذا النشاط إلى إشراك موظفي الدار في صناعة خطاب إيجابي وبنّاء، انسجاماً مع رسالة الدار في خدمة المجتمع، ودعماً للجهود الوطنية في نشر ثقافة المحبّة والسلام، والمساهمة في بناء العراق بالمحبّة.

أمّا المشاغل التفاعلية المخصّصة للجمهور العام، فتُقام للمهتمّين في مكتبة الأجيال التابعة للدار من فنّانين وخطّاطين وموهوبين وزوار المكتبة، وكذلك للهواة من القرّاء الصغار، فضلاً عن استقطاب الجمهور عبر مشاغل افتراضية تُقام من خلال صفحاتنا على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى جانب إقامة مشاغل لموظفين في مؤسسات أخرى.

أقمنا منذ الرابع عشر من أيلول 2025 حتى يوم الثالث عشر من تشرين الأول 2025 ستة مشاغل لكل من شعبة التخطيط والمتابعة، والمركز الوطني للوثائق، وقسم الدوريات في المكتبة الوطنية، ومكتبة الأجيال التي شملت المشغلين اللذين أقمتهما فيها فنانو المرسم وخطّاطو مؤسسة ابن البواب للفنون الإسلامية ومعاونات مدرسة ابتدائية، وشعبة العلاقات والإعلام، وما زلنا مستمرين في إقامة المشاغل التي تتناول بيئة العمل مع الأخذ بعين الاعتبار نوع عمل كل قسم أو شعبة.

الملفت للنظر هو إقبال موظفي دار الكتب والوثائق على المشاغل وتفاعلهم النشط معها عبر نقاشاتهم ومساهماتهم الكتابية، في تجربة هي الأولى من نوعها رسمياً. ففي العادة تُقام ورش عمل يقتصر المشاركون فيها على النقاش والحوار الشفهي، لكن التفاعل بالكتابة في هذه المشاغل أسلوب جديد يميّز الحملة، ويتيح للمشاركين التعبير عن آرائهم بشكل أكثر دقة وعمق. وقد حظي هذا التفاعل بإشادة المشاركين ومتابعي صفحات دار الكتب والوثائق ومجلّة سماء الأمير في فيس بوك وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى.

ويمكن القول إنّ تطبيق أسلوب التفاعل الكتابي في مبادرة حملة ثقافة المحبّة والسلام يُعد مبتكراً في سياق القطاع الحكومي العراقي. هذا التوجه يُظهر تجديداً في أساليب العمل المؤسسي ويُسهم في تعزيز قيم التسامح والتعايش بين الموظفين.

وسنتوقف لاحقاً عند آرائهم بشكل علمي عبر استبيان يُوزّع بينهم، لنخرج بنتائج وتوصيات عملية هادفة للوقوف على أثر الحملة والمشاغل ونتائجها وتطويرها مستقبلاً.

وإلى أن نتوقف معكم عند فعالية أخرى من فعاليات الحملة، سنواصل أعمال المشغل، لنقيم لاحقاً معرضاً لنتاجات المشاركين، وسنستمر بتطوير الفعليات والمنشورات كلما وجدنا أهمية وموجباً لذلك، لأننا نطمح للأفضل من أجل مجتمع يرفل بالجمال، فالمحبّة والسلام حياة.

***

اسماء محمد مصطفى

في المثقف اليوم